.........بيت السمسمي....
_ لينة هيا يا جميلتي تعالي للأسفل الجميع في انتظارك. كانت تلك والدة لينة تنادي على ابنتها الخارجة توا من الحمام....شعرها القصير لايزال مبللا تسقط منه قطرات الماء على الممسحة الموضوعة على كتفيها...كانت لاتزال بثوب الحمام بعد....حين سبقتها والدتها الى الخزانة و أخرجت ثوبا أحمر طويل من الحرير بلا أكمام مرصع من الكتفين الى الصدر ....كان واضحا أنه غال الثمن لم تره من قبل في خزانتها ...قدمته لها السيدة فدوى في فتون كبير لكن لينة امتنعت عن ارتدائه بشارة انزعاج منها ...بالأحرى كانت تلك علامات تقزز لا انزعاج ...لكن أمها لا تعلم أنها تكره اللون الأحمر ...فقالت باقتضاب ..
_ أمي أكره هذا اللون .
شعرت الأم بخيبة كبيرة فذلك عكس ما أرادته لكنها تنهدت بقله حيلة متوجهة الى الخارج ...
_ اختاري ما تشائين اذا و انزلي سريعا .
بقيت لينة تتابع أمها بعينين مترصدين الى أن خفقت الباب بقوة فتحولت النظرة الى الفراغ و قالت تحدث نفسها بصوت خفيض...
_ الأزرق .....لوني المفضل هو الأزرق.
و اتجهت الى خزانة الأيام العادية و أخرجت ثوبا أزرق بلون السماء طويل الأكمام مشدود عند الرسغ و به بعض الزخرفات الشبه خفية من درجة داكنة من نفس اللون
و ضعت مشبك الفراشة في جانب شعرها و نزلت بسعادة غريبة لم تدر ما مصدرها لقد كانت تبدو رقيقة بتلك الثياب وجميلة بشكل طفولي رائع ....
أول من صادفت أسفل الدرج كانت أم جواد السيدة سارة استقبلتها بابتسامة صفراء كعادتها ...مهما حاولت أن تكون لطيفة فستخرج ابتسامتها صفراء خالية من الجمال أو حتى اللطف ....هي اعتادت على رسم العبوس على وجهها و جعلت لنفسها مهابة عجيبة في العائلة ...عملها كأستاذة جامعية لم يرق للجد حمادة في السابق لكنه تقبلها بسبب ثقل دمها العجيب .....هنا بالضبط ينطبق ذلك المثل الجزائري الشهير ....السامط يغلب القبيح .....
أي أن ثقيل الدم يغلب العصبي صعب المراس .
نزلتا الى الأسفل وكان أفراد السمسمي يجلسون في قاعة العائلة الكبيرة ....
تلك القاعة فخمة الطراز مميزة التصميم ...ملفوفة بورق الجدران الفاخر المائل الى الأحمر القرميدي ، احد الجدران مزين بالطوب الحديث ما يدعى شميني ...و فعلا تتوسطه مدفئة كبيرة موضوعة فقط للزينة...مملوءة بالتحف الفخارية الصغيرة والكبيرة و العائدة لأسفار الجد حمادة .
في السقف تتدلى ثرية كلاسيكية جميلة كأنها مصنوعة من الؤلؤ تتفرع كالشمعدان في ثمانية فروع منها الداخلية الصغيرة و الخارجية الأكبر منها
مظهر القاعة الكلاسيكي يعطيك احساسا بالذوق الفريد لذاك المدعو بالديكتاتور حمادة السمسمي.
أما الأثاث فكان جميعه من الخشب الأحمر الفاخر و مغلف بالجلد ذي اللون الدموي المائل الى القرمزي الداكن...
كانت قوانين الجد الصارمة تقتضي أن تتم اجتماعات العائلة المهمة و العادية كلها هنا حيث يجلسون في جو من السكون و الشعور بالمهابة ضمن حيز تلك القاعة الباردة صيفا و شتاء .
كانو جميعا متأنقين ينتظرون لينة لينتقلوا الى غرفة الطعام وهو الأمر الممنوع حصوله ان غاب أحد الأفراد دون عذر واضح.
دخلت بمظهرها البريء الناعم الذي لا يتناسب مع القاعة بأي شكل من الأشكال ....لم تضع أي قطرة مساحيق في وجهها عكس نساء العائلة كلهن....تغاضو عن كل ذلك و رحبو بها جميعا فرحين على الأرجح بسبب انه حان موعد الطعام بعد انتظار طويل.
جلسوا حسب الترتيب المعتاد في الطاولة و كما تتخيلون طبعا يتصدر الجد حمادة رأس الطاولة و يليه البقية ...
بدءوا يتحدثون في أشياء معتادة كأمور ادارة الفنادق و أحدث التطورات و أمور السياسة و غيرها في حين كانت أم جواد ساكتة كعادتها و لينة صامتة شاردة في معضم الأحيان حتى رانية التي تعيش في فرنسا حاليا كانت تشارك بحنكتها و ذكائها في الحديث و تبدي اهتماما شديدا في أمور الإدارة و السياسة الداخلية لها فتجدها تشارك بلغتها الفرنسية السلسة التي لا تجيد غيرها تقريبا و تتوسع في اثبات انتمائها لنسل السمسمي العريق و كل ذلك طبعا سعيا خلف الميراث .
الشخص الوحيد الطيب بينهم هو جواد لطالما أحبه الجد بشكل غريب فمن عادة الجد أن يكره طيبي القلب حاضري الشعور بل يمقتهم لظنه ان معظمهم مجرد سذج يسهل خداعهم و لا يحق لهم تمثيل عائلة السمسمي المهابة ....رغم ذلك ذكاء جواد و اعتنائه الحنون بجده بكل صدق جعل ذاك الأخير يحبه خصوصا لما يراه قائما بجدارة بالكثير من شؤون البيت و التكفل باقتصاده و غيرها من الأعمال...كل اهتمام الجد أن يكون أفراد عائلته يستحقون لقب السمسمي بالجدارة ذاتها و أول ما على السمسمي الإتصاف به هو الحنكة و الذكاء .
أنت تقرأ
أحلام طفولتنا
Romanceقد نمضي أحيانا في درب الدنيا متأكدين من مدى نضوجنا قد نستمر في تقوية أنفسنا بكلام كاذب ...أنا أكبر من أفعل ذلك ....أنا أعقل من أن أسقط في هذا الفخ ....أنا أقوى من أتعرض لذاك لكن ماذا ان لحدث لحياتنا ما يقلبها رأسا على عقب فجأة و انهار كل ما ظننا أن...