غير قادرة على دفن وعيي ضمن موج الأحلام المصطنعة لفترة أطول سرعان ما لفظتني اليقظة على شط الواقع يتنازعني شعور خانق بالخواء يستنزف كل حول بي أو طاقة ما عدا رغبة دفينة بالهروب.
هروبٌ يعد النوم أول مكامنه المقدسة وآخرها كل يوم وليلة حتى تعجز أوصالي الممدة عن إغوائه لفترة أطول فأتمدد بسكون متخذة من أغطية السرير مدفناً بارداً رغم أثار الدفء المتسربة من جسدي ودونما اهتمام بدفق الوقت فقد تعطلت منبهاتي منذ زمن.
حتى إذا ما لملمتني بقايا حس بالمسئولية مذكرة إياي بضرورة النهوض تلبية لنداء الطبيعة تارة ومراعاة لمواعيد العلاج الدقيقة تارة أخرى.
وهكذا، متشحة بأكبر قدر ممكن من أقمشة قطنية تحجب عن عيناي جزءاً من الحقيقة البشعة أشق طريقي كل ساعة عصرٍ أو غروب أيهما أقرب عبر الممرات الشائكة، فتمر مقلتاي سهواً على نافذة الزجاج الهشة. وباستثناء انعكاس وجهي الشاحب سرعان ما تتجاوزا حافة الجرف الصخري المنعزل حيث يقبع منزلنا لتقفزا في المحيط برشاقة فيتحدا لوناً وعمقاً ثم تمشطا رمال الشاطئ الممتد في الأفق بفضول ليصطدما على غير العادة بدبيب مراهقين متناثر.
- احتفال صاخب آخر هاه؟!
أدلك رقبتي بثقل بعد رؤية حشد الوجوه السعيدة الخالي من ملامحي؛ كان يفترض بي أيضاً التمرغ بذات حبيبات البهجة لولا سجل مرض حضره اسمي بكثرة في الآونة الأخيرة فغاب عن ركب الحياة الاجتماعية فأسدل ستار النافذة لأعود إلى الظلام الذي طبع بصمته عميقاً في قلبي وأسفل عيناي.
سرعان ما أدخل المطبخ وأبدأ بحشر المكونات الغذائية المتوافرة في أطباق بلاستيكية أموضعها في "المايكروويف" بعناية، الطريقة الآمنة والوحيدة التي أعرفها لطهو الطعام بسلام في إناء بلاستيكي دون أن يتبخر مع ذرات الماء.
ما إن ينضج الغداء حتى أذوق الطعم البلاستيكي الناتج عن تلك العملية المتطرفة وأذيقه لأبي بحرص ملعقة ملعقة حتى إذا ما فرغ كلانا من وجبته وتناول دوائه أحاصر المخلفات القذرة وحيدة في حوض المغسلة.
أرتدي القفازات البلاستيكية وأشرع في عملية الجلي الانتحارية لاعنة أدوات المائدة، الساعة التي ولدت فيها كأنثى كتب عليها دهر كامل من جلي الصحون اللانهائي، والهوس اللعين الذي اشترى كل شيء من خام البلاستيك تحديداً. ذاك الخام النتن الذي تعلق به بقايا الطعام ورائحتها كالطفيليات لا يثني عزمها عن ذلك لترات صابون الجلي ومن ثم جالونات ماء الشطف كي لا تحل نكهة الصابون ضيفاً على الطبخة التالية!
أفرك، أفرك، أفرك، ومع ذلك تظل الرائحة عالقة فأرطم الأطباق بقاع الحوض ناقمة، لا أدري أَناقمةٌ أنا من وقاحة خامها البارد أم من حرقة الحقيقية التي تعكسها بوضوح على صفحة ذاتي الحالية؛ مهما غسلتها أطنان الملهيات بصابون التغافل ستبقى في النهاية وحيدة، خاوية، ومستسلمة!
يتابع الماء النقي انسكابه من الصنبور في الخلفية فتنسكب معه ذاكرتي وكأنها الأمس لا تشوبه شائبه.
أنت تقرأ
شعور أزرق
Short Storyكمشاعري المضطربة تماماً شهدت احتضار الموج الأزرق تدريجياً بسمٍ بلاستيكي..