" آسي " ....ادعي آسي اسم رقيق لين مثلي هكذا يقول لي ابي و يقول لي انه قوي صلب جامد ، اسم فرنساوي الاصل و المنشأ كلمة بسيطة للغاية و تعني فولاذ لان ابنتي مصنوعة من الفولاذ رقيقة كالفرنسية و صلبة كالفولاذ و يبدأ من هنا ابي قصته يوم ولادتي التي لا اعرف كيف كان ابي يجري و قتها في تلك الدهاليز و لكني اعلم كيف الصبية ذات الستة اعوام تجري و ترمح فيها و يلاحقها خصلات شعره التي ارتضمت توا بظهرها .
و برغم كونها هي و ابيها جريا كثيرا في تلك الدهاليز الا انها ليست ملك لأبيها او لها !
بل لتلك الفتاة ، " غزلان " التي ترمقني بنظرات الازدراء و ترفع فستانها القصير المنفوش كأميرة من ثم تعطيني ظهرها
لطالما وددت في احد تلك الفساتين فلم تكرر هي طوال الستة اعوام – حسب ما اذكر – أي فستان و كل مرة كان يسرق لبي فكرا في تلك الفساتين وروعتها و اظل احلم بها ......
في ذلك اليوم الذي طرقت فيه قطرات المطر النوافذ و صفعت الرياح الابواب و بشدة و صوت الرعد يصرخ في الاذان ولدت انا نحيلة هزيلة و برغم من ذلك اسميت آسي فولاذ و قبل ذلك اليوم ولدت هي سارقا اشعة الشمس غازلة منها شعرها و انعكست لون السماء الصافية علي عينها ولدت هي حميراء مثلما ولدت انا شاحبة الوجه حتي الطبيعة احبتها و حتي الوجود لعنني !
لم نتفق قط ابدا فهي السيدة و انا الخادمة هي الغنية المترفة و انا الفقيرة المهملة و لكني نوعا ما لم اهتم – نوعا ما – فقد كنت اجري في الحدائق اشم عبق اللافندر تارة و العب تارة اخري الي ان تنتهي امي من مهامها التي لم تكن تنتهي لأجد قدامي تقودني نحو الاسطبل حيث يعمل أبي مع الاحصنة فهم أفضل و بشدة من العمل مع هؤلاء الأغنياء المتعجرفين لم يمتع يومي اي شيء سوي رؤية ابي و سماع صراخ " غزلان " و هي تتأفأف مللا من صعوبة دروس البيانو كان ذلك يجعلني سعيدة و بشدة و يجعلني احب حريتي و كوني وحيدة طوال اليوم
و لم امقت في حياتي سوي تناولنا لبواقي الطعام ، طعام السادة الذي ظلت امي تقدمه لساعات و تعديه مرة اخري للمطبخ بعد ان تم بعثرته فقط بعثرته ، لنأكله نحن من بعد ذلك !!
و عشقت لعبي طوال اليوم و عودتي للفراش و احتضاني اياه بقوة بعد يوم شاق و من ثم ابدأ تفكيري كيف سيكون فستان " عزلان " غدا ؟؟!!
استيقظت بسبب صياح الديك لست كتلك المدللة استيقظ علي عبير وردة او احدهم يغني لي
مشط شعري لقد كان – و حتي بعدك تمشيطي – له فوضويا لازلت مثلما انا نحيلة فارعة الطول لاعلم من اين ورثت تلك الصفة لكني اظنني اكتسبتها من جري و تعلقي بالشاحنات و السيارات التي كانت تمرر امام القصر و لكني توقفت عن كل تلك العادات فلقد أصبحت في السادسة عشر ، عشرة اعوام مرت في طرفة عين لا اعلم كيف أو متي و لكني أدرك أني لازلت امقط و بشدة تلك الحياة لم يعد عودتي للفراش بعد يوم شاق يسعدني بل اظل اسب و العن اليوم الذي ولدت فيه و لم اعد افكر في اي فستان سترديه السيدة غدا بل فقط كيف يمر اليوم بسلام لم يعد جدولي فارغا اصبحت أعمل من الصباح الباكر حتي منتصف الليل ، و هالات سوداء عرفت الطريق لأسفل عيناي و اصبحت أكثر شحوبا من ذي قبل ولم انبس بنيت شفة لا أريد أن أزيد الأحمال علي أبواي فقد اتخذت قرار العمل معهم من اجل توفير المال و كذلك مجهودهما فقد تعبا كثيرا في القصر و في تربية غزلان التي لم يؤثر فيها شيء لازلت اذكر كلماتها المسمومة التي تستمر في طعني بها شاحبة ، طويلة ، رفيعة ، من ينظر لكي يشمئز من المفترض ان تشكريني لأني انظر لتلك القباحة المسماة بوجهك كنت اعلم علم اليقين اني ان اخبرت امي او ابي فلن يحصل اي شيء بل سيسلب ما بقي لي من رضا و شعور بالإيمان فرغبت ان يكن ردي علي تلك الاهانات الجارحة هو الصمت .. و كأني انا هي الأقوى التي صفحت رغم انني لست ابدا بتلك القوة التي اتظاهر بها
لازال ذلك اليوم لا يبرح و ينفك عن جعلي اتذكره ، ذلك اليوم الذي اخذت فيه فستان غزلان بعدما تكرمت السيدة علينا به و وجدت اصدقاء عزلان يتهامسون مع بعضهم البعض و هي في المنتصف تضحك نادتني بود و للمرة الاولي !! كنت اعلم ان وراء ذلك شيء ما شيء لم تستطع الفتاة ذات العشرة اعوام استيعابه ذهبت لها مبتسمة اخطو خطوات كبيرة باسمة الثعر تشع السعادة من عيناي لتدمع عيناي اثر ذلك الضوء فقد قالت ببرود اليس ذلك فستاني لتغضب بعدها و تقول اخلعيه حالا اتسعت عيناي لم اعلم ماذا افعل لأجدها مدت يدها ساحبة اياه ناتجة عن ذلك تمزقه لتمدد كل الايادي و تساهم في تمزيقه و تمزيق فرحتي معه احاول احدكم ان يتلاق مع يدي الاخر في اسعادي افراحي او مساعدتي حتي مثلما تتسابقون عن اي يد ستصل اولا و تمزق اكثر !!
اذكر ان تلك كانت ليلة ميلاد اللعنة يوم ميلادي لم ارد أن اقوم من الفراش بالرغم من كونه مهترئ الا اني بقيت ابكي و احاول ان اكفكف دموعي احتضنت اوصالي و بشدة و كأني الملم ذاتي ظلت امي تسألي عن ما حدث لبضع دقائق و لكني ظللت اتظاهر بالقوة حتي و جدت الفستان و هو ممزق لتتهاوي يدها علي و جهي و تصفعني بقيت اثار اناملها علي وجهي المحمر و خرجت غاضبة صافعة الباب هو الاخر خلفها بقوة
غيرني ذلك الموقف كثيرا كثيرا وعصف بكياني و وجداني و القاه بعيدا امنت بتلك الشعارات التي تتحدث عن القوة و ان السلام بدون قوة ضعف و ان صمتي هذا لن يولد سوي البغضاء ليس لها !!! بل لذاتي و ضعفها لن انكر اني اخذت جانبا من امي و من ابي بعد ذلك الموقف و لازلت حتي اليوم
قد يظن البعض ان غزلان هي ابنتهم و كأن كل ما اهدته الحياة لها ليس كافيا اما ابويها فيعملان بجد لتتسع تلك الدهاليز و لكني لم اعد اجري فيها كالسابق و كأن سلاسل و قيود الفقر احكمت وثاقها علي اوصالي و بشدة .
اصبحت اكثر عنقا شراسة و مدافعة عن حقي اجل حقي لا اريد سوي حقي !!!!
سمعت كثيرا كثيرا شهقات غزلان و بكاءها من خلف باب غرفتها لم اعلم قد ما قد يحتويه و يحجبه هذا الباب المنغرس المزين عن انظاري لم اسمع سوي الشهقات و التذمر و لم اشم سوي اجود العطور شتان بين ذلك و ذاك حقا ما الذي يخفيه هذا الباب الصلب !!
كلما كنت اكثر عنفا كلما وجدت غزلان اتخذت جانبا و لكن حينما كان يأتي أصحابها لم تكن تضيع فرصة في اغضابي و ازعاجي و بالرغم من محاولاتي الكثيرة في تفاديهم الا انهم استمروا بتنغيص و تكدير الحياة علي و كأن الرب قد من علي بفرصة الوجود علي الارض و انا لا استحقها او كأني سلبت انا فرصتهم !!!!
ظلت كثيرا صامتة هادئة اتعامل مع تلك المواقف بهدوء و حكمة شديدان الي ان اتي ذلك اليوم غضبت كثيرا و برغم من انهم قالوا امورا اشد قبحا و اشد قسوة في نهش ذاتي و جرحها بدون الرحمة لكن احد تلك الجروح الذي لم يشفي بعد – و لن يشفي – آن من وضع الملح عليه ، و قررت أن اقتحم تلك الغرفة و اكسر ذلك الفضول و تلك السلطة و القدسية لتلك الغرفة .
اقتحمتها ممسكة مقص حاد و ضعت يدي علي المقبض كان باردا مما جعل القشعريرة تسري في جسدي انزلته قليلا لينفتح ذلك الباب مصدرا صريرا و لتحاوطني الروائح و العطور و لأرفع اقدامي و أسير بخطوات ناقمة غاضبة ممسكة المقص متجهة نحو الخزانة لأفتحها و ابدأ بقص تلك الفساتين و كلما سقطت احدي القصاصات ارضا تذكرت دفع غزلان لي و ضربها و تذكرت تلك السخرية التي كنت انا محلها و حاوطتني من كل النواحي و سخريتهم و بشدة علي يوم حادثة الفستان و كأن تلك العبارات هزت و جداني مجددا معيدة كل تلك المشاعر الحزينة و صفع امي و تجاهلها امري و كل شيء و كل شيء مر في حياتي طوال الثماني عشر سنين حقا انها سنين لم يكن منها عاما واحد * اظن ان كان فيها و لو علي الاقل عاما طيبا لما كنت هنا دخلت غزلان الغرفة مندفعة قاطعة حبل افكاري دافعة اياي معيدة كل ما حدث لي طوال الثماني عشر من صراخ و دفع حتي انها صفعتني !!!! و كأن في تلك اللحظة تجمعت كل ردود الفعل التي كان من المفترض ان تحصل سابقا
غرزت المقص في صدرها لترتشق الدماء علي وجهي من ثم ملوثا يدي و كأن ذلك السائل الدبق قد اطفأ و اخمد النيران التي اشتعلت بداخلي طوال تلك السنين تركت المقص و تركت غزلان تصارع الموت – فلتريني ايتها الحياة كيف ستتغلبين الموت الآن !!! –
جريت خارجا اسرعت نحو الحديقة مكاني الأثير و حيث كنت دوما اجلس وانا صغيرة و كأني رغبت ان اعود صغيرة لكني انفس عن كل ما حصل لي وقتها لكي لا يصل الامر الي ذلك المنتهي
ظلت تحك كفيها في الصخور لعل تلك الدماء التي لوثت كفيها ان تزول و لكن ذلك لم يزد الامر الا دما و ظلت تسير و يديها تقطر الدماء و كأن الحياة و الجسد يخبرنها بأنها اجرمت و ان تلك الجريمة لن تمحي .
أسرعت نحو النهر تحاول ان تزيل ما لزق في كفيها و كأن شيئا لم يكن و انها ستعود تجد غزلان و لكن الطبيعة حقا كرهاتها !!! لوثت مياه النهر مشكلتا حولها بحيرة دامية ، شعرت وكأنها لوثت مياه العالم كله وأن لن يغفر جريمتها شيء .
ألقت الصحيفة ارضا صحيفة بتاريخ قديم قديم للغاية يعود لتاريخ قديم منذ عشرة اعوام فقد أصبحت عادتها ان تقرأ تلك الصحيفة القديمة كل صباح فهناك بها مقالة تقرأها هي و كأنها تقرأها لأول تحب ان تدقق في احرفها و تمعن النظر فيها و برغم كونها قرأتها الالاف المرات الا ان ذات المشاعر في كل مرة تعصف بكيانها بداية غريبة لليوم و الاغرب المقالة التي اتخذت عنونا اغرب و اغرب
" جريمة فستان " اصبحت سيدة اعمال مشهورة او ليس بالمعني الحرفي الذي يجول في خيالكم الآن بل لي مزرعة صغيرة ازرع فيها اللافندر و اعتني به و اصدره للخارج و لازلت شاحبة و نحيلة لدرجة كوني هزيلة و لازلت طويلة و لازال شعري مثلما هو مبعثر فوضويا ، اصبح لي منزل كبير يحيطه اللافندر من كل جانب منزل كبير كبير بدهاليز كبير لي انا وحدي اجري فيها وحيدة .......
ادركت الآن لماذا كانت عزلان تبكي طوال اليوم فألم الوحدة قاسي ادركت لماذا كانت تتشاجر معي كانت تغار، تغار و بشدة من كوني حرة و لي ابوان لحد ما يرعان شئوني و مداعبة ابي النادرة لي كلما سنحت له الفرصة ذلك ان سنحت .
أصبحت انا عزلان !!!! و لكني لست نادمة علي قتلها - أجل ماتت لم تقدر الحياة علي الموت بتاتا ، نشر ذلك في جريدة صباح اليوم التالي تحت عنوان جريمة فستان نسبة لكم الفساتين التي مزقتها . -فهي سلبت مني ثماني عشر عاما و انا سلبت عمرها فالعين بالعين و السن بالسن و البادي اظلم اصبحت كل عطلة اذهب الي قبرها اضع عليها اجود حفنة من زهور اللافندر خاصتي اظن انها لو لم تكن غنية لكنا ربما ربنا اعز اصدقاء من يدري . فهي بغضت و بشدة الفقراء و لكنها لم تدرك ان لولا الفقراء لم يوجد الاغنياء و لولا الاغنياء لم نوجد نحن فقراء و يظل الشخص يدور في تلك الحلقة المفرغة بغرض معرفة من المجني و المجني عليه ام ان المرء كلاهما جاني و مجني عليه قاتل و مقتول في الوقت ليسقط في المنتصف و تظل الإجابة غامضة فمن يقع في الهاوية لا يعود .
1482
تمت نوفمبر 2018
أنت تقرأ
جريمة فستان
Mystère / Thrillerمن الجاني و من المجني عليه ام كلاهما كلاهما ....... جزء واحد ♤ VOSKHOD ♤ لا اسمح بالاقتباس من القصة بدون إذن