الجزء الأول:
مرت سنتان على ذلك الحادث المشؤوم، ولا تزال تلك الوجوه البائسة تطاردني في كل مرة أغمض فيها عيني. الصرخات لا تزال تلاحق أحلامي، تعيد لي أصوات الرعب المنتشرة في كل مكان حولي، وأصوات صراخ الناس ووجوههم المذعورة تتراقص في مخيلتي. أشلاء الضحايا الممزقة تتناثر أمامي، وصور الرجال وهم يركضون نحو تلك السيارة البيضاء المحترقة، محاولين إنقاذ شخص ما من داخلها، لكنها كانت محاولة يائسة... فالركاب كانوا قد تحولوا إلى كتل متفحمة. صوت سيارات الشرطة والإسعاف وسيارات الإطفاء ما زال يرن في رأسي حتى يومنا هذا، وكأنه يرفض المغادرة.
في تلك اللحظة، قبل أن أهرب من موقع الانفجار، بدأت أتساءل: كيف وصلت إلى هذا الحد؟ كيف تمكنت من اقتراف كل هذا الفعل بدم بارد؟ هل هي طفولتي التي شكلتني هكذا؟ هل هو الفقر المدقع الذي عشته؟
أتذكر أيامًا كنا نقضيها بلا طعام، أو بأحيانٍ محظوظة، بوجبة واحدة تتقاسمها العائلة. كنت أعيش في بيت لا تتجاوز مساحته الخمسين مترًا مربعًا، أتشاطر غرفة ضيقة مع ستة من إخواني. أتذكر والدتي، التي كانت تعاني من فقر الدم، ولم يكن في بيتنا ما يكفي من الطعام. ووالدي... ذلك الرجل الذي لم أره في حالة صحو يوماً؛ كان كل ما يملك يذهب لشراء الخمر، بينما نحن كنا نتلوى من الجوع.
وفارقت والدتي الحياة نتيجة سوء التغذية، وحينها أقسمت على الانتقام من والدي. وعندما بلغت الثامنة عشرة، جاء والدي سكراناً إلى البيت بعد غياب استمر شهراً كاملاً. كان مخمورًا كعادته، واستلقى لينام. حينها لم أستطع التحكم بنفسي؛ تقدمت نحوه وخنقته بيدي. في لحظاته الأخيرة، رأيت الندم في عينيه، وآخر كلماته كانت "أنا آسف على كل شيء."
بعد التخلص من جثته، قطعت أوصاله ورميتها في نهر دجلة من فوق جسر الصرافية. في تلك اللحظة، أقسمت أني لن أصبح مثله أبدًا، لن أكون سكيرًا، وسألتزم طريق الإسلام.
عدت إلى البيت، صليت ودعوت الله أن يرشدني إلى الطريق الصحيح. ولكني دائمًا ما كنت أتساءل: هل استجاب الله لدعائي؟ وهل أنا حقًا على الطريق الصحيح؟ وهل سأدخل الجنة بعد كل ما فعلته؟
لكن ما ذنب تلك العائلة التي قتلتها؟ لم يكن والدي بينهم، ولم يكونوا سببًا في فقرنا، ولا في موت أمي. فلماذا أخذت حياتهم؟ هل سيأخذني الله إلى الجنة لقتلي أشخاصاً لم يكونوا مؤمنين بقدري؟ كيف لي أن أعرف أن إيماني كان أقوى من إيمانهم؟ وكيف للحاج رمزي، قائدنا في المنظمة، أن يقرر من هم المؤمنون؟ هل أصبح ميزان الحسنات بيديه؟
مرت سنتان على تلك الحادثة، وما زالت ذاكرتي تحتفظ بكل تفصيل من تلك اللحظات، كأنها لم تغادرني يومًا. أنا الآن أجلس في زنزانة نتنة، بعد أن سلمت نفسي. لم أعد أستطيع العيش مع نفسي بعد أن قتلت أناسا لا يستحقون الموت. شعرت بالألم ذاته الذي تجرعته تلك العائلة البريئة.
