زهره نرجس عفنه
" تحكي أسطورة ناركسوس اليونانية عن شاب حسن المظهر جماله يفوق جمال أي شخصٍ آخر،
أحبه الكثيرون بسبب جماله إلا أن أحدهم لم يرُق له فقد كان متعالياً بنفسه كثيراً، لأنه كزهرة النرجس التي كانت رمزاً للجمال.
وفي يومٍ ما، وبينما كان نركسوس عائداً لمنزله، اشتد ظمأه فرأى بحيرة واتجه لها لينتبه لصورته المنعكسة على مياهها الصافية فوقع بحبها وبات يجيء ليلاً ونهاراً
ليرى تلك الصورة التي سلبت قلبه وعقله وحرمته لذة النوم والراحة إلا أنه لم يعلم أن تلك الصورة ما هي إلا صورته المنعكسة إلا بعد فوات الآوان، فكُلما تحدث، رأى الصورة تتحدث،
وكُلما لوح بيده لها، لوَّحت له، وكُلما ابتسم، قابلته بالابتسامة. لقد وقع بحب نفسه وأراد بكُل السبل أن يحصل عليها فرفض مغادرة البحيرة بل ظلّ بجانب صورته حتى مات جوعاً. "بقيَّ السيد فينْلي صامتاً يُنصتُ لحديث السيدة أميليا بتركيز، في حين أكملت هي بعد أن التفتَ إليه: -مَفادُ هذه الحكاية يا سيد فينْلي أن تنصح زوجتك الشابة بألا تغتر بنفسها كثيراً، على الأقل قبل فوات الآوان.
قالت جُملتها الأخيرة بنظرة أشارت إليه أنها تحذيرية أكثر من كونها مُجرد نصيحة من امرأةٍ عجوز لشاب لم يتعلم من الحياة إلا القليل.
كُلها عِدة ثوانٍ حتى سمعها تُتمتم: - أو ربما فاتَ الآوانُ بالفعل؟
كان يشعر بالأمان لكونه استطاع الاحتماء من المطر وعتمة الليل لكنه الآن وبعد حواره معها، تمنى لو يأتي أخوه بأسرع وقتٍ ممكن ليخرجهما من هنا.- سيد فينْلي...
- ...
- سيد فينْلي، أتسمعني؟
- آه، نعم!
أشارت بيدها ناحية باب المطبخ: - زوجتك تُنادي عليك، ألن تذهب إليهǿ
- أجل، أجل بالتأكيد.خرج من المطبخ على عجلٍ ليتجه نحو زوجته التي كانت ترمق رفوفاً وُضعت خلف الأريكة التي كانا يجلسان عليها، إذ امتلأت بمختلف التماثيل القبيحة فأردفت حالما انتبهت لعودة زوجها.
- كُنتُ أظن أن جارتنا السيدة صوفيا هي الوحيدة ذات الذوق الغريب بامتلاكها أبشع التُحف، لكنني الآن غيرتُ رأيي. انظر لمدى بشاعة هذه التماثيل يا فينْلي! هذه العجوز مثيرة للريبة...
تمتمَ موافقاً كما لو أنه يُحادثُ نفسه: - هي مُثيرةٌ للريبة فعلاً...
- لم أشعر بالارتياح تجاهها مُنذ البداية!
- لم أكن كذلك، حتى هذه اللحظة.
- ماذا لو كانت سفاحة؟ أو تستمتع بقتل الناس أمثالنǿالتفتَ إليها بذعرٍ فجأةً بعد تفكيرٍ مطولٍ مع نفسه: -عزيزتي، أظن أنَّ بقائنا في السيارة أفضل، ما رأيكِ؟
نظرت إليه بصدمة، ثم ما لبثت أن عادت لتجلس على الأريكة وهي تُحادثه بانفعالٍ واضح: - لابد أن تِلك الشوكولاتة التي قدمتها لنا العجوز فاسدة بالفعل، إذ أفسدت عقلك بالتأكيد!
قلتُ بأنها مريبة لكنني لن أخرج حيثُ المطر يهطل بغزارة فقط لأنها لا تُشعرنا بالراحة.
تحركت قدماه سريعاً خائفاً من عودة العجوز من المطبخ وهو يحادثها بترجي: - عزيزتي، لن نقف تحت المطر كما تعلمين، ثم إن أخي لن يتأخر كثيراً، و...
اهتز هاتفه مُعلناً قدوم اتصال فأخرجه من جيبه بعجلٍ ونظراتُ زوجته ترمقهُ بترقبٍ شديد أملةً أن تسمع منه رداً مُفرحاً.
- أجل جوزيف... نعم... أنت تمزح بلا شك! لكن لا يُمكننا... حسناً... وداعاً.
حالما أنهى المكالمة، انقضت عليه زوجته بوابلٍ من الكلمات والصدمة تملئ وجهها.- لا تقل لي أنه لا يستطيعُ القدوم!
اكتفى بإيماءةٍ من رأسه جعلت زوجته تصيحُ به: -مستحيل! هل سنبقى هنا حتى انتهاء العاصفة؟!
- حتى الصباح، أجل.
نهضت من مقعدها فتخيل أنها ستبقى في هذا الكوخ الصغير حتى الصباح رُغم أنها الثامنةُ مساءً قد تسبَّبَ بنوبة قشعريرة مريرة أرغمتها على النهوض لتتحرك في أرجاء المكان في غير راحة.
- غيرُ معقول، غير معقول، غيرُ معقول.
- اهدئي يا بيلا.
توقفت فجأةً عن الحراك مُحدقةً إليه بصمت، ثم ما لبثت أن عادت للأريكة حتى تلتقطَ حقيبتها.
- انسَ الأمر، سأذهبُ مشياً!
نهضَ من مكانه في انفعال: - جُننتِ بالتأكيد!
- بل سأُصبح مجنونة لو مكثتُ في هذا المكان! انظر لما حصل لفستاني، لقد تلطخ بالطين بالكامل!
وشعري أصبح في حالةٍ يُرثى لها كما أن هذا المكان الصغير النتن لن يُساعد فلابد أن الجراثيم تطيرُ هنا وهناك، أخشى على وجهي الجميل من الحساسية.
لم أتوقع إطلاقاً أن خروجي لحفل أخيك كان غلطة، حتى الآناقتربَ منها بهدوء ليضع يديه على كتفيها وبدأ يُحادثها برفق: - قال جوزيف أنه سيُحاول القدوم حالما تُتاح له الفرصة. بالتأكيد لن يتأخر، ولا تقلقي فأنا معك...
صرخت به مُقاطعة: - ههْ، بالطبع! لابد أنه يُراقصُ مجموعة فتيات في هذه اللحظة بينما نحنُ نتعفنُ هنا! انسَ الأمر، سأخرج فقد يمرُ أحدهم من هنا ويُقلنا لأعلى التل.
- لا يأتي أحدٌ إلى هنا في هذا الوقت من الليل.كمجموعة قِططٍ بوغتت بشكلٍ مفاجơ انطلقت عينيها لترمق السيدة أميليا الواقفة على بُعد ثلاث خطواتٍ منهما.
ما أشعرهما بالفزع هو أنهما لم يشعرها بقدومها إطلاقاً كما لو أنها حلقت من المطبخ حتى هذه البقعة.
مشَت للأمام مُتجهةً نحو كُوبيّ الشوكولاتة لتحملهما وهي تُكلمهما بنبرةٍ هادئة:
- أظنكما ستبقيان حتى الصباح. أعطيتكما البطانيات، قد لا تشعرا بالراحة لكَون الأريكة قاسيةً نوعاً ما، ولكن تحمَّلا حتى قُدوم من سيُقلكما.وصلت لباب المطبخ فتوقفت عن المشي لتلتفتَ ناحيتهما وتقول: - إن احتجتما طعاماً فيُمكنكما تناول ما في الثلاجة. سأذهب للنوم فهذا وقتُ نومي.
ابتسمت لهما كجدةٍ تبتسم لأحفادها لكن فشل السيد فينْلي وزوجته برؤية هالة الطيبة التي أطبقت على العجوز بسبب غِشاء الزيف الذي علَاها.
- ليلة سعيدة.
أنت تقرأ
زهرةُ نرجسٍ عَفِنة
Fanfictionتحكي أسطورة ناركسوس اليونانية عن شاب حسن المظهر جماله يفوق جمال أي شخصٍ آخر، أحبه الكثيرون بسبب جماله إلا أن أحدهم لم يرُق له فقد كان متعالياً بنفسه كثيراً، لأنه كزهرة النرجس التي كانت رمزاً للجمال.