2

24 3 2
                                    


اشتد صوتُ زخاتِ المطر وارتبطَ صوتُ الرعد معه ليُعلن بدء هذه المسرحية الغامضة، حيثُ وقفت صاحبةُ الدور الرئيس على بعد خطوةٍ من البحيرة مُبحلقةً بانعكاسِ صورتها في الماء غير مُكترثةً بحمل تلك المظلة التي رمتها جانباً. امرأة شابة بشعرٍ كستنائي طويلٍ ومُموجٍ بقسماتِ وجهٍ ناعمة وجميلة.لن يُناسب هذا الوجه الملائكي إلا ابتسامةً عذبة ونظرةً بريئة لكنَ ما ظهر على ملامحه كان غير ذلك تماماً. كانت تنظرُ بفزعٍ نحو صورتها المثالية في الماء، وعينيها على أقصى درجةٍ من الاتساع إثر واقعةٍ ألمَّت بها فجعلتها مُندهشةً هكذا. سمِعت اقتراب خُطوات من كانت تقفُ خلفها بعدةِ أمتار والتي تلعبُ دور –الشخص الغامض- في هذه المسرحية فالتفتت بفزعٍ لتلتقي عينيها مع عينيّ العجوز. تدفقت الكلماتُ من شفتيها كينبوعٍ ساخن: - أهذه هي؟ البحيرة التي تحدثتِ عنهǿ - أجل. إنها البحيرة الأسطورية التي ستمنحكِ جمالاً أبدياً.التفتت مُجدداً لتُقابل صورتها في الماء، وازدردت ريقها بحيرة. لماذا خُلقت داخلها أمنية كتلك، ولماذا حَمَت تلك الأمنية بروحها وحافظت على تغذيتها بالأمل فغدت كبيرة في غضون وقتٍ قصير؟ أسئلةٌ كهذه لم تجد إجابةً قط بل ظلَّت تطفو في أغوار قلبها مُسببة معاناةً لصاحبتها. غمرها الخوف فجأة، فالتفتت مُجدداً غير واثقةٍ من خيارها التي قررت تطبيقه قبل قليل. - أحقاً ستمنحني جمالاً أبدياً؟ ابتسمت العجوز لها بطيب، وحرَّكت قدماها لتتجه صوب الفتاة القلقة مما هي مُقبلةٌ عليه وحالما وصلت لحيثُ تقف، علَّقت بصرها على مياه البُحيرة الراكدة. - كثيرٌ من الفتياتِ أمثالكِ قد حصلوا على الجمال الأبدي بسبب هذه البحيرة. توقفت عن نسج المزيد من الكلمات مُستخدمةً الأحرف بسبب تذكرها أمراً ما، مما تسبب بتطاير أحرفها التي أرادت نسجَ المزيد من الكلمات منها واختفت تلك الابتسامة، لكنها سُرعان ما استرجعت ما فقدته لتُكمل حديثها. - من ضمنهم حفيدتي. لم تعد الشابة قادرةً على سماع المزيد فصرخت بوجهها.- لم أسألكِ عما يدور في حياتك أيتها العجوز، أجيبي على سؤالي اللعين! هل حقاً سأحظى بالجمال الأبدي إن فعلتُ ما قلتِ؟! هزت رأسها إيجاباً دون أن تُعلق على تصرفها السيء ثم أكملت: - لكن لكُل شيءٍ ثمن يا عزيزتي، وما ستدفعينه من ثمنٍ باهضٌ جداً، فهل أنتِ قادرةٌ على تحمله؟ لم تُجب عليها بل حدقت للبحيرة بصمت والذُعر يلتهمها حية. أخيراً، عزمت أمرها، وقررت أن تُحقق أمنيتها التي طال انتظارها. مشَت باتجاه البحيرة ببطءٍ في محاولةٍ منها للسماح لضميرها بأن يُناقشها للمرة المليون في أن تعدل قرارها لكنها قررت مُسبقاً أنها لن تفعل وكأنها بذلك كانت ترغب فحسب بالسخرية من منظره وهو يترجاها ألا تفعل ما أرادت فعله لحظتها.

~

استيقظَ فزعاً وهو يلفظُ أنفاسه بصعوبة حتى استوعب أنه ما زال في غرفة المعيشة حيثُ طرقَ مسامعه صوتُ كصيص الحطب في المدفأة إضافة لزخات المطر الصاخبة في الخارج. كابوسٌ خياليٌ كهذا قد كان قادراً على إبقاءه حبيساً بداخله ليتجرع المعاناة غير الحقيقية لولا أن برودة الغرفة قد كانت كفيلةً بإيقاظه وبالتالي إنقاذه. مرَّ أمام عينيه شريطُ مُجريات ما حصل، بدءً بانفجار إطار سيارتهما أثناء توجُهِهما نحو أعلى التلمروراً برؤيتهما كوخ العجوز التي وافقت على بقائهما حتى قدوم من سيُقلهما للقصر انتهاءً بتلك النصيحة المُلطخة بعلاماتٍ تحذيرية بشأن زوجته وتعاليها الشديد بجمالها ونفسها من قِبل العجوز. اعتدل جالساً على الأريكة ليتحرى الأجواء حوله ثم تنبَّه أخيراً أن زوجته لم تكن موجودة رُغم أنه كان واثقاً من أنهما اتفقا على أن يناما حتى الصباح، فنهضَ قلقاً وبدأ يُنادي اسمها في أرجاء الكوخ. كانت الساعة تُشير للثالثة صباحاً ولم يرى أي اتصالٍ واردٍ من أخيه عندما تفقد هاتفه النقال. أعاده لجيبه واتجه صوب المطبخ باحثاً عنها إلا أنها لم تكن هناك.كُلها لحظات حتى سمع صوت الباب الرئيس للكوخ وهو يُفتح وتفاجأ برؤية العجوز عنده والتي من المُفترض أن تكون نائمة، أو هكذا ظن.أغلقت مظلتها وعلَّقتها خلف الباب ثم نزعت حذائها وعبرت الممر الضيق مُتجهةً نحو الأريكة المُقابلة للمدفأة وجلست بصمتٍ مُطبق. إحساسٌ غريب قد غمَر السيد فينْلي حينها، ثم تلا ذلك الإحساس شعور الرهبة الذي أحسَّ به عندما حادث العجوز سابقاً في المطبخ فاندفع اتجاهها ليسأل:- هل رأيتِ زوجتي يا سيدة أميليǿ لم يسمع جواباً، وكان هذا دافعاً لتكراره السؤال مُجدداً. في كُل مرةٍ يسمعُ فيها الصمت إجابةً على سؤاله الذي تكرر كثيراً، يغرقُ قلبه أكثر في قاعٍ أبدي لا نهاية له ويملئ ذلك القاع الخوفَ وحده. قرر أخيراً أن يقف أمام العجوز ليقطع تأملها بالنار ويسألها مُجدداً مُخمناً بسخافة أن تركيزها الشديد بالمدفأة قد كان كالعازل ما بينها وبين كلماته. - سيدة أميليا، استيقظتُ ولم أجد بيلا، إنها ليست هنا. هل رأيتهǿ تنهدت بحزن بعد عِدة لحظاتٍ تذوق فيها السيد فينْلي جُرعة أخيرة من الصمت، ثم رمقته بأسفٍ وأردفت:- مِثلها مثل البقية، تلك المسكينة. - ماذǿ - قلتُ لها أن الثمن غالٍ، ولكنها فضَّلت الجمال في النهايةصاح بها: - عن ماذا تتحدثين؟!حدقت إليه بنظرة خالية من أي تعبير:- زوجتك يا سيد فينْلي، كانت زهرة نرجسٍ عفنة، وتوجبَ اقتلاعها.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 22, 2018 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

زهرةُ نرجسٍ عَفِنةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن