رِسالة وحبلُ مِشنقة

49 5 2
                                    

في الرّابع عشر مِن حُزيّران، مِن عام ألفان وإثنان للمِيلاد، في إحدى الشوارع المُختبئة بين حارات الرياض الفقيرة، صدح صُراخ ذَلِكَ الطفل الخارج إلى الدُنيا، خرج مِن بين صُراخ أُمهِ المكتوم، خرج بعد معاناة وألم، ناولتهُ إياها "الداية" بعدما لفته بقطعة قُماش بيضاء، وخَرجت لتذهب بعدما تأخُذ مالها مِن الرجل بالخارج مُشدِداً عليها بالسكوت عن هذا الموضوع، أخبرته أن لا يخاف بينما أنغمست بِعد نُقودها بشراهة، رَفعتْ الرضيع بين يديها ونظرت إليه بفتور، لبَستْ عباءتها وحملته وبدأت تمشي بعرج، أوّقفتها صيحات الرجل المُتَتَالِية مِن خلّفِها:
-أسماء أسماء وش تسوين؟!!
-بتخلص منه
قالتها وهي تُحِد النظر لعيناه
-وين بتودينه؟!
-بحطه عند المسجد، يمكن يشوفه أحد وياخذه
-وإذا شافك أحد؟
-لا تخاف متغطية محد بيعرفني
-طيب، دبري نفسك بعدين إذا مسكوك لا تطرين إسمي، فاهمة؟!
قالها وهو يُدير ظهره ليُغادر الحي الفقير غير مُهتم بِها
-ماني بحاجتك
قالتها بعدم مُبالاة وشقت طريقها هِي الأخرى، مَشت بِخُطواتٍ عرجاء إلى أن وصلت إلى المسجد ووضعته بهدوه، إرتجف بينما كانت تُنزِله وتمسك بعباءتها السوداء الّتي أكتسبت لونها مِن سواد قلبِها خوّفاً مِن السقوط، أبعدت يده بِجفاء وزخم شديدين، بدأ بالبُكاء بشدة ملأت أركان المكان، ولكنها وضعتهُ بِكُل بساطة وغادرت المكان، مضت في طريقها مُتاجهِلةً بُكاءه، فدرء خطيئتها أهم، أسرعت بِخطواتها العرجاء لكيّ لا يراها أحد وهي تفعَل جريمتها النكراء...
-
.."بعد مرور سِتة عشرَ سنة"..
-
(الساعةُ الرَابِعة فَجراً، هَجَرَ النوم عيّناي ومضجعي، أخبرني العم مسعود بِكُل شيء، فأنا "لقيط"، آهٌ كم أبغض هذه الكَلِمة وألفُ آهٍ هذه ما أقساها، لم يقُلها لي بهذه البشاعة، فقد كان الأب، والأب لا يقسو كما أظُنْ، حاول شرحها لي بِطُرقٍ أُخرى ولكن كُل الطُرق تؤدي إلى "لقيط"، وقعها على مسمعي أشد مِن ألفِ خنجرٍ وسيف على رَقَبتي، ومِئَةَ ألفِ رصاصةٍ هوجاء تختزن جوفي، ما ذنبي أنا بِكُل ما حصل؟ حاصرتني الأسئلة ولم أجد أجوبةً لها، فأنا الضحية وأنا المذنب، أنا الحاكم والمحكوم عليه بالإعدام، إذاً... ماذا بِها لو نُفذ الحُكم قبل آوانه؟"
إبراهيم،٢١/١٢/١٨)
-
أغلق الورقة ووضعها في جيّبه وهو يتنهد ونظره مُعلق في جُثةِ الصبيِّ الصغير على الأرض وآثار الحبل على رقبته، كأنه لوحةٌ حَزينة رسمها فان جوخ أو بيكاسو، كان صغيراً جِداً، ولم يستَحِق هذا، كان يبّلُغ السادسِة مِن عُمُرِهِ فقط، صُنِعَ ذنّبُه بيد غيّرِه، كان ذنّبُ إثنين يعيشون الآن بِراحةٍ وهناء.
-
إنتهتْ

ذنّبُ إبراهيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن