الخوف والحب

2.2K 87 10
                                    

كان يجلس على كرسي مكتبه ويراجع بعض الملفات الخاصة بالعمل وفي النهاية وصل لمرحلة صَعُب عليه الفهم والتركيز فرفع رأسه متنهداً بتعبٍ وإرهاق حين شعر بأن رأسه لا يتحمل المزيد من العمل فقرر إعطاء نفسه استراحة. أعاد جسده للخلف وراح ينظر إلى سقف الغرفة بشرود.
كان قد قرر أنه سيريح عقله وعينيه من العمل ومن أي شيءٍ آخر ولكنه لم يفعل ونهض من مكانه بسرعة تعتلي شفتيه ابتسامة مشرقة.
أخذ الرجل كوب الشاي الفارغ حين قرر تجديد الشاي لنفسه وهم بالخروج من غرفة العمل بينما لم تختفِ تلك الابتسامة أبداً.
ولكن كما تعرفون كان الشاي حجة للخروج والبحث عن ملاكه والنظر لها قدر المستطاع لإزالة الشوق والحنين من قلبه.
أخذ جان يبحث عن ملاكه بعينيه الاثنتين في كل مكان في الأرجاء ولكنه لم يجدها في الوسط المحيط أبداً مما سبب استغرابه فقرر الذهاب إلى مكان المشروبات للبحث عنها ومنه يحضر لنفسه كوب الشاي.
ولكن ما فاجأه أنها كانت تعمل هناك، بهدوء وبعد عن الأنظار. تحاول أن تُحَوِل كل تركيزها على كتابة نص من نصوص الإعلانات التي تعمل عليها فمن شدة تفاعلها مع الكتابة جعله يوقن أنه سيحصل على شيءٍ رائع آخر من بين يديها و عقلها الجميل.
كان يريد أن يذهب إليها ويعانقها بشدة ليفضي ما في قلبه من شوقٍ لها ولكنه توقف مكانه وراح ينظر لها من بعيد.
نعم، حكم مشاعره وقرر فقط أن ينظر لها من بعيد.
ينظر لها بتمعن ويشبع ناظريه وعينيه منها وأخذ يفكر...
كيف كانت بهذا القدر من البراءة؟
كطفلةٍ صغيرةٍ لا تدري شيئاً عن هذا العالم...
كانت جميلة للغاية، فائقة الجمال. تصيبه بالدوار حين تقع عينيه عليها.
ربما ليست أجمل الفتيات في العالم ولكن كانت جميلة بقدر ألا يرى غيرها حتى لو فاقتها جمالاً.
فباختصار، كانت تلك المرأة أجمل ما رأى بعينيه.
قد تركت شعرها بخصلاته المموجة فوق كتفيها بينما كانت تضع القلم في فمها تارةً والتارة الأخرى كانت تحك به رأسها.
كانت تعقد حاجبيها غضباً على عقلها الذي حاولت أن تعتصره كثيراً كي تخرج بعض الأفكار منه مما جعلها تبدو كطفلةٍ غاضبة تقوم بحل واجب مدرسي صعب ورغم شدة غضبها كانت تبدو كحلوى السكر القابلة للأكل.
- يجب ألا أخذل جان، هو يؤمن بي!
التقطت أذنيه تلك الجملة التي قالتها فلم يعرف كيف يشعر في البداية وأخذ وقته ليستوعب الجملة.
كانت تبذل مجهوداً إضافياً فوق مجهودها كي تجعله يفتخر بها محاولة ألا تخجله أمام الجميع خاصةً أنه كان دائماً ما يطري عليها وعلى ذكائها أمام الكل فبالمقابل حاولت ألا تخذله وتشعره بخجل إيمانه بها.
ارتسمت ابتسامة عريضة خجلة على شفتي الرجل وأخفض رأسه لينظر إلى المنضدة الخشبية يطرقها بإصبعه بخفة.
هذه الفتاة دائماً ما تنجح في إدهاشه وفي كل مرة يحدث بها هذا كان يقع في غرامها أكثر وأكثر.
كان حبه لها من يجعله يتنفس بحرية ويجعله يؤمن بأن أيامه ولياليه كلها سعادة وفرح.
فكيف يتخلى عن تلك السعادة؟
لن يكذب ويقول أنه لم يفكر أبداً في حياته بدونها أو قلبه بدون حبها، كيف يعيش حياة كهذه؟
هل يمكن أن يأتي يوم ويكف قلبه عن النبض لأجلها أو يكف عقله عن التفكير بها؟
لا يستطيع حتى تخيل شيء كهذا، لا يستطيع أن يتخيل نفسه بدونها!
لا يستطيع تذكر كيف كان حاله في الماضي من الأساس!
ولهذا كان دائماً يتجنب التفكير في كل شيء يخص ماضيهما.
كان يتهرب من حقيقة ربما تدمرهما.
يخاف مواجهة حقيقة قد تنهيهما.
كانت تأتيه أفكار من وقت لآخر عن ما حدث من عدة أسابيع لهما وعن افتراقهما بسبب كذباتها التي كذبتها.
بالطبع هو لا يشعر بأي غضب تجاهها الآن وقد سامحها كلياً على كل شيء ولكنه يتساءل أحياناً ما إذا كان هناك المزيد تخفيه.
وفي الحقيقة هو يخاف سؤالها.
يخاف سؤالها إذا كان هناك المزيد من الكذبات.
يخاف سؤالها إذا كان هناك سبب خلف تلك الكذبات. يخاف خسارتها مرة أخرى.
لا يتخيل حياته من دون تلك الابتسامة، تلك العيون، هذه الرائحة، هذا الوجه وهذا الصوت.
هو يعرف نفسه ويعرف طباعه. يعرف أنه إذا علم بأن هناك مزيد من الأشياء التي تخفيها سيذهب بعيداً وسيتركها مرة أخرى وسيحرم نفسه من كل تلك الأشياء، سيحرم نفسه منها!
لهذا يفضل في بعض الأحيان أن يبقى صامتاً، أن يتجاهل تلك الأفكار السلبية لتبقى بجانبه.
يقرر أحياناً أن يكون أنانياً ليبقيها معه!
ترك جان المكان مهموماً بتلك الأفكار التي شوشت عقله.
فعلى قدر كرهه للكذب والخداع ورغبته في الابتعاد عن كل من يرتكب تلك الخطيئة إلى أن خوفه من خسارة سنام بسبب شيء كهذا جعله يتجاهل الحديث بذاك الأمر كي لا يضطر إلى ترك تلك السعادة التي ذاقها لأول مرة في حياته.
كان يعرف أنه يجب أن يثق بها أكثر من هذا ولكنه يتذكر أنه حين كان غاضباً منها قد ترجته العديد من المرات أن يسمع لها ولكنه كان يرفض باستمرار ولكن حين تصالح معها توقفت عن ترجيه.
فهل يعني هذا أنها كانت تريد إخباره بالمزيد الذي سيغضبه ولكنها لم تفعل لأنها كانت تخاف خسارته مجدداً؟
عاد إلى مكتبه ينظر إلى الفراغ بشرود يحاول أن يدفع تلك الأفكار السيئة من رأسه ولكنه في كل مرة يدفعها تعود مرة أخرى لتتعبه وتوجع رأسه.
وما أنقذه من الغوص في المزيد من الأفكار السيئة هو قدوم حبيبته وملاكه إلى الغرفة.
- حبيبي...
طرقت سنام الباب ودخلت إلى الغرفة بابتسامة مشرقة من ابتساماتها التي يعشقها فلم يستطع أن يقاوم ذلك فابتسم هو أيضاً.
- حبيبتي...
تقدمت الفتاة نحوه بخطوات بطيئة فأخذ يشاهدها تقترب إليه بينما كان قلبه يزداد نبضاً مع كل خطوة تخطوها.
لا يهدأ ولا يتخيل أن يهدأ يوماً!
ففي كل مرة يراها ينبض ذاك القلب كالمجنون!
- أخذت شاياً ورحلت بدون أن تقول شيئاً.
نظرت له ذات الشعر البني بعبوس طفلةٍ صغيرة فزادت ابتسامته ونظر بعيداً عنها يحاول أن يسيطر على مشاعره المتدفقة حيال رؤيتها بهذه اللطافة والجمال.
- رأيتك مشغولة بقدر أنك كنت تتشارجين مع الورقة فلم أرد أن أزعجك.
خجلت سنام من نفسها وراحت تحك رأسها بأصابعها الصغيرة وحاولت الهرب بعينيها من ناظريه وتكلمت بقليلٍ من التلعثم.
- نعم... كنت أحاول كتابة نص... ولكني لم أستطع... في كل تلك الضوضاء، لهذا قررت أن أبقى وحيدة لأستطيع الكتابة.
راقبها جان بدقة، في كل حركة تتحركها وكل رد فعل تتخذه ولاحظ مدى تفاعلها مع كل كلمة في الجملة التي تنشئها.
وبينما كانت أذنيه تستمعان إلى صوتها الذي يعشقه كانت عينيه تحفظ جمال وجهها الذي كان كالقمر.
- وهل نجحت يا ترى؟
- لا!
تأففت وهي تلوح بالورقة التي كانت تمسكها وقبل أن تعيدها إلى الأسفل مجدداً أخذها الرجل منها وبدأ بقراءة ما كتبته.
- لا تقرأ ذلك، إني خجلة مما كتبته.
حاولت أن تعيد ما أخذه بشتى الطرق ولكن اختلاف حجميهما منعاها من النجاح في ذلك.
أخذ جان يتحرك في المكان وهي تركض من خلفه تحارب من أجل استعادة ما أخذه بينما كان هو في هذه الأثناء يحاول أن يقرأ بعض الكلمات واستيعابها بينما انسابت بعض الضحكات من بين شفتيه.
- يااه جان!
- توقفي... توقفي لأقرأ ما كتبته!
- لا أريدك أن تقرأ!
بعد العديد من محاولات سنام الفاشلة استسلمت في النهاية وعبست وهي تنظر للبعيد.
- ماذا؟ هل استسلمتي بهذه السرعة؟
- سرعة؟!
عقدت سنام حاجبيها تنظر له بانزعاج فابتسم الرجل ورفع يده ليضع كفه فوق وجهها يضغط عليه بلطف.
- آكل وجهك العابس!
وبعدها أنزل يده إلى جانبه ونظر لعينيها وتكلم مجدداً.
- دعيني أقرأ وأحكم، ألست مديرك؟
رفعت عينيها لتنظر له بنفس العبوس وتنهدت باستسلام ثم رفعت إصبعها وتكلمت بنبرة مهددة.
- ولكن لن تسخر مني!
ضحك جان وأمسك خدها بين إصبعيه ليضغط عليهما بضغطة خفيفة.
- متى سخرت منك يا حبيبتي؟
بدأ الرجل في قراءة النص الذي كتبته حبيبته يتفاعل مع كل كلمة يقرأها ويبتسم معها وهذا جذب انتباه الفتاة فراحت تدقق التركيز في ملامحه ولأنها كانت تعلم أن النص الذي كتبته كان سيئاً ومحرجاً للغاية فخمنت فوراً أنه يبتسم سخريةً مما كتبت.
ولكن ما حيرها أن نظرته كانت مختلفة نوعاً ما وهذا ما لم ترد تصديقه.
- إنها رائعة... حقاً.
أنزل جان الورقة من يده ونظر لها وبعينيه مئات الكلمات التي لم يستطع لسانه نطقها تحتوي العديد من معاني الفخر والحب والإعجاب بروعتها وجمالها وذكائها، فكانت تثبت له كل يوم أن قلبه لم يخطئ حين اختارها لتكون رفيقة دربه.
ولكن سنام لم تصدقه.
- انظر... ها أنت تسخر مني مجدداً!
رفع جان يده اليمنى وراح يلامس وجنتها الناعمة بأنامله برقة ولطافة وحين لاحظت ما كان يفعله نظرت لعينيه ببراءة تقرأ ما دفنه بداخلها.
- أنت مبدعة، سلمت يديك الجميلتين.
حاولت منع الابتسامة من الانسياب إلى شفتيها بجهد كبير مازالت تحاول إقناع داخلها أنه يخدعها ولكن خانها عقلها وقلبها الذي رفرف فرحاً لسماع تلك الكلمات.
فتكلمت وهي لا تستطيع أن التوقف عن الابتسام.
- هل من الممكن أنك تجاملني لأنني حبيبتك يا جان بيه؟
- أنا لا أجاملك ولكن إذا أردت أن أجاملك...
اقترب منها ليضع قبلة فوق وجنتها اليمنى ثم اليسرى ثم إلى شفتيها بينما كانت تحاول إيقافه وحين وجدت فرصة للابتعاد عنه همت بفعل ذلك فوضعت يديها فوق فمها مع اتساع عينيها.
- ماذا تفعل؟ سيرانا أحدهم!
- ليرونا... ألست حبيبتي؟
حاولت الفتاة منعه من القيام بشيء كهذا في مكتبه الزجاجي الذي يرى داخله الجميع.
- نعم حبيبتك ولكن، هذا غير لائق!
تنهد الرجل وتجاهل كل كلمة تخرج من فمها ليرفع ذراعيه القويين يطوق بها جسدها الصغير ويجذبها إلى حضنه.
دفن جان رأسه في كتفها بينما اشتدت قوة ذراعيه حول جسدها وكأن العناق كان السبيل الوحيد لإطلاق كل الهموم من قلبه.
وبرغم أنها لم تكن لترضى بمثل هذه الأشياء في العمل ولكن العناق كان كالسحر الذي يجذبها إليه دون رفضه فلم تجد الفتاة لنفسها ملجأ سواه فالتجأت لذراعيه وجسده القوي تدفن نفسها بين أضلعه وتنسى العالم من حولها.
- أنا أحبك... سنام.
همس جان في أذن حبيبته ليرسم الابتسامة المشرقة على شفتيها وينبض قلبها من أجله.
- وأنا أيضاً أحبك.
قرر ترك القادم للمستقبل، لو كانت تخفي شيئاً عنه فسيكون بالتأكيد لسبب ما. فإن كانت تريد أن تخبره ستخبره وهذا لن ينقص من حبه لها أبداً لأنها أصبحت نبض قلبه فبها يعيش وبدونها يموت.

للي مقراش قصصي التانية عن جان وسنام هتلاقوها كلها في الحساب بتاعي
Benim Mucizem معجزتي
3 بارت
Pure love الحب النقي
بارت واحد
Zümrüdüanka العنقاء
مستمرة

Fear And Love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن