(1)

371 21 10
                                    

يقال أن الحب مرتبط بالغيرة،
ربما!
لكن دائمًا إذا زاد الشيء عن حده انقلب لضده، ولو زادت الغيرة قد تتحول إلى حقدٍ وكرهٍ ثم انتقام.

و في مكتب داخل حجرة ما يجمع عددًا من الأدوات المدرسية لطفلة تدعى شهد، كان يحتوي داخله على العديد من الكتب والكراسات المختلفة الأشكال و الألوان، بالإضافة إلى أدوات الرسم وعلبة الألوان.

أما على سطح المكتب فكانت توجد بضع كراسات للواجب وتقطن أدوات الكتابة القلم (لوما)، الممحاة (جمجم)، البراية (شفر) و المسطرة (سطورة).

كانت تجمعهم صداقة طيبة و ود خاصةً وأن شهد بنت غير مهملة محافظة على أدواتها وتتعامل معهم برفقٍ جم، فكانوا يحبونها كثيرًا ويسعدون باستخدامها لأحدهم.

وذات يوم خرجت شهد مع والديها من أجل التسوق فإذا بها تنجذب إلى علبة أقلام ملونة، فطلبتها من أبيها فاشتراها لها.

عادت شهد إلى البيت سعيدة بما اشترته ليس بالطبع علبة الأقلام وحدها بل كان أيضًا عددًا من كتيبات التلوين، كيس من الحلوى و مؤكد مجموعة من الإكسسوارت البناتي و شرائط للشعر.

وضعت كل شيء بمكانه فقد كانت منظمة إلا علبة الأقلام هذه تركتها على سطح المكتب، ثم أطفأت النور و ذهبت في سبات عميق.

فصاحت سطورة: يا شباب! اجمعوا! هناك ضيوف جدد!

فتابعت جمجم بحماس: أين هم؟ أين هم؟

فأجابت سطورة: علبة الأقلام الموجودة هناك.

فتدخل شفر: يبدو أنهم نائمون من عناء الطريق فلنتركهم... هاا!

قالها وتثآب ثم تابع بصوتٍ خامل: ولنكمل نومنا.

فتلفتت سطورة حولها ثم همست: لم يراهم لوما بعد، أخشى أن يكتشف أمرهم صباحًا بمفرده وربما يضايقهم و يكدرنا.

قالت الأخيرة مصحوبة بتنهيدة، فتابعت الممحاة جمجم: قولي هذا! إنك تخافين من تقلباته تلك.

فقهقت ضاحكةً ثم همست بتوجس: مهلًا مهلًا لقد استيقظ.

قال لوما بتثاؤب: ما الخطب؟ ماذا يجري؟ كفوا عن الثرثرة في مثل تلك الساعة المتأخرة من الليل.

أجاب شفر: إنهم ضيوف جدد يا لوما وكنا نود استقبالهم لكن يبدو أنهم نائمون، بل لم يقلقهم حتى صوت سطورة الذي يشبه ضابط الدورية.

قال الأخيرة وهو يقهقه بملئ صوته، فغضبت سطورة وتابعت: حسنًا يا شفر! كُف عن سخريتك هذه!

فأومأ شفر مطأطئًا وقال على استحياء: أعتذر منك سطورة، لم أقصد هذه مجرد مزحة ليس إلا.

فصاح لوما: كفوا جميعًا، الهدوء يا سادة! أريد النوم...

قال الأخيرة بتكاسل ثم تثآب وتابعت جمجم: كنا فقط نخبرك بالجديد.

فأكمل لوما باستنكار: ألم يكن هناك صباح آتٍ لتخبرني يا هذا! تبًا لكم جميعًا! و لآخر مرة، إلزموا الصمت.

وانصرف لوما مكملًا نومه.

فتنهد شفر وقال: ما كان علينا إيقاظه أبدًا.

لكن اعترضت سطورة قائلة: لا بل يتوجب علينا ذلك، كان عليه أن يعلم بالخبر من أول لحظة مثلنا تمام؛ فلا يلومنا بعد ذلك.

فصاحت جمجم بسعادة: سيكونون أصدقاء أليس كذلك؟

أجابت سطورة بتخوف: أتمنى.

صاح لوما في غضب: ماذا قلت؟أريد النوم!

فذهب الجميع ليكمل نومه ويعود الهدوء ليعم المكان من جديد.

وفي صباح جديد تسللت أشعة الشمس الدافئة من نافذة الحجرة معلنة عن يومٍ جديد ملئ بالنشاط والحيوية، استيقظ الجميع والتفوا حول لوما وجميعهم ينظر نحو علبة الأقلام تلك.

قالت جمجم بإعجاب: شكلهم رائعًا بحق!

فأومأت سطورة موافقة: أجل! وألوانهم زاهية أعجبتني بشدة.

تابع شفر بحالمية: كم أود التعرف عليهم، سنكون أسرة واحدة... ما أجمل هذا!

قال لوما بغرور: لا أدري سبب ثرثرتكم هذه، كفوا قليلًا عن الحديث، نحن لازلنا في بداية اليوم ولو استمر الأمر على هذه الوتيرة ستكون اللعنة حقًا؛ فرأسي بدأت تؤلمني، اصمتوا! هم ليسوا سوى مجموعة أقلام.

ثم تركهم وانصرف يجلس وحده، لم يدرك الباقون سر تقلّب لوما هكذا منذ أول اليوم، لكن على أية حال ذلك طبعه فهو متقلب المزاج.

لقد كان لوما هو القلم المفضل لشهد، كان مصاحبًا لها دائمًا، لم تكن تكتب إلا به، ولا ترسم إلا به، أو تخطط إلا به.

كم كانت رفيقة به! تستخدمه باحتراس حتى لا يُقصف ويتكسر سنه، كانت تهذبه بهدوء ولين عبر شفر.

كم شاركها لحظات السعادة، النجاح والإستمتاع! فكم مرة اصطحبته معها!
كم مرة شاركها في أماكن ومناسبات؟
حتى إن لهما معًا صورًا تذكارية لازال يذكرها، بل لازال يذكر كل موقف قد جمعهما...
منذ ذلك اليوم الذي أحضره لها أبيها وقد تعلقت به، وكلما جاء قلم جديد كتبت به قليلًا لكن سرعان ما تعود إليه...
فلمَ هذه المرة لم تعود؟

تتبع،

NoonaAbdElWahed

(علبة أقلام )By :Noonazad حيث تعيش القصص. اكتشف الآن