الظلام الذي أمتزج بالطريق الترابي المؤدي خارج حدود التلة كان يتشتت حيناً و أخرى من البرق سامحا لسابي بأن يرى مقتطفات من الطريق أسفل تلة هاربرج - في الأفق. ربما كان يضيء أكثر من اللازم، لأنه كان يرمش كثيراً كي يرجع بصره من إنبهاره بالضوء. لم يكن مهماً قدر الماء الموحل الذي يدخل للحذاء ما دام انه لا يمشي حافي القدمين على الأرض الترابية، صوت خطواته بحذاءه المليء بالطين الثقيلة كان الوقع المتكرر على مسمعيه طوال المسير. كان مرافقه الوحيد الذي يخفف عنه شعور ... "أن يكون ملاحقاً".
المطر كف عن الهطول حالما وصل الى أطراف البلدة. أشرق وجهه بابتسامة متعبة عندما رأى مظاهر التطور من أبنية و مواصلات نقل و ضوضاء. لم يعتقد يوما بأن يسعد برؤية منظر كهذا، لكن الظروف و ما تفعل. فلقد قضى الليل على قدميه مهرولا حينا، و قريب بمن يجر اقدامه جرا وراءه حينا أخرى، فقط كي يتمكن من قطع صمت التلة و غربتها بأسرع وقت. و أن يبتعد عن قصر اللورد أبعد ما يمكنه.. في دهاليزها شعر بأنه قد قطع دهراً كاملاً عبر الأشجار و الإلتفافات و ما إلى ذالك!
أنزل حقيبته من على ظهره، شعر بأنها كانت تزن طناً على كتفيه. جلس متأوهاً من رجليه التي لم تشأ ان تنثني، ثم سحب حقيبته نحوه و فتحها " آه، لا أصدق. كتفي. " يفركه بيد و الأخرى يتفحص الحقيبة " همم، ذالك العجوز.. " اقشعر و وقف شعر رقبته عندما برزت فجأة في باله عينا كبير الخدم الجاحظة " تلك العينين... " هز رأسه ليبعثر صورته" ... أتسائل كم رزمة من المال وضع لي؟" التقط رزمة المال وأخرجها؛ كانت ثقيلة عكس ما توقع و أسقطها بغير قصد. أبعد قدمه ليرى مكان إستقرارها، فقد أصدرت صوتاً لا تصدرها مجموعة أوراق مرصوصة ببعض، "ثمب" ، كصخرة تهبط على أرض موحلة. حملها و مسح الطين بسرعة عنها، لكن الورقة النقدية قد ذابت كاشفة سطحاً ذهبياً مختبئاً خلفها! إتسعت عينا سابي الحزينة بتفاجئ، كانت سبيكة ذهب محاطة بدرزن من أوراق نقدية من فئة المئة. أنزلها من يده ثم اتجه للحقيبة، أخرج منها لا واحدة، و لا اثنتان، و لا ثلاث بل ست سبائك ذهبية محاطة بدرزن من الأوراق النقدية! سابي خنقته العبرة، هز رأسه بعدم التصديق منذهلاٌ، و بسمة من الأذن للأذن تعلو وجهه. "آه، يا إلهي! لم أعطاني كل هذا!؟!" تسارعت أفكار سابي بإظهار الإمكانيات الذي سيحققها هذا المال له" أه! سأجد أبي بسهولة الآن! و.. و .. و أرجع مزرعتنا له بشرائها!! و سوف اجد له عربة و اشتري له حصان! سيحب "البارب" انا متأكد ، بعدها سيرتدي تلك البدلة التي يعرضها علينا العم كامييل، هيه، كلما مررنا من عند محلة يخرج ملوحاً بها لنا! نستطيع ان نوسعها على مقاسك، أبي! هيه، أو! أو! أو حتى نشتري لك واحدة جديدة! لا بل عشرة! أجل!" غلبته الحماسة و هو يرجع السبائك إلى حقيبته، كادت رجلاه أن تسبقه قبل أن يقف في الذهاب الى البلدة، أشعلت صورة أبيه بتفاجئه برجوعه إليه، مضافاً إليها فرحة هذا المال الذي سيرجع لهم منزلهم المسروق السعادة و الغبط في جسده كله. منزلهم؛ تلك المزرعة التي فتح عيناه عليها أول مرة، سلبت منهما بسبب تأخر عن دفع دينها، و في نهاية الأمر أختطف هو -سابي- ثمناً مقابلها من بين يدا أبيه الكبير بالسن، و الدمع على خديه عجزاً من أن يفك قيد ولده من بثارن الوحوش هذه، ليصبح في نهاية المطاف خادما لرئيسهم.