-
أطبقَ عينيه ورحل مع الروحِ إلى الوراء.
ما للسماءِ تمطرُ؟ أتبكي الدموع التي ماتت وسط المحاجرِ؟ أتطبطب على نكدي؟ أتغسل الفارس الذي هبط عن صهوةِ العز والجلال قتيلًا ؟ أن قلبي يقرعُ أضلاعي قرعَ تأوهٍ، أحسهُ يمزق أعضائي."توقف، أقسمت عليك ألا أن تتوقف" أسررت إليه وأنا أقبض على صدري، الدموع تبعث إلى عيوني مجددًا
تلج صرخةٌ إلى خلدي، أطبق شفتاي كابحًا، تصارعني تطرحني يخونني سائر الجسدِ وأجثو صارخًا حنقًا، حزنًا، ضغنًا على العالم بأسره.
-
شرذمةٌ من الحنين ارتمت إلى احاسيسها، تحملها نسمات الروح إلى أحضان العزيز.
وتسبحُ فيها في عيونِ من هي الحياة، إلى الأبعدين والأجل ثمنًا، إلى أولئك الذين علقوا في مفترق الطرق.
-
صوتُ نايٍ وكمان استعرَ في الأثير، تدغدغ أطرافهُ العاريةُ قشرة الأرض، كان خفيف الحركةِ كما نسمةُ الربيع.
متناغمًا مع إيقاعات الأغنيةِ كان يرقص الباليه بكل ما أوتي من ليونة.
-
حتى باغتتني الطبيعة خلسةً، كان لابد أن أخرس حركتي وأسمح لذاتي بالخضوع للطبيعة، للشجر، للقمر ولنجومه
الفاتنة، وبينما تهمس لي الرياح تراءى لي طيفٌ ما اقشعر له أي إحساسٍ البتةَ البتة.
شابةٌ متوردةُ الخدان، محمرةُ المبسم كما لو أن رمانًا فقأ بهِ، وما كان يظهر لي من وجهها غيرُ ذا، وكان يكسوها ثوبًا أبيض
حيكَ بأجود أنواع الدانتيال تنتشر فيه الأحجارُ الكريمةُ اللامعة، وقد زينت جيدها بالدُّرِّ.علت محياها ابتسامةٌ طهور، فتحت ثغرها لتبدأ بالحديث: الدمار قادم" وبينما هي تتحدث، إذ بالنار تلتهم كلما كان حولها " نحن لابد أن نبتعد!"
ومن اللامكان تساقط ريشٌ فاحمُ السواد، واختفت خلفَ عباءتهِ السوداء.
مددت يدي علّي أدركها قبل فوات الأوان، "انتظري!" صرخت مناديًا " مهلًا يا .."
مهلًا بالفعل، من تكون هذه الشابة بالأصل؟
-
فتحَ عينيه فزعًا! تنساب زخاتُ العرقِ على جبينه وسائر بدنه، لقد تبلبلت ملاءته بالعرق مجددًا، راح يتأمل المكان من حوله، الشمس ما طلعت بعد، وهو ليس في قعر الغاب، ولا يرقص الباليه على أنغام الناي، ولا يتحدث لغة الكون مع الطبيعة، ولا يتخيل فتاةً لا تعدو كونها أضغاث خيالات واهية.نزل إلى المطبخ، تَناولَ كأسًا من الماء وبلل به حنجرته.
-
إيقاعٌ برتمٍ شبابي اهلك السكون، صوتٌ رقيق ترنم بالكلمات، كانت تلك هي الأغنية التي قرر جعلها منبهًا يستيقظ عليه كل فجرٍ.
"توقف" أسدى بذلك الأمر للمنبه فتوقف.
نهض من مضطجعه بكل نشاط، كعادتهِ يحب أن يبدأ يومه في حوض الاستحمام.
يملئهُ بالماء، يضع منضدةً صغيرة يسند إليها الرواية التي يقرؤها في هذه الفترة، وكوبًا من الشوكولاتة الساخنة مع حلوى الخطمي.
خرج عقبَ ساعة، تهندمَ و أرتدى زيه المدرسي، نزل للأسفل
"صباح الخير أمي"، "صباح الخير أبي" بادرَ هو.
جلس قربهما على طاولة الطعام بينما ردا له التحية.
-
وذاك الأخر تناول إفطارهُ وحيدًا، فلا أم له، ولا أب غير أن الأخير كان حيًا يرزق، كان بجانبه يستخدم حاسوبه المحمول بينما يحتسي قهوته.
-
كان قد انتهى سلفًا وهو ذا قد وصلَ إلى مدرسته، أنه أسبوعه الثاني في هذه المدرسة ولكنه ثقيلٌ مرير، سجل بصمته - فقد كانت تلك آلية تسجيل الحضور في مدرسته - توجه إلى خزانته أدخل الرقم السري و أخرجَ القرص المدمج - ما كان أشبه بهاتفٍ محمول في الواقع - الذي يحتوي على بياناته الدراسية.
-
تعثر.. لا بل دفع عنوةً، لقد طار قرصه المدمج بعيدًا! ها هم ذا! يوسعونهُ ضربًا مجددًا، لا أعلم كيف أشعر حياله فحينًا أشفق عليه وأرى بأنه لا يستحق هذا وحينًا أحتقره! كيف له أن يرضى بهذا الكم من الاهاناتِ اليومية.من أنت لترفضَ أوامري؟ ثم سدد لوجههِ لكمةً شديدة فطارت نظاراته بعيدًا
تجمهرت الجموع.
رمقه بعينيه الفيروزيتين :- ومن أنت لتملي عليَّ الأوامر.
اشتط المتنمر غضبًا وحنقًا، القاه أرضًا وبدأ يركلهُ مع ثلةٍ من رفاقه.
لم أعد قادرةً على التفرج بصمتٍ هكذا، نطقت بنبرةٍ متهكمة: توقفوا عندكم!تقدموا صوبي وأظنهُ كان بلاغًا ينذر بإشتعال الحرب بيني وبينهم ولكن لحسنِ حظي أن شابًا ما نادى الأستاذ ووضع حدًا لهذه المهزلة، أظنه الشاب ذو الشعرِ الرمادي.
-
لم يكن يعدو كونهُ جثمانًا هامدًا في تلك اللحظات، ولكن مهما فكرت في الأمر لا يمكنني إنكار جماله الخلاب.
خصله الذهبية الناعمة، بشرته الباهتة التي تشبعت حمرةً، أنفهُ الطويل، نظرته الخاوية
كل ذلكَ كان جميلًا جدا.
أنت تقرأ
أبعاد متشابكة
Fantasyأسطورة، هكذا كانت جدتي تستفتحُ حكاياتها المذهلةً عنهم. وهذا كان إيماني الدائم، لم أتوقع ولا لحظةٍ وحدة أنهم واقعٌ يعدو الخيال وقصص الأساطير والخرافات. هل سمعت عنهم قبلًا؟