إلتهمتُ لُقمة المُثلّجات السّائغة واللذيذة تلك بِمنتهى الاستمتاع , بينما هي لَم تَكُن كذلك , لَم تَكن مُرتاحةً أبداً لتلك النّظرات التي أَخَذت تلتهمنا من كل ناحيةٍ وهي تقوم بإطعامي لأصناف الحلوى..
وبالرُّغم من مقدرتي التّامة على تناوله بطريقتي الخاصّة , غيْر أنّ الآنسة إيڤا لديها قوانينها الخاصّة التي تُحرّم علي ذلك أمام أنظار الناس..
تأوّهت بخيبةٍ مُزيّفة بداخلي وأنا أردف بيني وبين نفسي..
"أُمّي!..
بحقّ الله!..
ألَن تعتادي على هذا الأمر؟!..إلى متى؟!.."إستفقت من نقاشي الهامس والقصير ذاك وأنا أقوم بالتهام اللّقمة الأخرى بغاية اللّذة والتمعّن في طعمها السُكّري والبارد , ونكهة الأناناس قد بَدت جليّةً في مَذاقها..
"آه كم أحب الأناناس!.."
في الحقيقة أنا أُحب كل شيءٍ في هذه الحياة , كل شيء!..
ما عدا هذه الملامح التي تصنعها والدتي كُلّما خَرجنا سويّاً إلى أي مكان , وعندما يبدأ الناس بالنّظر إلينا بتلك النّظرات الغريبة والطريفة عندما تقوم هي بإطعامي رغماً عني , فضلاً عن تركي لأفعل ذلك بنفسي وبطريقتي المُضحكة والغريبة تلك..
ألَم يحِن الأوان لِتترك والدتي كل هذا الامتعاض والحَرج من نَظَراتهم؟..
إنّها تعيش بدَلاً عنّي , بِحق! , هي من تشعر بالحرج بدلاً عنّي , هي من تتألّم بَدلاً عنّي , هي من تُحارب هذه الحقيقة بدلاً عنّي , هي المُعاقة ولست أنا..
تعيش حياتها وحياتي مَعاً..
ولكن لا بأس , هذه والدتي , جميع توسّلاتي إليها بأن تكفّ عن تعذيب وإنهاك نفسها منذ سنواتٍ طويلة قد ذهبت سُدىً , وستذهب سُدىً إلى نهاية هذه الحياة..
فهي لا تَرى بأنّي إبنها , صاحب الجسد والرّوح المُنفصلين عنها , بل هي شخصٌ مُستبد ومُتملّك! , هي تراني جَسدها وروحها الأُخرَييْن..
"ما كُلُّ هذا النقاش الدرامي المُفاجئ يا أنا؟..."
عُدت لأستمتع بتلك المُثلّجات مُجددّاً بِرفقتها وأنا أُراقب الألعاب النّارية المٌذهلة التي انطلقت في سَماء موسكو مُنبّئةً بحلول العام الجديد..
قُشعريرةٌ من الفَرح سَرت في جَسَدي لتنطلق جرّاءها صرخةٌ قصيرة وشغوفة من صدري وأنا أرى ليل سَماء موسكو قد تبدّل في لَحظاتٍ قصيرةٍ إلى نهار..