٢

488 56 24
                                    

وصلت إلى وجهتها، تلك التي كانت منزله الذي يقبع بأطراف المدينة، لطالما كان يعشق الأماكن الهادئة المتطرفة حيث يجد نفسه و يستطيع أن يركز في ما يفعله.

لكن الليلة، المكان لم يكن هادئًا البتة، كلما إقتربت بسيارتها أكثر، إتضحت الضوضاء أكثر فأكثر. شعرت بقلبها يتمزق ببطيء شديد، ذلك الألم الذي تشعر به لا يمكنها تجاهله، لكنها تحاول أن تتعامل و كأن ليس له وجود.

ركنت سيارتها بالقرب من المنزل، أوقفت المحرك لتترجل بثقة منها مرفوعة الرأس و كأنها لا تشعر بأي شيء.

خطوات حذاءها الأبيض ذا الكعب المدبب لم تكن مسموعة بسبب الضوضاء .. رتبت شعرها -كما تفعل دائمًا عندما تشعر بالتوتر- بينما تحمل تلك الشمسية السوداء لتحميها من إنهمار المطر الرهيب هذا الذي لم يتوقف منذ بداية اليوم.

تقدمت بضعة خطوات و كانت تنظر حولها بعناية، حتى وقعت عينيها عليه واقفًا أمام المنزل، ممسكًا بهاتفه و يحمل شمسيته هو الآخر و يبدو أنه في إنتظارها.

كانت تتمعن النظر به و كأنها لن تراه أبدًا بعد ذلك الحين، لم تكتفِ بعد من عينيه البندقيتين و ابتسامته الساحرة و ملامحه الجادة، كان أطول قامة منها مما كان يشعل نيران حبه في قلبها أكثر. كانت على قناعة تامة أنها لن تجد وسامته في أي رجل آخر ..

إلتفت بنظره نحوها ثم إلتفت لينظر بعيدًا من جديد، لكن حين أدرك أنها هي الآتية، أعاد نظره إليها في ثوانٍ و على شفتيه أجمل إبتسامة ستراها هي في حياتها.

ابتسمت تلقائيًا و بألم أيضًا، و بينما كانت تتجه نحوه، بدأ هو كذلك بالسير نحوها.

توقف المطر حالما إقتربا من بعضهما البعض، فبادر هو بالتحدث بصوتٍ يملؤه السعادة لرؤيتها أخيرًا بعد تلك الفترة الطويلة، "أفتقدكِ، كيف حالك؟"

تغاضت عما سمعته، فتصرفت و كأنه لم ينطق بتلك الكلمة؛ فردت ببرود تام لم يعهده مُسبقًا منها، "أنا بخير"

ابتسم و كان يتضح بأنه لا يشعر بالراحة من طريقة حديثها، فبالطبع يشعر بتغيُر معاملتها، فحاول أن يٌخفف التوتر عن الأرجاء، "ذلك المعطف يخفي ذاك الفستان الأبيض الذي لطالما لم تريدي أن ترتديه مُسبقًا"

هزت رأسها بعدم اهتمام، "هذا الفستان ليس محبب لي، و لهذا إرتديته في يوم قميء مثل هذا"

كان ردها وقحًا و هي مدركة لذلك تمامًا، و لم تشعر بالذنب للحظات.

أطال النظر بعينيها و كأنه يجهل من أين أتت بتلك القسوة، لكن سرعان ما أدرك أنها أحبته لسنوات طوال و لم ترَ أحدًا أمامها غيره، فعذر أقوالها السخيفة الوقحة.

كانت تشعر هي بعينيه عليها، فإدعت بأنها منهمكة بالنظر إلى الحضور، بينما هي فقط كانت منهمكة بالبحث عن حبيبته المحظوظة لتلقِ نظرة أخيرة عليها.

  و بعد دقيقة بالضبط من دخولهما المنزل، إقتربت تلك الفتاة منهما فألقت التحية عليها و من ثم قبلّته.

و تزامنًا مع تلك القبلة الحارة، خلعت معطفها و وضعت شمسيتها جانبًا، و دوى الرعد بمسامعها و كأنه صوت تحطُم قلبها.

25حيث تعيش القصص. اكتشف الآن