اليوم هو الخامس عشر من شهر ديسمبر عام 1944 أو هكذا أظن فقد بدأت أشعر أن التاريخ هنا في برلين مختلف عن خارجها ...
أجلس خلف مكتبي الخشبي في إدارة البريد كما أعتاد من التاسعة صباحا حتي الخامسه لأستلم الرسائل و الطرود من الناس فأرسلها الي إحبائهم في كل مكان في ألمانيا و لكن كان هذا منذ عام ... الأن خطوطنا البريديه لا تستطيع تجاوز ميلين خارج برلين بسبب الحرب و تقدم قوات الحلفاء ...
و بالطبع هذا تسبب في شح الغذاء و المؤن و كذلك الأموال داخل برلين عاصمة الرايخ الثالث العظيم ..
أنا حقا لا أفهم ما يحدث فجأة كاد هتلر ينتزع أوروبا بأكملها و فجأة تتسارع أعمدة إمبراطوريته قصيرة العمر في السقوط من حوله ...
أوه ... لا يجب علي قول مثل هذه الكلمات ... فقد تتسبب في وصولي لحبل المشنقة بتهمة الخيانة العظمي ... لذا و حتي أتجنب هذا المصير كل ما علي فعله هو شئ واحد ...الجلوس خلف مكتبي الخشبي و النظر الي باب المبني لأنتظر قدوم أحد المواطنين الألمان الطيبين فأقدم له خدمته و يغادر ... و لكن بالطبع بسبب أحوال الحرب حولنا و القصف شبه اليومي علي برلين فلا أحد يغامر الأن بالخروج من بيته ليرسل رسالة من ما ... فالكل مشغول بتجميع ما يستطيعه من طعام قبل أن يطرق وحش المجاعة علي أبواب العاصمه ...
لذا كنت أتوقع يوما مملا كالعاده و أنا أجلس علي ذلك المكتب الخشبي الذي بدأت أشعر بأنه جزء مني و أنظر الي باب المبني منتظرا الي أن ينتهي يوم عملي ثم أسرع لمنزلي ...
و لكن علي غير العاده تحطم حائط توقعاتي حينما رأيت تلك العجوز المسنه وهي تدلف الي المبني من خلف الباب ... عجوز قد فعل بها الزمن الأفاعيل تستند علي عكاز خشبي و تسير باتجاهي بخطوات بطيئة ...في العاده أنا أتشائم حينما تخطئ توقعاتي و لكن هذه حال الدنيا ... فقط بقيت أراقب هذه العجوز و هي تقترب مني إلي أن وصلت لمكتبي الخشبي لتنظر إلي بعينيها التي تحمل لونا أصفر كعلامة علي المزض و تمد يدها التي ترتعش حاملة صندوقها صغيرا لتضعه أمامي علي المكتب و تقول بصوت ضعيف ...
" بني ... هل يمكنني أن أثق بك لتوصل هذا الطرد لإبني ؟ "
لأنظر إلي الطرد و أقرأ العنوان المكتوب عليه فأجده داخل برلين ... في الواقع العنوان ليس بعيدا عن هنا .. لأنظر إليها بامتعاض و أجيبها ...
"سيدتي ... نحن خدمة بريد و لسنا خدمة توصيل طلبات الي المنازل ...هذا العنوان ليس بعيدا عن هنا "لتنظر الي وجهي بعينيها التي تعكس ضعفها
"أعلم ذلك يا بني ...و لكن هذا الطرد يجب أن يصل الي إبني الليله و كما تري أنا مريضة بشدة ... هل يمكنك فقط أن تساعد إمرأة عجوز ؟ "
نظرت حولي الي زملائي لأجد كل منهم يتصنع أنه مشغول في شئ ما ليتجاهلني لأنظر للعجوز مجددا و أجيبها ...
"حسنا إذا ... كما تريدين ... سأوصله بمجرد أن أنهي عملي هنا "
لتبتسم و تشكرني قبل أن تغادر المكان بخطواتها المريضه ...
و بالطبع لأنني وعدتها سأنتظر الي أن ينتهي ميعاد عملي و أوصل الطلب للعنوان ...وصلت لذلك المنزل الغريب ... كان منزلا قديما وسط حي مهجور بسبب القصف...
"هل هناك حقا من يعيش في هذا المنزل ؟ "
قلت ذلك لنفسي بينما أقترب من باب المنزل و الذي لاحظت عدم وجود أي ضوء في نوافذه ... لأقف الباب و أطرقه فأسمع صوت الخطوات القادم داخله و أنتظر ...
يتحرك الباب قليلا ليكشف عن ذلك الشاب و الذي تتحرك نظراته الي ذلك الطرد بيدي تلقائيا فينظر إلي و يقول
"أوه أنت من ساعد والدتي المريضه ... تفضل بالدخول "
"أعتذر و لكني يجب أن أذهب الإن "
ليمد يده و التي لاحظت أنها تهتز و ترتعش ليمسك بيدي و يسحبني الي داخل المنزل و يغلق الباب خلفي وهو يقول
"يجب أن أشكر من قرر مساعدة والدتي المريضه ... أرجوك تفضل و إجلس ... سأقوم بتجهيز الطعام لنا الأن فهذا أقل ما يمكنني فعله "
لم يعطني فرصة للرد ... فقط تركني جالسا علي ذلك الكرسي أمام الطاولة الخشبية مع الطرد في إنتظاره ... يا الله ... لم أريد أن أتأخر في هذا المكان و لكن ربما لا يضر بعض الطعام .. فأنا أعيش وحيدا و معدتي قد أوشكت علي الصراخ من الطعام السئ الذي أعده ...لذا قررت أنه لا ضير من الإنتظار ...مرت الدقائق و أنا جالس ليطول إنتظاري و أبدأ بالشعوز بالإنزعاج ... لماذا يتأخر هكذا ؟...حاولت مناداته لإدرك أنني لا أعلم إسمه بعد ... نظرت الي علبة الطرد فأقلبها بيدي بحثا عن إسم ولكن بلا فائده ... و لكني لاحظت شيئا أخر ... الطرد خفيف جدا و كأنه علبة فارغه ... يا إلهي كيف لم ألحظ ذلك من قبل ...
منزل في مكان مهجور ... طرد غريب من إمرأة عجوز و أخيرا إبن مريب تركني وحيدا في المنزل ...
إنهم هم بالتأكيد ... لقد حذرونا منهم بكثره ... أتباع الحلفاء و عملائهم من يخطفون الناس ليبثوا الفوضي في العاصمه ... لقد حذرونا منهم بكثره ...
"لا ...لا ... بالطبع لا ... أنا لست شخصا بهذه الأهميه ليخطفوني " ..
قلت ذلك لنفسي و أنا أحاول دفع هذه الفكرة بعيدا حتي لا أشعر بالخوف ... و لكن ذلك الهاجس لم يغادرني ...ماذا لو كانت القصص صحيحه ...ماذا لو كانوا هم ...
هناك شئ واحد سينهي هذه الحيره ....و هو الطرد .... علي أن أفتح ذلك الصندوق الصغير و أري ما بداخله ...
وضعت الصندوق أمامي و بدأت بفك الرباط حوله بشمل يمكنني من إغلاقه مجددا ...لأفتح الصندوق و أحمد الله أنه لم يكن فارغها ... لقد كان يحوي ورقة ما مكتوب عليها بخط غريب بدا و كأن أيد مرتعشه قد كتبته ...
لم يكتف فضولي بهذا الحد ... علي أن أفهم ما يحدث حولي ... لذا أمسكت بالورقه و بدأت قرائتها و كانت لا تحوي سوي جملتين فقط...." إنها مسئلة أيام فقط و تقتحم المجاعة برلين .... هذا شخص أخر عليك تخزينه حتي لا يقتلنا الجوع "...
لأشعر بقلبي وهو ينتفض داخلي من الخوف و أنا أشعر بتلك الأنفاس الحارة خلفي فجأة قبل يقتحم جمجمتي الألم و أفقد وعيي ...
أنت تقرأ
الخوف
Horrorتحتوي ظلمات هذا العالم علي الكثير من الشرور الخفيه ... في هذه المجموعة القصصيه ... سنخرج هذه الشرور الي الضوء...