يتمحور الحب بشكل عام حول الأخذ والعطاء، فإذا كان المرء يستطيع منح ما يكفي من الرعاية والاهتمام والتعاطف لنفسه، فعلى الأغلب يمكنه منح هذه المشاعر للآخرين أيضا، هذا بخلاف محبة النفس والأنانية، اللتين تقومان على الأخذ والاستغلال وتفضيل الذات.
“لا يمكننا أن نحب الآخرين ما لم نتمكّن من حب أنفسنا”، قول مأثور يحمل العديد من المعاني والدلائل، أبرزها أن الحب يزدهر ويكبر عندما نقدّمه للآخرين، ولكنه دائما يبدأ عند النفس، فعندما يحب المرء ذاته فإن العالم من حوله يصبح أكثر جمالا وجاذبية ونجاحا، فحب النفس ليس استثناء، حيث يتيح للمرء النظر إلى الأشياء والأشخاص والحياة بمنظور أفضل وأكثر إيجابية، ولكن الشيء الأكثر أهمية هو أن كل هذه التغييرات تتعلّق بتصوّر المرء فقط.
عندما يحب المرء ذاته فإنه يصبح شخصا أفضل، لكون ذلك يحسّن الحالة النفسية والعاطفية، التي تنعكس إيجابيا على الصحة والحالة الجسدية. كما أن حب الذات واحترام النفس يجعلان الفرد يتمتّع بعلاقة أسرية دافئة وناجحة، قائمة على العطاء والاحترام المتبادل بين الشريكين، وخالية من أي ازدراء أو سوء معاملة، ما يساعد على استمرار الحياة الأسرية ونجاحها.
ويشير خبراء إلى أن حب الذات واحترامها يعتبران من العوامل الرئيسية في تكوين شخصية سوية ومؤثّرة وناجحة اجتماعيا وعمليا، إلا أنهم يؤكدون أن الإفراط في ذلك والمبالغة في تقدير الذات قد يؤديان إلى الأنانية التي تأتي بنتيجة عكسية على حياة الفرد.
وفي هذا السياق قالت الدكتورة رضوى إبراهيم، أستاذة علم النفس في الجامعة الأميركية في القاهرة “إن حب الذات يعتبر أحد العوامل الرئيسية في تكوين شخصية مؤثّرة وذات قيمة، إلا أن هذا الحب والاعتزاز يتراجعان تحت ضغوط الحياة، ما يؤثر سلبا على الإنسان سواء نفسيا أو اجتماعيا، لافتة إلى أن المرء قد يمر بمراحل يشعر فيها بالإحباط والحزن، ما يجعله يرفض ذاته ويقسو عليها، وتتطوّر الحالة تدريجيا حتى تصل إلى ازدراء الذات واحتقار النفس، وهنا يظهر التأثير السلبي لتلك الحالة في كره المجتمع أيضا، والفشل في العلاقات الاجتماعية، وربما توتر العلاقات الأسرية”.
حب الذات هو مفتاح من مفاتيح الارتقاء بالذات
وأضافت “على المرء التخفيف من هذه المشاعر السلبية، وتهوينها على النفس وتحسين معاملتها، حتى تتحسن الحالة المزاجية”، مشيرة إلى أن ذلك يتحقّق من خلال استخدام مفاتيح السعادة الشخصية للإنسان التي تدخله عالم المرح والسعادة، للقضاء على حالة الإحباط والحزن والسخط على كل شيء، والتي تؤدي إلى ازدراء الذات.
ونصحت إبراهيم بضرورة التوقّف عن مقارنة النفس بالآخرين، لما لذلك من آثار سلبية على الحالة النفسية، وجنوح نحو رفض الذات وعدم الرضا بالوضع القائم، كذلك عدم الرضوخ لرغبات الآخرين، واستبعاد كل ما يسبّب ضغوطا على الشخصية ويصيبها بالضيق والتوتر، مع تخليص النفس من القيود لإبعاد التعاسة والإحباط، وإدخال الأفكار الإيجابية إلى العقل، فهذا هو المعنى الحقيقي لحب الذات وتقديرها.
ومن جانبها أوضحت الدكتورة سامية الجندي، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الأزهر قائلة “أن حب الذات يمنح طاقة إيجابية للمرء تساعده على مواجهة تحديات الحياة، وتزيد من ثقته بنفسه وشعوره بقيمته، ما ينعكس إيجابياً على الحياة العملية والاجتماعية للفرد، ويجعله ناجحا سواء في عمله أو محيطه الاجتماعي، مبينة أن الدائرة الاجتماعية المحيطة بالفرد مؤثّرة بشكل مباشر في درجة حب المرء لذاته سواء سلبيا بتدني قيمته، أو إيجابيا بدعمه نفسيا والثناء عليه، حيث تظل محبة المرء لذاته شيئا ضروريا يؤثّر ويتأثر بالمحيط الاجتماعي.
وأشارت الجندي إلى أنه قبل التوجه لحب الآخرين واحترامهم وحسن معاملتهم، يجب أولا أن يحب المرء ذاته ويحترمها ويحسن معاملتها، من منطلق فاقد الشيء لا يعطيه، فتطوير حب الذات هو مفتاح من مفاتيح الارتقاء بالذات وتحصيل السعادة وتحقيق النجاح.
أما الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، فيرى أن المرء بحاجة إلى تقدير ذاته، من أجل أن يُعترف به في المحيط الاجتماعي، لافتا إلى أن حب الذات هو الخطوة الأولى لنمو الثقة بالنفس، ما يؤثر على التصور الذي يكونه الآخرون عن الشخص، موضحا أن حب الذات كغيره من ميكانيزمات الشخصية له جانب سلبي، حيث قد يتطرّق حب النفس المبالغ فيه إلى إعجاب زائد عن اللازم، فيتحوّل بذلك إلى تشوّه نفسي، يترجمه تضخم الأنا ومركزيتها، وهذا المنحى غير السليم معروف باسم النرجسية، وهو ما قد يتخذ شكل حالة مرضية، بما هو إفراط في تضخيم الذات ومبالغة في اعتبارها.
وشدد فاضل على أن بين حب الذات والنرجسية خطا فاصلا، ويلزم للحفاظ عليه الالتزام بالواقعية، فإذا كان يتعيّن على الفرد تسليط الضوء على قدراته والتركيز على نجاحاته، فإن التعثرات ينبغي أن تأخذ حصتها من الاهتمام، حتى تساعد على تطوير الذات والارتقاء بها وعدم تكرار نفس الأخطاء. كذلك لا يمكن أن ينفصل الشخص عن دائرته الاجتماعية ويتجاهلها، مع عدم التوقّف بسلبية عند أحكام عناصر هذه الدائرة الاجتماعية بشأنه، ولا ينبغي أن يدفع ذلك إلى الاعتقاد بأنه أعلى من الآخرين، في إطار علاقات متوازنة للتعامل مع المحيط الاجتماعي والارتقاء بقيمة الذات.