الجزءُ الثَّالِث

3.6K 213 144
                                    

* هذا الجزءُ يروي ما حَدَثَ أثناءَ الفترةِ التي ذهبَ فيها لان سيجوي ولان جينغيي لإحضارِ جين لينغ من يونمنغ.

---

سكَنَتِ الأصواتُ وهدأتِ الرياح، حتّى الشمسُ اختبأَت وأخفَت وجودها في تلكَ الليلة ..

لطالما استمتعَ لان شيتشن بالجلوس في الحديقةِ مساءً، ولهذا فقد كانَ هناكَ اليومَ أيضاً، قاعداً بهدوء، رافعاً نظرَهُ ناحيةَ السماءِ التي لم يتلاشَ منها شفقُ الغروبِ بعد، وتوزعت عليها بعضُ النجومِ مُشعّةً ببُهت. أراحَ آلَتَهُ الموسيقيّةَ أمامهُ وأمسكَ بكوبٍ منَ الشايِ بينَ كفَّيه، قرَّبَهُ مِن شفتيهِ ولكنَّهُ توَقَّفَ قبلَ أن يرتَشِفَ منه.

نسمةٌ منَ الهواءِ البارِدِ مرَّت بهِ فجأة، جاعلةً كاملَ جسدهِ يرتجفُ للحظة..

التفتَ ببطءٍ دونَ أن تختفيَ البسمةُ من على شفتيه، وأبصرَ هيأةً مألوفةً تقتربُ من خلفه. وبمجرَّدِ أن وقعَ نظرهُ عليهِ تباطأت خطواتُهُ إلى أن ثبتَ في مكانٍ واحد.

"رئيسَ عشيرةِ لان" حيّاهُ الآخَرُ بنبرةٍ هادئة، جاعلاً إيّاهُ يضَعُ كوبهُ على الطاولةِ وينهضُ مستديراً لاتجاهه، ناطقاً ببسمةٍ لطيفة:

"يالها من زيارةٍ غيرِ متوَقَّعة، رئيسَ العشيرةِ جيانغ"

"أينَ وي ووشيان؟" سألَ جيانغ تشنغ بسرعةٍ كما لو أنّهُ لا يُريدُ من لان شيتشن قولَ شيءٍ آخر، أو حتى التفكيرَ به.

قهقهَ لان شيتشن قليلاً وبدأَ بالخطوِ نحوَه. برؤيةِ تصرُّفه، ظهرَت تعابيرُ استغرابٍ ممزوجةٍ بملامحَ منَ الانزعاجِ على وجهِ جيانغ تشنغ، ولكنّهُ لم يكُن قطُّ منَ النوعِ الجبانِ أو المتردد، لذا فلم يبرح مكانهُ وثبَّتَ قدميهِ على الأرض.

على أي حال، لم يستطِع المحافظة على هدوئهِ بعدَها.. لمْ يعلَمِ السبب، ولكنَّ لان شيتشن وقفَ قريباً منه.. كانتِ المسافةُ بينهما أقلَّ من تلكَ التي منَ المفروضِ أن تفصلَ شخصينِ يتحاورَان.

بدأَ لان شيتشن بالتحدث:
"ما الذي تقولُهُ رئيسَ عشيرةِ جيانغ؟ من غيرِ الممكنِ لكَ أن لا تعلمَ أنَّ سيِّدَ وي اليافعَ لن يكونَ هنا"

ارتبكَ جيانغ تشنغ. لربّما كانَ هذا بسببِ ما قالَهُ الأطول، ولكنَّ قلبَهُ كانَ ينبُضُ بشدّة، حتّى أنّهُ شعرَ بالدمِ يتدَفَّقُ صاعداً لرأسه.

"ما الذي تحاوِلُ قولَه؟" عقدَ جيانغ تشنغ حاجبَيهِ محاوِلاً خفضَ صوتِ أنفاسِهِ التي قد تسارعت، ولم يستَطِع منعَ نفسهِ من تجنُّبِ النَّظَرِ إلى عيني الواقفِ أمامَهُ.. أشاحَ بصرَهُ للجانِبِ وأدارَ رأسَهُ بخفّة، وبهذا لم يتمكَّن من رؤيةِ الذراعِ التي التفَّت على خصرِهِ ساحبةً جسَدَهُ للأمام. شعَرَ بمعدتِهِ تصطدِمُ ببَدَنِ الأكبرِ ورفعَ يدَهُ ليَضَعَها على صدرِ من يقابلُهُ دافعاً إياهُ بخفّةٍ خوفاً من أن يستشعرَ فؤادَهُ الذي يدُقُّ بجنون.

"ابتعد" حاولَ أن يتحَدَّثَ وأبقى ناظِرَهُ بعيداً، ولكنَّ لان شيتشن وصلَ إلى ذقنِهِ بيدِهِ الأخرى، أمسكَهُ وأدارَ رأسهُ بلطف.

حدَّقَ جيانغ تشنغ بهِ بينما لا يزالُ عاقداً حاجبيه، ولكنَّ النظرةَ التي توسطت عينيهِ لم تَعُد بتلكَ الحدّة. ومعَ أن الظلامَ كانَ قد حلّ، ولكنَّ لان شيتشن استطاعَ رؤيةَ الاحمرارِ الذي قد ظهرَ على وجنتيه. لمَسَ جيانغ تشنغ الخاتمَ الذي على سبابتهِ وظهرَت شرارةٌ منَ البرقِ البنفسجيّ، وتبعها شعاعٌ أحاطَ سوطَهُ وأنارَ المنطقةَ التي حولهما قليلاً.

وبحركةٍ سريعةٍ من يَدِهِ أحاطَ الزديان معصمَ لان شيتشن.

"سيِّدُ وي اليافِعُ لن يكونَ هنا" لم يُظهِر لان شيتشن أيَّ ملامحِ ألَمٍ جرّاءَ لسعِ الزديان له.
بهدوءٍ أتمَّ كلامَه:

"لذا، أيُمانِعُ هذا الجَروُ الصغيرُ بإخباري عمّا يريدُهُ منّي؟"

أمالَ جيانغ تشنغ رأسهُ للأمامِ وسحَبَ مقبضَ سوطِهِ قليلاً، دونَ أن ينطُقَ بكلمة، فتحَ فَمهُ وعَضَّ سبّابَةَ ذي الرداءِ الأبيضِ بخفّة.

أطلَقَ لان شيتشن ضحكةً خفيفةً وأبعدَ يدهُ واضعاً إياها على رأسِ جيانغ تشنغ، وبصوتٍ ناعم، همسَ بخفوت:

"لا بدَّ وأنّكَ ما تزالُ بحاجةِ الكثيرِ لتصبِحَ مطيعاً"

تمتمَ ذو اللباسِ البنفسجيّ:
"لا تمسح على رأسي.."

لمْ يُدرِك جيانغ تشنغ ما يحدُثُ له، ولكنَّهُ شعرَ بشيءٍ دافئٍ داخِلَ صدره.
شيءٌ جعَلَ زاويَتيْ شفتيهِ ترتفعانِ دونَ أن يلاحظ ..
تساءلَ طويلاً عن ماهيَةِ الشعور .. ولكن حتى وإن علِم، أستَسمَحُ لهُ نفسهُ بالاعترافِ بهذا؟

---

رأيكم؟

رَغبَةُ القَدَرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن