الخاتمة ...
اسفة لو فى أى غلطات مراجعة ملحقتش ادقق والموبايل كمان مش مساعدنى ...
أتمنى تكونوا أستمتعتوا بالرحلة وكانت خفيفة كدا ...
__________________
#صندوق_الدنيا
الخاتمة ...
-" بنتك إزاى ...بنتك منين ؟ انتى اتجوزتى ؟؟"
هدر عمر غير مستوعبا أى مما تتفوه بها ..وكلامها لوغاريتم صعب الفهم .....
هتف بزفير بائس وقد كشفت ما خباته ...وجرى ما جرى ...وقد ان الوقت له أن يعرف كل شئ الأن ...
-" بنتى يا عمر ....منك ..."
جحظت عينيه وهو يقترب منها ....إجتاز المسافة الفاصلة بينما فى لمح البصر وهو يقف أمامها ينظر لعمق عينيها يلمتس منهما الصدق من عدمه ...فأدرك أن كل كلمة تتفوه بها نابعة من داخلها بعزيمة صادقة ....
إنها لا تكذب ....:
-" إنتى ؟ ....إنتى كنتى حامل ؟؟ إزاى !!"
زفرت بقلق واخر ما يشغلها هو عمر الأن ...تود أن تطير لتلحق برهف وتعرف ماذا حدث لها وتطمئن قلبها .....
همست بضيق :
-" مش وقته يا عمر ...أنا لازم امشى ....رهف فى المستشفى !!"
لم يكن عقله قادرا على ملاحقة هذه الصدمات وترجمتها ....رنا هى يسرا إبنة هاشم الجندى ...لتوه إكتشف أنه يحبها ...ولازال باقيا على حبها ..,الان علم أن له إبنة منها ...هى أخت إسراء خطيبته الأن أمام العالم ...وهى كانت زوجته بهوية مزيفة !!!
لم يكن قادرا على الفهم ...الإستيعاب ...أو حتى ترتيب الأحداث ترتيبا خاضعا للمنطق ...وجد نفسه يهتف بها بعزيمة :
-" انا جاى معاكى ...."
لم تكن قادرة على منعه ....وقد ادركت أن هدوئه ما هو إلا قشرة ظاهرية لو إنقشعت بعنادها ستحرر مارد سيفتح بها الأن .....فوافقت ....
تحركت معه فى السيارة بعدما أخبرته بعنوان المشفى ....وإنزوت فى مقعدها ...صامتة ...سارحة فى عالم أخر ....
هى الأن ستذهب للمشفى ...إسراء هناك ...ومعها عمر ...
يالله ماذا عليها أن تفعل كلما حاولت التستر على شئ ....عاندها القدر وكشفها ...
كلما حاولت النجاح فى حياتها ....عاندتها الحياة وافشلتها ...
لم تكن تريد شئ ...سوى حياة مستقرة مع إبنتها ...
بعدما دفعت ثمن أخطاها غاليا من نفسها ...وعزتها ...وثقتها بنفسها ...
إرتضت أن تكون إنسانة هاشية مرعية لا راعية .....
ويبدو أن الزمن لم يرتضى لها هذا ...بل زادها هشاشة بمواقف لا تنفك تتعبها ...تنهكها .......
قررت وحسمت هذه المرة قرارها ....هى لن تخطط مجددا ...ولن تفكر ... هى فقط ستساير القدر هذه المرة ...وحيث يرسى مركبها ...ستهبط ....دون أدنى إعتراض ....
لم تلاحظ هذا المنتفض بداخلها والحقيقة بداخله اشبه بأمواج تسونامى جارف ...تتزاحم داخله وتتصارع فتهدم كثيرا مما إعتقده ...وكثيرا مما خطط له ....
لم يحسب أبدا ....أن يكون هاشم جد إبنته ....هاشم الذى يكره وبشدة .....
والأن ماذا عليه أن يفعل ....إن كان إنتوى أن يتخلى عن إسراء حين يحقق إنتقامه ...فالأن هو مجبر أن يتخلى عنها لأدل نفسه ....لأجل طفلة منسوبة له ولا يعرف عنها أى شئ إلا من لحظات ....
كان يقبض على يديه حتى إن عروق يده قد برزت من الغضب ...كان متهورا فى قيادته ..لحد خطير ..لم تكن واعية بعد كيف تهدأه ...فاثرت الصمت ...
وصلا المشفى فتركته وركضت نحو طابق الأطفال ....تبحث عن إسراء أو المربية ......
فوجدت إسراء هناك منزوية على الأرض تضم ركبتيها إليها فى صدمة ....ودموعها تذرف تلقائيا بوجه شاحب ....كذلك المربية متكورة على نفسها وتبكى .....
إنقبض قلبها ...وزادت سرعتها وهى تشعر بالدماء تتثلج فى جسدها وتتخثر فتنمعها عن الحركة .....
-" إسراء ....رهف فين ....؟؟؟ بتعيطى ليه ...رهف فين !"
هبت إسراء من مكانها وهى تجد يسرا مقبلة عليها كإعصار جارف ....تالمت ...وإنعقد لسانها وهى لا تعرف كيف تخبرها ...وبماذا ستقول لها ؟؟؟
لمحت خلفها فوجدت عمر مقبلا معها متجهم الوجه غاضبا ....يعقد حاحبيه ويقطب جبينه !!!
قبضت يسرا على عضدى إسراء وهى تسألها بهذيان :
-" ردى عليا ...رهف فين !"
-" ماتت !! الوقعة كانت جامدة نزفت كتير ومحدش لحق يسعفها ....ولما جت هنا كانت ....كانت ماتت !!"
لم تسمع يسرا أى من هذا ...فإكتفت بكلمة واحدة " ماتت "
كانت كافية أن تقتلها وهى حية هذه المرة .....
لا تعلم لما ألمها قلبها كأنه طير يذبح وينتفض ...يتمسك بالحياة راجيا إياها ألا تفارقه ....
إهتزت هذه المرة من أعماقها ...وهى تدرك أن الحياة تسلبها هذه المرة شيئا غالى عليها ....إبنتها ...
تلك التى توسمت بها العوض ...العوض عن هذه الدنيا ..
وتوسمت بها الخير ...بعد كل شر مرت به ....
كانت ستفارق الحياة يوما حين أخذت جرعة زائدة من المخدر ورغم الامها الجسدية كانت روحها فى سبات .....
وكانت ستموت من المسكرات حين أصيبت بالتسمم ولكن روحها كانت باقية رغم كل شئ ....
ولكن هذه المرة الطعنة كانت بروحها التى حاربت فخرت صريعة وخرت معها يسرا أرضا تصرخ بإسم إبنتها بهستيريا قبل أن تسقط أرضا مغشيا عليها ....
سارع عمر ولحق بها قبل أن تسقط ويرتطم رأسها بالأرض إحتضنها بين ذراعيه بينما سقطت إسراء معها تحاول إحتضانها ....
كان يؤلمه شئ واحد ...أنه لم يرى إبنته تلك لأول مرة إلا ليدفنها بين طيات الثرى ويودعها ....
سقطت دموعه وهو يسقط على ركبتيه يدرك يسرا قبل أن تسقط ....
وبقى منحصرا فى عالم لا يفهم منه شيئا ولكنه يوجعه .....
......................................................
بعدها بحوالى عشر ساعات ....
تحرك عمر بين الإدارة فى المشفى وبين العاملين لينجز الأوراق الروتينية ...ورأها ...رأها لأول مرة وهى تتلفح بالأبيض ...
الأب يرى إبنته بالأبيض ليزفها نحو دنيا سعيدة ....
وهو البائس يكفنها نحو مصير مفارق .....
لم تكن شاحبة شحوب الموت ...بل كانت نقية ....جميلة كملاك لم يكن مقدر له الإستمرار بهذه الدنيا الظالمة ....مبتسمة غبتسامة غريبة ...وكأن سكرات الموت كانت لها حلوى جذابة أخذتها ورحلت ...رحلت لتجاور الله فى عالم أولى بها ...بكى وهو يحتضنها لأخر مرة ...ولم يهن عليه أن ينزعها من بين ذراعيه ليسلمها للموت ....
لم يكن يعرف بوجودها ...ولكنها ...لكنها غالية عليه ....
...إنتزعوها من يده غصبا وكان يترجى القدر أن يبقيها بين ذراعيه دقائق أخرى ...دقائق يتذكرها بها ...لا يعرفها بحق ...ولكنهم إنتزعوا معه قطعة من قلبه ...وليس فقط إبنته التى حتى لا تحمل إسمه ....
....................................................................
دخلت يسرا فى صدمة كانت عاجزة عن الإستفاقة منها فمنذ اربعة وعشرين ساعة لا تفعل شئ سوى النوم ...أو الإستيقاظ صارخة بإسم إبنتها ...وربما الضحك بهستريا وهى تتأمل الهواء وقد تمثل لعقلها المجنون أنه رهف ....إبنتها ....
فقدت القدرة على التحكم بدموعها ....أو حتى التحكم بأعصابها .....
دقت إسراء الباب بهدوء ...وهى تستنبط حالة يسرا ...فكانت جالسة على فراشها ...تضم ركبتيها لصدرها وتنظر للخواء مبتسمة ...ودموعها ابية أن تتوقف ....إقتربت منها بهدوء ...ولم تبدو يسرا واعية لها ....
جلست جوارها وهى تحيط بيديها ظهر يسرا ...تضمها لها ...وكان هذا العناق محفز دافئ ..لأن تبكى يسرا بمزيد من القهر .....تشهق بقوة ....
بعجز ....
خرق قلب إسراء وابقاها حائرة مقيدة أن تخفف عن أختها هذا الألم ....
-" هو أنا عملت إيه يا إسراء ....للدرجة دى أنا وحشة ...أنا مجرمة صح ....ليه بس ...أنا مأذتش حد ...ليه يحصلى كل دا ....أنا مش قادرة أنا مش قادرة أكمل ...أنا ....أنا عايزة اروح رهف ..."
أغمضت إسراء عينيها وهى تحاول البحث عن بعض الكلمات لتهدأ أختها بها ....
وحتى عن هذا عجزت أن تفعل !!
-" طيب أنا غلطانة ...هى عملت إيه ...ليه حياتها تنتهى كدا ...ليه أتحرم منها بسرعة كدا ....ليه مكنتش أنا يا إسراء ليييييييه ..."
لم تستطع أن تكمل وشهقاتها كالفيضان الذى يقطع على كلماتها الطريق كى تخرج ...وتنفس ولو قليلا بما داخلها .....
مسدت إسراء على ظهر أختها ...وهى تحاول مأزرتها ....
-" قدرها يا يسرا ...هى كانت جميلة ...جميلة أوى ...جميلة جمال أهل الجنة ...ربنا إختارها تكون جواره منقدرش نعترض ....محدش عارف فين الخير ...."
صرخت يسرا والأسود بداخلها قد خيم على روحها وكل ما تملك فى جوفها رافضا لأى لون أخر ..ان يتخلله
-" أنا مفيش خير فى حياتى ....أنا مش معترضة ...والله ما إعترضت ...أنا مش قادرة ....مش قادرة أغمض عينى من غير ما أشوفها ....مش قادرة أنام من غير ما اسمع صوتها ...وهى بتعيط ...وهى عايزانى جمبها ...مش قادرة يا إسراء ....قلبى واجعنى مش راضى يفارقها ...مش قادرة ...."
لم تكن تدرك إسراء حجم الألم الذى تعانيه يسرا ولكنها تعانى وهى تنتفض بين ذراعيها ....وشهقاتها أشبه بننصال تتعاقب على قلبها .....إزدردت لعابها بضيق وهى تزيد من عناقها تتفوه بداخلها بكل ما تعلمته من أدعية ...أيات ....تتوسل الخال أن يسبل على قلب أختها صبرا ...وثلجا يريحها من هذا الألم .....
___________________________
بعدها بساعة ....تناولت يسرا منوما قويا ...نجح أن يأخذها فى غفوة تريحها من هذه الالام ...
بينما خرجت إسراء كى ترحل للمنزل وتعود قبلما تستيقظ يسرا ....فتحت الباب وهى تلمح بيدها هذه الحلقة الذهبية فى يمينها ....فتحت الباب لتجده هناك على أحد أرائك المشفى ...يتأمل الارض ودموعه رسمت بركة على الارض من شدة إنهمارها .....أغمضت عينيها مجددا بضيق وهى تبحث بداخلها عن أى
دعم ...
مأزرة ...
أى شئ ولكنها هذه المرة كانت مهتزة ....كانت تحتاج هى لعناق يأويها ..يشعرها أنها ليس وحدها فى مقاومة هذا الطغيان .......
جلست بجواره على نفس الأريكة ....زفرت بهدوء هامسة بإسمه :
-" عمر ..."
مسح دموعه وعز عليه أن يبكى أمام أحدا ....لم يبكى هكذا يوم وفاة والده بل ظل صلبا متعهدا أن يرجع حقه ....ولكنه هذه المرة ...لا يعرف هل يملك حق ؟؟؟
وكيف سيعاتبها وهى على حافة الإنهيار ....بل إنها أنجرفت لها .....
زفر عمر وهو يمسح دموعه هامسا بصوت خافت :
-" أنا أسف ..."
-" عشان مقولتليش ....ولا عشان خطبتنى وأنت عارف أنها أختى ...."
لم يكن متحملا لأى عتاب فى هذه اللحظة ....ولكنها أيضا لم تخطئ ....ولم يكن لها أى ذنب أن تقحم فى مثلث الغموض هذا دون أن تقترف شيئا .....
زفر عمر وهو يهمس مجددا بحزم :
-" اسف عشان كل حاجة ....مكنش ينفع أدخلك فى حكاية ملكيش ذنب فيها ...."
إبتسمت إسراء بوهن وهى تهمس بتهكم :
-" أنا فى حكايتكم دى من بدرى ...من يوم ما كانت رهف حاجة صغيرة خالص كدا جوا يسرا ....عرفت عنك كتير بس أنت للاسف متعرفش كتير عن يسرا .....
أنت فاكر أنها كدابة ...مخادعة ..حاجات كتير وحشة ....هى بس مظلومة ....ويوم ما فكرت تظلم مظلمتش غير نفسها ....
مفيش مصيبة محطتش نفسها فيها ...وكل دا كان عشان حاجة واحدة ....بابا يعترف بيها بنته ...ويعترف بحبه ليها ...بس للأسف كانت بتعاند قيراط كان بيعاند هو اربعة وعشرين قيراط ....
وفى الأخر محدش خسر غيرها ...."
غنتبه عمر لكلامها ومع كل كلمة يزداد إصرارا ونهما لأن يعرف ويزداد قلبه تحسرا عليها ...وخوفا منها فى أن واحد ...تسائل بفضول :
-" أنتوا أخوات من أم واحدة ؟؟؟"
لم ترد إسراء الولوج لهذا المجال من الحديث ....ولكن من حقه أن يعرف الصورة بأكملها ليكون صورة حقيقة عنها ...ويحكم قلبه متخذا القرارا الصادق والصائب ....
-" لا يسرا مش أختنا من أم واحدة ....زمان بابا اتجوز مامتها ...وخبى على أمى ...ولما عرفت ماتت ..."
-" فحملها الذنب !"
هتف مقاطعا ومستنتجا ...أومأت بضيق وهى تراقب ملامحه تسود حزنا .....فهتف مستعطفة إياها :
-" عمر يسرا بتحبك ....هى اه غلطانة ...ومتهورة ...,مندفعة ..ومعندهاش ثقة فى نفسها ...وعملت كل ذنوب الدنيا دى ....بس حرام أنت كمان تقف ضدها ....مشكلتها الوحيدة انها منبوذة ....مش يمكن لو حد من الى حبتهم احتواها تتغير ؟؟"
تركت سؤالها معلقا بلا إجابة وهى تنهض لتنسحب ...وتتركه غارقا فى حيرته ....يستهدى قلبه فينبذه ...يلجأ لعقله فيؤنبه ...فبقى فى المنتصف لا يعرف أى درب ينتهج .....
نهضت إسراء وقد خلعت خاتمها من يدها وتركته على المقعد أمامه هامسة :
-" أظن هى دلوقتى ملهاش لزمة ....."
ورحلت ...رحلت وبقى هو يتأمل غرفتها ......
________________________________
وصلت إسراء المنزل كى تطمئن على سارة ....
فإستوقفها نداء والدها الجالس على مقعده فى غرفة الضيوف ....يضع قدما فوق الأخرى ...وينتظر وصولها ....لا تعلم نيته ولكن نظراته لها أخبرته أن يعرف شيئا ولن يهدأ حتى يخرج ما بداخله ...
إختصرت عليه المسافة هاتفة :
-" فى حاجة يا بابا ! "
إبتسم متهكما والضيق يرتسم على ملامحه وهمس معاتبا :
-" فى إنك خنتى عهدك معايا يا إسراء ...إستغفلتينى ...وكسرتى كلامى ....وادعيتى البراءة وكل دا وأنا واثق فيكى ...."
علمت ما يحوزه بجعبته ....ولكنها هذه المرة ولأول مرة لا تكون مطيعة ...ما حدث زلزل شيئا ما بداخلا ....شيئا يهتز ليصرخ بلا ....
-" مالها يسرا ...."
هتفت تختصر عليه لفة طويلة كان سيأخذها ....فإختصر هو الأخر ...
-" أخبار رهف بنتها إيه ...بقى عندها كام سنة دلوقتى ..."
هتف ساخرا ....وهو يرمقها بنظرات ضائقة ملأها اللوم ....
فصرخت وهى تسمح لدموعها أن تتحرر بعنفوان :
-" ماتت يا بابا ....رهف ماتت إمبارح ... خلاص إرتحت يا بابا ....سيب يسرا فى حالها بقى إنساها .....كفاية بقى ....عايزها تعمل ايه تانى ....تموت ؟؟؟
أطمن يا بابا هى ماتت خلاص ..."
كلمات إسراء كانت أشبه بصخور تلقى فى وجهه بلا رحمة ولا تهاون ....فصدم ....صدم باعماله السيئة وأنانيته التى زاد فيها حتى أدرك أنه تجبر ...تجبر وتخلى عن إنسانيته ....وحمل ذنبه لطفلة ....
أكملت عليه إسراء تلقى عليه مزيد من الكلمات التى تجرده من الزيف والوهم وتضعه على درب الحقيقة :
-" يسرا معرفتش فى حياتها غير النبذ ....طفلة كل ذنبها أن بابها ارتكب ذنب ....ليه تدفعها هى تمنه ...أنا الى أمى ماتت ....معملتش كدا ..
هل يا بابا كل الى عملته فيها ....رجع ماما الله يرحمها ...
وهل لو ماما كانت هنا كانت وفقتك ....
حرام عليك بقى يا بابا سيبها فى حالها ..."
قالتها وهى تنسحب من أمامه صاعدة إلى الأعلى ...تحتاج أن تختلى بنفسها قليلا ....
وأبقته هو مع ضميره الذى إتسيقظ خارجا من غمده بنصل الماضى .....
_________________________
كانت الساعة تدق الثانية عشر بعد منتصف الليل ....كان هنا متلفحا بمعطفته يخفى ملامحه وهو يبكى ...ويراقبها من زجاج نافذة غرفتها .....ودموعه لا تتوقف عن الإنهمار .......
ملامحها كانت متألمة حزينة ...تحتضن وسادة كأنها تحتضن طفلة ....غائبة عن الوعى تماما ....بعالم خاص بها ....
تذكر طفولتها ....وألمه قلبه على ما فعله معها ....
تذكر نظرات التوسل فى عينيها حين كانت تطلب منه أبسط حقوقها تتوسله ألا يرفض ...
أن يحتضنها فى ليالى الشتاء الباردة ....
أن يسمع منها مشاكلها ....لم تكن تطلب منه حلا ....بل كل ما طلبته مجرد إهتمام ...إحتواء ....
ألا تكون منبوذة فى بيت كان من المفترض أن يكون بيتها ....
ولكنه ماذا فعل ....أذاها ....فقط ...
لم يكن لها أب ...لم يكن لها فارسا ...حملها ذنب لم تفعله ....لأنه أخطأ ....
كانت كلمة إسراء تتردد فى عقله بصجى مؤلم " هل كل ما فعلته سيعيد ماما ..."
هو لم ينتقم سوى من نفسه ...ومن طفلة بريئة ...وأد حياتها قبل أن تبتدأ .....
رن هاتفه فأخرجه ليجيب ....
سمع أحدهما ينهج ويخبره بتحسر :
-" مخزن التوريدات ...كل إتحرق يا هاشم باشا ...."
لم يتحمل هاشم وشعر بقلبه ينكزه ..ليتوقف عن نبضه ويسقط هاشم أرضا .......
______________________________________
بعد ستة أشهر من وقتها ....
إستيقظت إسراء من نومها ....تحاول جاهدة طرد بقية النعاس عنها ...فاليوم مهم للغاية ....
توضأت وإستعدت كعادتها كل صباح ...لتتحرك نحو غرفة والدها كى توقظه ...
منذ ما حدث وحريق المخازن بسبب ماس كهربائى ....لم يتحمل هاشم الصدمة وسقط مريضا فى الفراش .....عاجزا عن الحركة ...وبالطبع لم يبقى غير إسراء لمعاونته ....
تحركت بنشاط لتوقظه مدللة إياه برفق :
-" يلا يا بابا ....صباح الخير ....أيوا كدا فتح عينك خلى الشمس تطلع ...."
إبتسم هاشم وهو يراقب حبيبته وإبنته التى لم تتافف يوما من خدمته ....هى الوحيدة التى يراها فى هذا المنزل سارة منشغلة ويسرا ...حتى بعدما عادت هنا لا تنفك تشعر به حتى تهرب ...رافضة حتى رؤيته .....
ساعدته غسراء فى الإستعداد وجلبت له الفطور ليفطرا سويا ....
بعد رجوع يسرا للمنزل بعد شهرين من الحداثة توطدت علاقتها بسارة أكثر ...وتشاركا أحزانهما ...حتى أنهما تشاركا نيتهما للسفر للخارج ...فبدأت كلا منهما تعد أوراقها ....ولكن هذا اليوم ....لو حدث كما خططت ....لن يكون لديهما أى نية للسفر .....
تحركت إسراء لغرفة سارة تفتح ستائرها فلقد غادرت سارة منذ ساعة تقريبا ...وبدأت بإخراج الأشياء التى جلبها مؤيد .....
مؤيد الذى يصر على سارة ولكنها تتجاهله تماما ....وقد ركزت كل مشاعرها فى أن تنجح ...كى تنساه ...لو تغاضينا بالنظر عن بكائها ليلا محتضنة صورته ...وتحسرها على غيابها من حياته ....
ويسرا ....تغيرت كثيرا فى الأربعة أشهر الفائتين ...كانت ملتزمة أكثر من أى وقت ...بدأت تستكمل دراستها ...وتأخذ دورات فى الطبخ ...وتجهز مشروع تنوى إفتتاحه فى الخارج ....ناقلة الأكلات المصرية الشهيرة لبلاد الغرب الباردة .....
عمر ....هذا الشاب المسكين .....لم يكن له يد فيما حدث ...فكانت المصيبة فوق توقع أى أحد ...ولكنه إبتعدت عن هذه العائلة ....لا يفعل شيئا سوى العمل ...ومراقبة يسرا ...والإتصال بإسراء شاكيا لها ...
لم يبتعد للغاية !!!
زفرت غسراء وهى تشرع فى ملأ البالونات الوردية والبيضاء وتجهيز ما أراده مؤيد ......
لتمر ساعات وقد وصل فيها مساعدا إياها على إكمال عملها ...
حتى جاء الموعد ...
وصلتا سارة ويسرا معا .......
كانت إسراء تعمل بالمطبخ فسارت سارة خلسة وفزعتها صارخة فى أذنها ..
-" إكبرى بقى ....حرام عليكى ودنى ..."
قبلتها سارة من وجنتها هاتفة :
-" عصر الخير يا مزتى ...طابخة إيه ..."
ضحكت إسراء وهى تراقب يسرا شاردة ....فهتفت بها :
-" مالك يا كئيبة ..."
ضحكت سارة وهى تسخر من أختها :
-" لا هى كا أرعة وعشرين ساعة ...جبتلى إكتئاب ...خخلصتى كل الطاقة الأيجابية ..ياا ساتر ..."
وتحركت سارة نحو غرفتها هاتفة :
-" هطلع أغير على ما الغدا يجهز ....متجيبوش فى سيرتى عيب إحنا إخوات ....."
هتفت يسرا هى الأخرى ببرود :
-" أنا كمان هطلع أغير ...."
وتحركت نحو غرفتها ليستوقفها والدها على كرسيه المتحرك يحاول الوصول لشئ ما يبعد عنه ....دفعتها نفسهاان تقترب منه وتعطيه إياه ...
رفع عينيه يتأملها ففاضت بالدمع وتأججت بالندم ....
زفرت يسرا مبتسمة حتى ولو لم ترد ...مربته على كتفه بإستعفاف ...وتركته ...ما كادت تصعد لغرفتها حتى سمعت سارة تصرخ ....
فاسرعت لغرفتها بينما لحقت بهما إسراء ...
وجدت سارة مؤيد يخرج لها من خزانة ملابسها حاملا باقة ورود حمراء كبيرة وعلبة مخملية حمراء :
-" سرعتنى حرام عليك ....إيه هزار الهايم دا ...."
ضحك مؤيد وهو يقترب منها ليشتم رائحتها العاطرة ويستمتع برؤيتها التى حرمته منها ست شهور :
-" حتى فى رومانسيتك شبه الحمير ....انا عملك مفاجأة يا كلب البحر ..."
نظرت لغرفتها فوجدت قلبا كبيرا من البالونات مثبتا على الحائط ...بجواره كلمه " أحبك بالإنجليزية "
كانت مشدوهة ..معجبة ...وأنوثتها تتراقص فرحا ...ولكنه كالعادة لم يتركها تسعد حتى هتف :
-" بحبك يا أغرب كائن دخل حياتى ...طول عمرك شبه الطفطف الأهبل ...لو كنتى صبرتى وسمعتينى ...كنتى وفرتى على نفسك العياط دا كله ...."
نظرت سارة لأسراء فنظرت إسراء بدورها للصقف مدعية البراءة ....ضحك مؤيد هاتفا :
-" سارة أنا بحبك ...بجنونك ...بهبلك ...حتى بقصرك ...والله العظيم بحبك..الفترة الى فاتت كان فى حاجة واحدة بتمناها ..."
ضحكت هامسة برقة :
-" إيه هى ...."
هتف بغباء :
-" عيالى ميطلعوش بهبلك ...."
شهقت بعنف وهى تهتف :
-" غسم الله ...تحب أنشر شراباتك قدامهم هااااه هااااه .."
كتم فمها وهو يهتف :
-" إسترى عليا ما يفضحك ربنا ...."
تذكرت شيئا فرفعت حاجبها ....هامسة بسخط :
-" ورؤى الباردة ...أنت مش خطبتها ..."
ضحك وهو يفتح العلبة المخملية هاتفا :
-" كان أوشاعة ....عشان تغيرى بس جلدك تخين وأنا عارف ....ألا صيح فين مبادئك ...مش كنتى حالفة متشوفنيش ..."
مجددا إسراء تفضحها مجددا .....هتفت بصراحة :
-" تتحرق فوفا أكتر ما هى محروقة ...ما هو أصل أنا بحبك ..."
-" يتحرق العقل أكتر ما هو محروق ...أنا كمان بموت فيكى !!"
كان الجميع يضحك وسعيد ...ولكنها وحيدة ...ولا تعلم لما تذكرت عمر فى هذه اللحظة تحديدا ....
________________________________
بعدها بإسبوع ....تراجعت سارة عن السفر ....ولكن يسرا لازلت تصر ...تريد التحرر من هذه البلد ...وتحقق طموحها فى بلد أخر ...لم يشهر بمعانتها ...
كان الجميع يوصلها للميناء حيث ستأخذ الباخرة للشام ومن هناك ستأخذ طيارتها ....
رحلة طويلة ولكنها أعجبتها .....
كان الجميع يودعها بالمطار عانقت سارة وهى سعيدة ...فلولا جنونها لم تكن يسرا للتجاوز هذه المحنة ولا أن تجد طريقها بلا إسراء ...
حتى مؤيد شكرها ...أن منحها الأمل مجددا ...ربما ستجد سعادتها فى مكان ما ....
كانت إسراء بين الحين والأخر تنظر لساعتها تنتظر شخصا ما ....كانت تخشى ناقوص الباخرة ....
شخص واحد تمنت يسرا أن تراه ...ولكن ليست كل الأمنيات ..تتحقق ....
دق الناقوص وشرعت يسرا فى التقدم نحو الباخرة .....
صعدت ووضعت حاجيتها لتصعد على السطح تفترش أحد المقاعد ومعها كتاب لتقرأه عن معالم البلد التى ستذهبها ....كانت منهمكة بقرائته وعمر لا يغادر بالها تشتاقه بجنون ....تتمنى رؤيته خاصة بعدما عرفت أن لا ذنب له فيما حدث لوالدها ...وأنه تخلى عن إنتقامه لأجلها هى فقط .....مدت يدها لتأخذ العصير من الطاولة التى تجاورها فوجدت يد تقبض على يدها ...
أزاحت الكتاب لتجده ...إبتسمت ...بصدق ...وهى تهمس بلوعة :
-" عمر ! "
هتف بحزم :
-" أنسة يسرا تتجوزينى ..."
ضحكت يسرا وهى تهتف :
-" تانى يا عمر ...."
-" مهو أنا بحبك ...."
همست بإستفزاز مرح
-" وأنا رنا ...ولا وأنا يسرا ..."
- ضحك وهو يعتدل ليقترب منها ...يتأمل وجهها بوضوح وسعادة :
-" أن شالله تكونى شلومو كوهين ...أنا بحبك ..."
همست بسعادة :
-" وأنا كمان !!"
___________________
وحملت الأمواج الباخرة كما حملتهما قلوبهما للعودة ...وأغلق صندوقنا وإنتهت الحكاية ...حكاية من حكايات صندوق الدنيا .....
أتمنى تكونوا إستمتعوا ..
أنت تقرأ
صندوق الدنيا 💕
Romance#صندوق_الدنيا المقدمة ... صندوق الدنيا ...صندوق صغير يحوى حكايات أغرب من تلك المدعاة ألف ليلة وليلة ...حكايات قلوب نبضت وارواح تعلقت وعقول إستنفرت ..... كانت والدتى تأخذنى لاراه ....فتقحم رأسك بفجوة وتسدل ستار الواقع من خلفك ...لتبحر فى عالم خاص ب...