الفصل الاول

15.2K 254 19
                                    

الفصل الاول
بعض الحكايات تحتاج الى جهد قاسي لسردها وحكايات اخرى تستنفذك كليا وانت تعبر عنها ...
اما حكايتهما فكانت الاثنين ... حكاية مجنونة لا مرسى لها ولا نهاية ... حكاية قد تتصورها في بادئ الامر تشبه قصص الاميرات الخيالية ... لكن ما ان تقترب منها حتى تكتشف العكس ... فتغوص في اعماقها وتتيه بين طياتها وانت تبحث عن نهاية تليق بها ...
تسير بخطوات واثقة بين هذا الجمع الغفير من الناس ... ابتسامة خلابة مرتسمة على شفتيها المطليتين باللون الاحمر ... شعرها الاشقر الطويل منسدل بنعومة على ظهرها ... كل شيء بها كان يضج بالفتنة والاثارة ...
اما فستانها فكان حكاية اخرى .... احمر قصير بالكاد يغطي منتصف فخذيها ... كانت تشبه الاميرات اللاتي يخرجن من قصص الخيال ... ملامحها تجذبك ... عيناها تأسرك ... ابتسامتها تقتلك ... كل شيء بها كان مميز وخلاب ...
كان يقف من بعيد يحمل كأسا من المشروب بيده ويراقبها بتمعن ... عيناه تلاحقها أينما ذهبت ... يراها وهي تطير كعصفورة شقية من مكان الى اخر ... ترحب بهذا وتتحدث مع هذا وتراقص الاخر ... ولانه رجل حينما ينجذب يجتاح قرر الاقتحام ... وضع كأسه على الطاولة واتجه اليها بخطوات ثابته ... كانت تراقص احد الرجال حينما سحبها من يد الرجل دون ان يستأذن حتى ... تنظر اليه بنظرات ذاهلة وهي بالكاد تسيطر على حركاتها التي اضطربت بسبب اقتحامه المفاجئ لها ... تتحول نظراتها من الذهول الى الغضب ... الغضب من تصرفه معها بهذا الشكل ...
" اهدئي ولا تفتعلي اي تصرف غريب فالجميع ينظر إلينا ..."
رسمت ضحكة مفتعله على ثغرها وهي تحرك بصرها يمينا ويسارا قبل ان تعود بانظارها اليه فتختفي ابتسامتها وتقول بنبرة خافتة لكن حادة :
" لماذا اقتحمت رقصتي وأجبرتني على الرقص معك ...؟ بأي حق تفعل هذا ...؟"
تأمل عينيها الناريتين باعجاب واضح قبل ان يهمس لها مقربا وجهه من اذنها :
" لم استطع ان أفوت فرصة الرقص مع حورية مثلك ..."
رفعت بصرها ناحيته لتلتقي عيناها الخضراوتان بزرقة عينيه لتسرح فيهما ... شيء ما جذبها الى تلك العينين اللاتي سحرتها منذ النظرة الاولى ...
حركت رأسها الى الخلف قليلا محاولة الابتعاد عن سحر عينيه الجذابتين ... تحدثت اخيرا بصوت مبحوح حاولت جاهدة ان يخرج منها طبيعيا :
" حتى لو ... هذا لا يعطيك الحق ان تسحبني من يد الرجل بهذه الطريقة ..."
تفحص ملامح وجهها بعينيه مما جعلها ترتبك لا اراديا بسبب نظراته تلك قبل ان يسألها :
" هل يزعجك الرقص معي الى هذه الدرجة ...؟"
لم تعرف بماذا تجيبه فهي تشعر بصراع كبير في داخلها فهي من جهة منجذبة اليه بشده ومن جهة اخرى تكره ما فعله بشدة ... اجابته اخيرا بشيء من المراوغة :
" اذا قلت نعم فهل ستتركني ...؟"
لتجده يميل برأسه مرة اخرى بجانب اذنها ويقول بهمس اشعل نبضات قلبها :
" مستحيل ان أتركك بعد ان وجدتك ..."
ثم عاد برأسه الى الوراء مقابل وجهها متمعنا بملامحها التي طغى عليها الاحمرار من شدة التوتر والخجل ...
هذا الرجل يثير اعصابها وينجح في بعثرة نبضات قلبها بشكل يعجز عن وصفه ...
" ماذا تقول انت ...؟!"
همست بها بخفوت وعدم استيعاب ليرد بثقة اغاضتها :
" اقول بأنني لن أتركك بعد ان وجدتك ..."
صمت لوهلة قبل ان يردف بنبرة متملكة :
" انت لي ... لقد بحثت عنك طويلا ... والان وجدتك ... ولن اتركك ابدا طالما حييت ..."
وقبل ان تفتح فمها كانت الرقصة انتهت لتجده يمسك يدها رافعا اياها نحو فمه ... قبل يدها برقة ثم انسحب من ساحة الرقص واتجه خارج القاعة باكملها ...
ظلت تراقبه وهو يختفي امام عينيها حتى اختفى تماما فعادت الى طاولتها وما زال الذهول مسيطرا عليها قبل ان تسمع والدها يسألها :
" ماذا كان يريد منك ادهم الخولي يا هند ...؟"
ادهم الخولي ... اذا هذا اسمه ... ظل اسمه يتردد داخل عقلها وهي تحاول تذكر اي شيء يخصه او سمعت عنه من قبل لكنها اكتشفت انها لا تعرفه نهائيا ... التفتت ناحية والدها متسائلة :
" من يكون ادهم الخولي ...؟ انا لا اعرفه ولم اسمع عنه من قبل ..."
ليجيبها والدها بتعجب :
" كيف لا تعرفينه يا هند ..؟! انه من اكبر رجال الاعمال في البلاد كما انه شريكي في احدى اهم الصفقات القادمة .."
اذا هو شريك والدها الجديد وهذا يعني انها سوف تلتقيه مرة اخرى ... لا تعرف لماذا شعرت بسعادة خفية من كونه ستراه مرة اخرى ... سعادة اغاضتها فهي لا تريد الانجذاب اليه خصوصا انه يبدو واثقا ومسيطرا بشكل كبير ... افاقت شرودها على صوت والدها يعرفها بأحد ضيوفه فرحبت به واندمجت معه في الحديث متناسية كل ما يتعلق بهذا الرجل الغريب الان على الاقل ...
.......................
جلست اروى بجانب ابنها بعد ان نام اخيرا ... لقد ظل يتألم طويلا ولا يستطيع النوم بسبب ألم قدمه ... خف الالم تدريجيا بعد ان اعطته ادويته والمهدئات لينام اخيرا ... غرست اصابعها في شعره الكثيف وهي تتأمله بحب ... مصطفى كل شيء بالنسبة لها ... هو كل ما تبقى لديها في هذه الدنيا ... لقد فقدت جميع من حولها ولم يعد لديها احد سواه ... لا تعرف لماذا تذكرت أيمن ... ورغما عنها ابتسمت بمرارة فهي لا تستطيع ان تعتبره شخصا قريبا منها ... بل هو ابعد ما يكون عنها ... ورغما عن كل هذا فهي لا تلومه ... بل احيانا كثيرة تشعر بالشفقة من اجله واحيانا الاحراج ... يكفي انها دخلت حياته باسوء طريقة ممكنة وباتت مسؤولة منه ... وكأنه يتحمل ذنب ما حدث بالرغم من كونه لا ذنب له في كل ما حدث ... عادت بانظارها ناحية ابنها واخذت تسير باناملها على وجنته قبل ان تنحني ناحيته وتطبع قبلة خفيفة عليها ثم تنهض من مكانها وتغلق الضوء وتخرج من غرفته ...
اتجهت الى الصالة الجلوس لتجد أيمن هناك والذي سألها ما ان شعر بوجودها :
" كيف اصبح الان ...؟"
اجابته أروى :
" احسن بقليل ...."
" ليكن الله في عونه ... ألم كسر العظام لا يحتمل ..."
قالها بألم على صغيره لترد اروى بحزن هي الاخرى :
" معك حق ..."
ثم اردفت بإمتنان :
" اشكرك كثيرا على ما فعلته يا أيمن ... لقد تعبت مع مصطفى كثيرا ..."
تطلع اليها أيمن بنظرات مستغربة فكانت تلك المرة الاولى التي تتحدث اروى معه وتشكره على هذا النحو فهي دائما صامته لا تتحدث او تقول اي شيء ...
رد عليها اخيرا :
" لا داعي للشكر يا اروى ... مصطفى ابني ... وانا والده ويجب ان اتحمل كل شيء يخصه ... "
كم هو رجل شهم واصيل ...؟ هذا اول ما فكرت به أروى ... فأي رجل يتحمل كل هذه المشقات من اجل طفل ليس من صلبه ... لقد كان أيمن خير أب بعثه الله لمصطفى ليعوضه عن والده الذي فقده منذ عدة سنوات ...
نهضت أروى من مكانها وقالت متسائلة :
" هل تريد مني شيء قبل ان أنام ...؟"
هز أيمن رأسه نفيا مجيبا اياها :
" كلا ... تصبحين على خير ..."
فتجيبه :
" وانت من اهل الخير ..."
ثم تغادر الى غرفتها وتتدثر في فراشها تفكر به كالعادة وبتصرفاته التي تزيدها اعجابا به ... وكأنه يصر على تعذيبها وتعذيب قلبها الذي يغرق في هواه كل يوم اكثر ...
...................
صباح اليوم التالي
في احدى الجامعات الخاصة
بخطوات متعجلة كانت تسير متجهة الى قاعة محاضراتها ... لقد بدأت المحاضرة بالتأكيد ... لعنت السائق الذي تأخر عليها وبسببه تأخرت على اول محاضرة لها ... نظرت الى الساعة في يدها وهي ما زالت تسير لتجد ان الوقت قد تأخر كثيرا ويبدو ان الاستاذ لن يسمح لها بحضور محاضرته ...
تصنمت في مكانها للحظة وقد جذبها المنظر الماثل امامها على بعد مسافة صغيرة عنها ... تجمعت الدموع داخل مقلتيها البنيتين ... نار حارقة تسربت الى قلبها ... لا تصدق ما تراه عينيها ... وفي لحظات قليلة كانت تركض والدموع تنساب بغزارة من عينيها ... وصلت اخيرا الى كافيتريا الجامعة فجلست في ركن منعزل واخذت تبكي بصمت ... ظلت على هذا الحال لفترة ليست قصيرة حتى رن هاتفها ... حملت الهاتف لتجد اسم صديقتها يظهر بوضوح على الشاشة ... مسحت دموعها باناملها وابتلعت ريقها قبل ان ترد عليها فتسألها صديقتها عن مكان وجودها لتخبرها به ... لحظات قليلة وكانت صديقتها امامها لتشهق بقوة ما ان رأت وجهها المحمر من شدة البكاء لتنهار باكية مرة ثانية بين احضانها ...
ظلت صديقتها تهدئها حتى فاض بها الكيل من استمرارها في البكاء لتصرخ بها بضيق :
" توقفي يا فرح واخبريني ماذا حدث ..."
بالكاد استطاعت فرح التوقف عن بكاءها والسيطرة على شهقاتها ... اجابتها اخيرا بعد طول انتظار :
" علي ..."
تأففت صديقتها بضيق من سيرة علي التي تكرهها وبشدة ... سألتها بنفاذ صبر من اجوبتها المبهمة :
" ما به السيد علي ...؟"
فتجيبها فرح بدموع لاهبة :
" رأيته وهو يقبل فتاة من شفتيها ..."
" وهذا ما يجعلين تبكين هكذا ... ؟!"
قالتها بسخرية ضايقتها فهتفت بها بنرفزة :
" انت تعلمين أنني احبه ..."
قاطعتها صديقتها بسرعة :
" وهو لا يحبك ولا يراك من الاساس ..."
رمتها فرح بنظرات معاتبة لتهتف صديقتها بها :
" لا تنظري الي هكذا ...اعلم بأن كلامي قاسي لكنه حقيقي ... انت تبكين من اجل شخص لا يراك ... وفوق هذا كله شخص سافل وحقير لا يستحق دموعك ..."
" لكنني احبه ..."
هتفت بها فرح بنبرة حزينة ضائعة لترد عليها صديقتها :
" انت لا تحبينه ... انت فقط معجبة بها ... اخبرتك بهذا مرارا ..."
تطلعت اليها فرح بنظرات محتارة واخذت تتسائل داخل نفسها ان كانت تحبه بحق أم معجبة به فقط ... هي لم تجرب الحب من قبل ... لكنها تشعر بأنها تحبه ... تشعر بأنها عاشقة له ... هل يمكن ان يكون شعورها هذا خاطئ ...؟ تمنت بحق ان يكون شعورها نحوه لا يتعدى الاعجاب ... فهو شاب عابث للغاية وذو علاقات نسائية متعددة ...
في هذه الاثناء دلف علي الى الكافيتريا وهو يجر وراءه احدى الفتيات فقالت صديقتها بقرف :
" ها قد جاء جميل عصره وزمانه ...."
تطلعت اليه فرح بنظرات متحسرة بينما سألتها صديقتها :
" هل تلك الفتاة هي نفسها التي قبلها منذ قليل ....؟"
هزت فرح رأسها نافية لتردف صديقتها بسخرية :
" انه لا يفوت فرصة ابدا ... كل يوم تجدينه مع فتاة جديدة ..."
صمتت فرح ولم تعقب على حديثها بينما اكملت صديقتها وهي تنهض من مكانها :
" المحاضرة الثانية سوف تبدأ بعد قليل... هيا انهضي لكي لا نتأخر عليها ..."
نهضت فرح واتجهت معها الى قاعة المحاضرات وقد قررت ان تتناسى موضوع علي الان على الاقل ...
.......................
" حامل ...."
رددها ادهم بذهول بينما يجلس مؤيد على الكنبة المقابلة له بوهن وهو يؤكد ما قاله :
" نعم حامل ...."
انقض ادهم عليه قابضا على قميصه بكف يده قائلا بنبرة تشع غضبا :
" أيها الغبي ... كيف تفعل شيء كهذا ...؟ كم مرة علي أن اخبرك ألا تجعل قذاراتك تتدخل في عملنا ...؟"
دفعه مؤيد بعيدا عنه وقال بعصبية :
" لا تتحدث معي بهذا الشكل يا ادهم ... كوني ابن عمك هذا لا يعطيك الحق ان تتحدث معي هكذا ..."
رد ادهم عليه بانفعال :
" يبدو انك غير واعي لما فعلته ... هل تعرف من تكون تلك الفتاة الحامل منك ...؟ انها ابنة فادي صفوان ... هل تعرف من هو فادي صفوان وماذا سيفعل اذا عرف بهذا ....؟"
صمت مؤيد ولم يعرف بماذا يجيب ... هو مدرك لمدى الخطأ الذي ارتكبه ... لم يكن عليه ان يدخل في علاقة مع ابنة فادي صفوان ... فادي صفوان احد اهم رجال الاعمال في البلاد واكثرهم نفوذا ...
جلس ادهم بجانبه على الكنبة واخرج سيجارته من جيبه وبدأ يدخنها بينما مؤيد يلتزم الصمت ولا يقول شيئا ...
استمر الصمت بينهما لفترة طويلة قطعه ادهم اخيرا وهو يقول بحزم :
" هذا الموضوع يجب ان نحله الان ... حالا ..."
" نحله...! كيف ...؟!"
تسائل مؤيد بعدم استيعاب ليجيبه ادهم وهو ينفث دخان سيجارته :
" سوف تتزوجها ...وفي اقرب وقت ممكن ..."
" ماذا ...؟!"
صرخ بها مؤيد وهو ينتفض من مكانه غير مصدقا لما يقوله ادهم ...
" هل جننت يا ادهم ... تريد مني ان اتزوج بتلك العاهرة التي تنام كل ليلة في حضن رجل جديد ..."
نهض ادهم هو الاخر من مكانه ليقف مقابلا له ويقول بنبرة جادة :
" انت تعرف من هو فادي صفوان وماذا بامكانه ان يفعل ... سوف يهد الدنيا فوق رؤوسنا اذا علم بهذا ... لهذا فكر جيدا فيما قلته ... واذا لم توافق على ما قلته فحينها لن اتدخل في اي شيء يحدث معك ... سوف تتحمل انت نتيجة خطأك لوحدك ..."
" هل تتخلى عني بهذه السهولة يا ادهم ...؟"
اجابه ادهم بحسم :
" هذا كل ما لدي وانت حر في قرارك ..."
خرج ادهم بعدها من المكتب تاركا مؤيد ذاهلا لا يصدق ما سمعه ... ادهم ابن عمه وصديقه يتخلى عنه بهذه السهولة ...

ولها في جحيمه حياة ( سلسلة شياطين العشق )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن