6

213 25 0
                                    


#مغامرة
#الجزء_الرابع


و استمرت الأيام و الأسابيع تتتابع و تتلاحق، و بيداء لا تكاد تجد حيلة تكسب بها فؤاد إلى جانبها؛ فهي كلما حدثته عن الدين، جابهها بالسخرية تارة و بالنفور تارة أخرى. و هي مهما هيأت له من أسباب الراحة و السعادة في البيت، وجدته يتوق إلى الخارج أكثر فأكثر. و في ليلة من الليالي، وقد أعياها السهر و الانتظار، عاد إليها، فوجدته منفتح الصدر منبسط الوجه؛ فحسبت أن الفرصة مواتيه لها لكي تتحدث معه بما تريد؛ فقالت في نغمة حاولت أن تكون هادئة و ناعمة:
هل تعلم كم أتألم يا فؤاد ؟
فأبدى فؤاد شيئاً من الدهشة و قال :

أنت تتألمين؟! و لماذا؟ ألم أهيىء لك جميع أسباب الراحة؟
قالت :
نعم، إنني أعترف أنك قد هيأت لي جميع أسباب الراحة. و لكن المهم هو السعادة، يا فؤاد. فلا راحة بدون سعادة.
قال :
و كيف؟ أو لست سعيدة يا بيداء؟
قالت :
كيف أكون سعيدة، و أنا أجدك بعيداً عني يا فؤاد؟ نعم، بعيداً عني في فكرك و قلبك و جسمك.
قال :
أمّا فكري فهو بعيد عن فكرك، و أنا أعترف بذلك. و أما جسمي فهو يتبعد عنك البعد الفكري، و هذا أمر طبيعي. و أما قلبي فهو يحبك يا بيداء، ولهذا اعترض على هذا القسم من كلامك، يا عزيزتي.

قالت :
و لكن الحب يقتضي إرضاء المحبوب. و أنت تعلم أنني غير مرتاحة من وضعك يا فؤاد.
قال في دهشة:
غير مرتاحة من وضعي؟ هل أسأت إليك في شيء؟
قالت :
كلا، أنت لم تسىء إلي إساءة مباشرة؛ و لكنك تسيء إلى الفكرة التي أُؤمن بها، و التي عاهدتني على احترامها في البداية. و بعبارة أصرح: إنك لا تلتزم بالدين بالشكل الذي يشدك إليّ يا فؤاد.
قال :
إنني لا أستطيع أن أُغير من وضعي شيئاً، يا بيداء. فهل من المعقول أن أُقاطع أصدقاء العمر؟ أم هل من المعقول أن أعتزل الحياة الاجتماعية و أنطوي مغلقاً خلف هذه الجدران؟ هل من المعقول أن أصلي الظهر في المسجد و أصلي المغرب في الجامع لأن زوجتي تريد ذلك؟ إن العبادة ينبغي أن تكون بدافع من إيمان شخصي؛ أما أن أعبد الله لأنك أنت تريدين ذلك فإن هذا ليس سوى نفاق و خداع ، إنني رجل مستقيم، مخلص في عملي، أمين على حقوق الأخرين، و في علاقاتي مع أصدقائي؛ فماذا تريدين أكثر من هذا يا عزيزتي؟

كانت بيداء تستمع و فؤادها يغور إلى الأعماق، فردت عليه قائلة في شبه توسل:
و أنا؟ أين يكون مكاني من كل هذا؟
قال :
أنتِ؟ أنت زوجتي الحبيبة التي لا أُقدم أحداً عليك أبداً. فتعالي إليّ لتعرفي أية سعادة سوف أُذيقك إياها يا بيداء.
قالت :
ماذا تعني من تعالي ؟
قال :
أعني أن تتركي هذه الفكرة المعقدة التي تحجب عنك أنوار الحياة، و تقبلي علي بروحك و قلبك و فكرك جميعاً، لكي أُعرّفك معنى الحياة التي ما زلتِ تجهلينها؛ و مع كل الأسف، إنك الآن على مفترق طريقين، يا بيداء: إما أن تعطيني يدك لآخذك معي إلى دنيا السعادة و الهناء، و إما تبقي سجينة دارك قانعة بما تجدين.
قالت :
و ليس هناك شق ثالث يا فؤاد؟
فسكت لحظة ثم قال :
نعم، و هو أن نفترق. و إن عز علي ذلك، و لكنه، مع رفضك للشق الأول، أهون الشرين.
…. فأطرقت بيداء و هي تود لو تصرخ، لو تبكي، لو تهرب من هذا البيت، و لكن لم يكن في وسعها أن تعمل شيئاً سوى الإطراق.



#يتبع

تراث ~ بنت الهدىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن