سار موسى بقومه في اتجاه البيت المقدس. أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها. وها قد جاء امتحانهم الأخير. بعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق. جاء دورهم ليحاربوا -بوصفهم مؤمنين- قوما من عبدة الأصنام.
رفض قوم موسى دخول الأراضي المقدسة. وحدثهم موسى عن نعمة الله عليهم. كيف جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون، وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ.
وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال. قالوا: إن فيها قوما جبارين، ولن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها هؤلاء.
وانضم لموسى وهارون اثنان من القوم. تقول كتب القدماء إنهم خرجوا في ستمائة ألف. لم يجد موسى من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال. وراح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم بدخول الأرض والقتال. قالا: إن مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر. ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم.
مرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم. فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا. وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا على نبي الله موسى وربه. وقال قوم موسى له كلمتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) هكذا بصراحة وبلا التواء.
أدرك موسى أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء. مات الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة. عاد موسى إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه. دعا موسى على قومه أن يفرق الله بينه وبينهم.
وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل. كان الحكم هو التيه أربعين عاما. حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة. ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها أن يقاتل وأن ينتصر.