ذكر القرآن الكريم قصة لقاء سيدنا موسى عليه السلام بالخضر، حيث قال تعالى في سورة الكهف:( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا).
الخضر اختلف العلماء في صفته وهويته، فيقول البعض أنه نبي، ويقول آخرون أنه رجل من الصالحين، وقيل أنه من قال لسليمان عليه السلام (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ ...)، وقيل أنه حي ولم يمت حتى الآن، وقد قيل أن الخضر ظهر في عهد علي بن أبي طالب وعهد عمر بن عبد العزيز، وقد نسبه العلماء لآدم عليه السلام كما ذكر ابن كثير، وقيل أنه قابيل بن آدم عليه السلام، وقيل أيضا أنه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام .
أما عن سبب تسميته بالخضر، فقد سمي باسم الخضر، لأنه كما روى أبو هريرة لأنه كان يجلس على فروة بيضاء اللون، فإذا اهتزت أصبحت خضراء اللون، ولقد اختلف العلماء في أمر نبوته، فالبعض يؤكد نبوته من خلال قوله الذي قاله لموسى عليه السلام حين قال: (مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا).
أما عن قصته مع سيدنا موسى عليه السلام، فالقصة تبدأ عندما وقف سيدنا موسي عليه السلام يخطب في بني إسرائيل، فسأل من أعلم الناس؟، فرد موسى عليه السلام بسرعة ودون تفكير أنا، فعاتبه الله عز وجل، لأنه لم يرد العلم لله عز وجل، فأوحى له الله أن هناك رجل عند مجمع البحرين هو أعلم الناس.
فسأل موسى الله عز وجل كيف أعرف أنه هو؟، قال له خذ سمكة، وذهب مع فتاه يوشع بن نون عليه السلام، فوصلا لصخرة فناما، وتحركت السمكة ثم سقطت بالبحر، ولما استيقظا من نومهما، سأل موسى عليه السلام عن السمكة فقال له يوشع: (أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا)، فَقَالَ موسى عليه السلام:(ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا).
ورجع موسى ويوشع للمكان الذي كانا ينامان فيه فوجدا رجل جالس، فحياه موسى وطلب منه أن يعلمه، فقال له الخضر (لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا)، فقال له موسى:( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَك أَمْرًا)، فقال الخضر لا تسألني عن شئ حتى أحدثك أنا عنه، فوافق سيدنا موسى على أمره.
فمشيا حتى ركبا سفينة، فخلع الخضر ألواح هذه السفينة، فقال له سيدنا موسى أتريد أن تغرق السفينة ومن فيها، فذكره الخضر بأن لا يسأل حتى يحدثه هو عن الأمر، فاعتذر سيدنا موسى عليه السلام.
وأكمل الخضر وموسى طريقهما فقام الخضر بقتل صبي صغير، فقال سيدنا موسى قتلت صبي و قطعت رأسه بيديك ماذنب هذا الصبي؟، فقال الخضر:(أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا)، فاعتذر سيدنا موسى مرة أخرى من الخضر لسؤاله.
ووصلا لقرية رفض أهلها إطعامهما وقام الخضر بترميم جدار متهدم في القرية، فقال موسى يجب أن تأخذ أجر على ترميم الجدار، فقال الخضر:( هَذَا فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك سَأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا).
فشرح الخضر لسيدنا موسى لماذا أغرق السفينة فهو فعل ذلك لأنه هناك ملك ظالم يأخذ كل سفينة بالغصب من أصحابها، وقتل الغلام لكي يبدل الله الأب والأم ولد صالح رحيم بار، لأن الولد الذي قتل كان سيتعب والداه بطغيانه وعقوقه، أما الجدار فكان مدفون تحته كنز يمتلكه طفلين يتيمين أبوهما رجل صالح مؤمن، فأراد الله أن يكبرا حتى يصلا لهذا الكنز.
وبهذا انتهت الصحبة بين سيدنا موسى عليه السلام والخضر، ورحل كلا في طريقه، فتعلم سيدنا موسى عليه السلام دروس لم يكن يعرفها ، لكن سيدنا موسى عليه السلام لم يصبر ليعرف أكثر، فقد قال صل الله عليه وسلم وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصّ اللَّه عَلَيْنَا مِنْ خَبَرهمَا.