الفصل 1

1K 53 21
                                    

تتلاعب اﻷفواه باﻷساطير حتى تجردها من كل حقيقتها.
هكذا كانت اﻷفواه في قرية سانشين، تعيش على بقايا أساطير قد هدمها الزمن.

نعيش على تل صغير أسفل جبل أبولو. تقول العجوز سيمون -وهي عجوز شمطاء يدعي الجميع إلمامها بأمور السحر والشعوذة- أن أبولو عزف على قيثارته لحنا أخيرا لحبيبته دافني في قمة الجبل، قبل أن يحولها والدها إلى شجرة غار.
ما كنت أعرف إطلاقا سبب تسميتهم الجبل باسم أبولو، لكن أي فرد من عشيرة آل ثيودور يستطيع رؤية معبده شامخا في قمته.

لم أملك نظرة محددة بشأن الخرافات التي تلفظها سيمون، لكنني واثقة من أنها تصنع في نفسي أفكارا غريبة.إنني أحب فقط أن أسمع منها الحكايات وهي تلفظ عباراتها الغامضة على أضواء شموع قليلة. أحب مراقبة شفتيها المتقشفتين ورداءها المهترئ -الذي لا تغيره إلا نادرا،عينيها البنيتين اللتين تقصان عشرات القصص،في صمت جارف يتناولني أنا وهي والمساحة الشاسعة التي تحتوي كلانا.

قالت ذات مرة وهي تحتسي شايا بأعشاب غريبة: "قدرنا ينبعث من أعماقنا، نحن نسير بلا إدراك، نسمع بلا وعي ونعيش حياة غريبة تماما عنا. كنت أود لو أصبح ملكة، ولكن أنى لامرأة منفية مثلي أن تعيش كملكة!"

وراحت بعدها تهلوس وتغمغم بما لم أفهمه، قبل أن تأمرني في حدة مبالغة بالخروج من كوخها الحقير.

لقرية سانشين تاريخ من المجد الذي لا يتوقف، أساطير اﻵلهة، خرافات الجن، وشعوذة الساحرات اللائي لا يحصى عددهن..إلى جانب المخلوقات غريبة الخلقة التي كانت تعيش في الجبل، والتي بسببها نحن اﻵن ممنوعون من تجاوز حدود القرية. كنا نرى في القمة نارا كثيفة لا يطفئها إلا المطر، يقول العجزة أن الجن تسكن قمم الجبال، بينما يهتف الرجال اﻷصغر عمرا بأنهم صيادون مرتحلون يضرمون النيران أثناء رحلات استكشافهم. ولم أكن أثق إلا في سيمون، التي تقول: "إنه مخلوق ويفرن يشبه التنين،ضاع من سربه قبل عشرات السنوات فاتخذ الجبل مسكنا له!!". وما التنين؟! وما هو الويفرن؟! إنني لا أعرف، كل ما أعرفه هو أن الجبل مكان تسكنه مخلوقات ليست من عالمنا، ربما تكون جنا وربما مخلوقات غريبة.

آل ثيودور -وهم الحكام، ينحدرون من سلالة نقية من أصحاب الدماء الزرقاء. لعلها مجرد إشاعة اختلقوها بعد أن جاسوا فردا فردا في تجارة القرية، وشيدوا بيوتا ضخمة باسم السلطة. لكننا صدقناها وأولينا الحك لهم، فلا أحد يريده عدا السيد الكبير ثيودور الذي بخع له الرجال أعظمهم.
سببوا المشاكل التجارية مع قبائل من الشرق، وأخرى من الجنوب حتى انتهكوا القرية وعزلتها وجردوها من عزتها وبصموا بصمة قبيحة على تاريخها. هذا قبل أن أولد بسنين، وقبل أن تظهر صرختي ضمن صرخات الحياة الكثيرة.

لا، ولم أكن أعتقد يوما أني سأكن حقدا دفينا ﻵل ثيودور إلا حين جاء اﻷمر من القائد بأن يخلي الناس أكواخهم الهادئة ليدشن في مكانها قلعته،وقريته الجديدي، لينفي معظم اﻵخرين إلى الوهاد، حيث الصقيع الشديد في الشتاء، والحرارة الخانقة في الصيف.

جبل أبولوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن