الرابع.

75 8 50
                                    

- رانيا!

ناداها «هشام» بهدوء فور أن لحق بها خارج المقهى، لتلتفت وتكتّف يديها في ملل إستعدادًا لسماعِ ما عنده.

- أرجوكِ توقّفي عن إلقاء الألغاز والجمل ذات المفردات الصعبة فوق رأسي! وضِّحي لي الأمر لأنني في قمة بعثرتي الآن..!

طالَعها آمِلًا، فتنهّدت قبل أن تقول:

- لا ألغاز فيما قُلت، أنا لا أؤمن بالحب والمشاعر وتلك العواطف يا هشام.. هذا كل ما في الأمر!

كاد أن يتحدّث لكنها سبقته وقالت مُستهزئة:

- وبالتأكيد سيخطر ببالك أنني مررت بتجربة فاشلة، أو أنني معقدة، وأستحق أن أخوض التجربة معك لعلّك تختلف عن غيرك من الرجال وهذا الكلام المقيت.. كلا، أنت مُخطئ لأن الأمر ليس على هذا النحو.

يقِفُ أمامها بعينين واسعتين، وفمٍ مفتوحٍ جزئيًّا ويده تحكّ فروة رأسه في حيرة شديدة من أمرها.

أفرج عن أسئلته دفعةً واحدة:

- ماذا عن تلك الإبتسامة في الداخل؟ وماذا عن مسابقة الغزل؟ كيف تقولين هذا الكلام إن كنتِ غير مؤمنة بالحب؟!

إبتسمَت مُجددًا وأردفت:

- لم أبتسِم إعجابًا بكلامك بل تعجّبًا منه، لأنه لازال يُقال بالطريقة نفسها، وبالجديّة والسذاجة ذاتها.. لا يتقدم تفكيرنا أبدًا!

عقّب بضمّه لحاجبيه معًا في تزمُّت، وهي تنهّدت قبل أن تستأنِف:

- وأما عن مسابقة الغزل فهو مجرّد كلام لا دخل له بمعتقداتي وإيماني..

- تمهّلي رجاءً..

تمتم يُجمّع شتات أفكاره، ثم سألها:

- إذا كنتِ لا تؤمنين بالحب، بِمَ تؤمنين يا ترى؟

- أؤمِنُ بإعمالِ العقل الذي إلتهمهُ الغُبار وصدأ في معظم أدمغة البشر!

أجابتهُ مُبتسِمة، فسألها مَصدومًا:

- كيف لعقلكِ أن يحلّ محلّ قلبكِ بهذه البساطة؟

فعادت تبتسم قائلة:

- تبدو مُصِرًّا على فِهم معتقداتي!

فسُرعان ما ردّ مُتّبِعًا إسلوبها:

- ليس إعجابًا بها، بل تعجُّبًا منها.

- إذًا..

بدأت تسير فسارَ بجوارها مُخبّئًا يديه في جيبيه، مُستعدًّا لسماع المزيد من أفكارها الغريبة.

- لتهتدي للتفكير السليم عليك تتبُّع المُسبِّبات.. ف-

قاطعها بسؤاله الساخر:

- وأنتِ إفترضتِ أنكِ إهتديتِ للتفكير السليم؟

رمقتهُ بحنق قائلة:

قلب لا ينبض.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن