لا تحُدّه جدران غرفتك، لا الحدود الجغرافية للبُلدان ولا الغِلاف الجويّ الذي يُحيط الكوكب الأرضيّ. فالخيالُ أوسع من كل ذلك، هو فضاء لا بداية ولا نهاية له، لا تحكُمه قوانين فيزيائية ولا معادلات رياضية. هو مِساحتُك الذهنية لخلق ما تشاء من أشخاص وأحداث تُرضي عقلك وتُبعِدُه عن العالم الماديّ.ومِنه وُلِد «الأدب السرياليّ»، أي Surreal بمعنى ”الغير حقيقي“ّ الذي لا وجود له إلا في مُخيّلة الكاتب والقارئ. يسرِد قصصا عن مخلوقات ذات قِوى سحرية ومواقِف تُنافي الواقِع.
هذا الأدب الأزليّ رافق البشر منذ ما قبل التاريخ فنجد «ملحمة جلجاميش» السومريّة، أقدم كتاب تم نشره وقد كُتِب على الألواح الطينية باللغة الأكادية بالخط المسماريّ. تحكي الأبيات الشعريّة قصة ”جلجاميش“، ملك الأورك، ابن إلهة وبشريّ فانٍ؛ ومغامراته مع كائنات خيالية كـ ”أنكيدو“ الرجل البريّ المخلوقِ من طين و”خومبابا“ حارِس غابة الأرز التي يقطُنها الآلهة.
لاحقا تم تأكيد أوجه شبه بين هذه الملحمة والكتاب المقدّس العبريّ.من حضارة الرافدين إلى الحضارة الإغريقية وإلى أقدم آدابها، «الأوديسة» و«الإلياذة» للشاعر الكفيف هوميروس. هاتان القصيدتان تنقُلان حكايات أبطال إغريقيين أمثال ”أجاممنون“ وحِصاره لطروادة و”أوديسيوس“ ومعاناته مع سخط إله البحر بوسيدون.
ولدى الحضارة الرومانيّة نجد «الإنياذة» للشاعر فرجيل التي تحكي عن ”أينياس“ الطرواديّ ورحلته لاستعادة مجد شعبه.عُرِف عن الإغريق وكذلك الرومان تعدد أساطيرهم وآلهتهم، كانت تلك طريقتهم في تفسير الكوارِث الطبيعية، خلقِ مغزى للحياة وشرح كيفية نشأة الكون. فنجد قصة ”بروميثيوس“، ابن بشرية وعملاق، أحبّ البشريين وصارع لحمايتهم من بطش الآلهة وسرق من أجلِهم ‹النار› من ”زيوس“. كما أنه قاتِل ”ميدوسا“ الفاتنة ذات الخصلات الزاحِفة التي تُحوّل من ينظر إليها إلى صخر وكذلك الـ ”كراكِن“ الوحش البحريّ متعدد المِجسّات.
تمّ إخراجُ فيلم عن مُغامراتِه بعنوان «Wrath Of The Titans» أي «غضب العمالقة».نجد أيضا أسطورة «سقوط إكاروس»، تحكي عن ”إكاروس“ ابن الفنان والمخترع ”دايدالوس“ الذي بنى «المتاهة» أسفل قصر الملك ”مينوس“ أين عاش ”المينوتور“. بعد احتجاز والِده، قام ”إكاروس“ بصنع جناحين من الريش والشمع وحلّق بِهما عاليا في السماء، إلا أنه اقترب كثيرا من الشمس فذاب جناحاه ليقع في البحر ويغرق.
وقصة ”أبولو“، الإله الوحيد الذي يظهر لدى الرومانيين والإغريقيين معا والذي كان واقعا في حُب ”كاساندرا“ ابنة الملك ”پريام“ حاكِم طروادة. وعد ”أبولو“ حبيبته بمنحِها القدرة على التنبؤ شرط أن تعقِد القِران معه، لكنها بعد أن حصلت على مُبتغاها رفضت البقاء معه ما دفعه إلى أن يشتعِل ويقوم بلعنِها حتى لا يُصدّقها أي شخص كان. نتيجة ذلك، صار شعب طروادة يدعون أجمل جميلاتِهم ”كاساندرا“ بالكاذبة والمرأة المجنونة فحجزَها والِدُها رغم تحذيراتها له من غزو الإغريق.
وبهذا كانت قِصة ”أبولو“ و”كاساندرا“ سببا في سقوط طروادة.