الجزئية الأولى

1K 71 67
                                    


جالست من أحبتها نفسي أستمع لحديثها، فرأيت بقرابها قوة اهتز لها قلبي،  فسبحت روحي في جرم لا وسع له و لا مدى .

-

بخطوات متماثلة قد شقتا طريقهما داخل أساور القاعة العالية تلك التي حوت عدة أشخاص من مناصب متفاوتة، الأضواء كانت خاطفة و السماء المهلَكة قد أنيرت بسطوعها ليلتها، و فوق ذاك البلاط القرمزي الذي رسم بجبروته الملتوي خطواتهما تلك التي لم تتشبع سوى بغرور يدنس قدسيتهما، هما اقتحما ضجيج الحفلة بهدوئهما، و هي بجانب صديقتها تلك التي ما فتئت تتبختر في مشيتها كلما تقدموا أكثر، قد كانت تلتوي خجلاً من الأنظار المسلطة عليها و إن كانت صديقتها تموت فخراً لما يحيط بهما إلا أنها كانت تراه إثما يدنس براعة الرب في تجسيدها، ليست معتادة على ما تراه من اهتمام حولها كما هم غيروا معتادون على تلك الملامح التي ببراعة الرب قد أهلكت روح افروديت في قدسيتها ترى هي جمالها ورث من جنيات والدها و هم يرونها آلهة الاغريق في حضورها، و بأعين مشتتة جرأ ما تلقاه حبة التوت كما أسماها هو. هي كانت تبحث بشغف عمن دعاها لحفلة كهذه و جعلها تتزين بحلة كتلك التي قامت بها.

صديقتها كذلك كانت تعبث حولها لما تراه من خجل باد على ملامح حلوة الملامح بجانبها تمسك بمعصمها كحركة خاطفة و اذا بها تأخدها بعيداً عن الأنظار و إن كانت كلها تحوم حولها، شعر كستنائي بارز من بعده و ملامح صارخة لما خط عليها من حُرم ما كان سوى دليلٍ على ما تحتويه من قدسية في تقاسيمها و الذي زاد من بروزها في كل تعبير يتجسد عليها بفخر طاغ لكل أحرف الغزل الذي يرمى عليها.

و ها هي قد اتخدت الطابق الأعلى من الفندق ملجأ لها، تمسك بيد صديقتها بينما خاصتها ترتعش كما لو لم تفعل من قبل تحدق بها  بنظرات مشوشة.

- أوجب علي محادثته ؟
تساءلت بيل تنتظر بشغف نصيحة صديقتها و إن كانت على دراية بماهية قولها.

- و لما حضورنا هذا، إن لم تحادثيه إذاً ؟
صديقتها صاحت بنوع من الغضب الطفيف الذي سكن صوتها ذو الرنة الخاصة.

و قد وافقتها لأولى مراتها بحديثها عن بروفيسورها حلو الأجرام ذاك تمسك بأصابعها بخفة و تضغط عليهما بنوع من القوة التي ما تمثلت في أذية صاحبتها يوماً، تراه هي بعيد المنال عنها و إن كان قريبا كفاية لقلبها، كانت طالبته بينما هو أستاذها الذي ما فتئ يعامل من حوله بلطف حتى ينقلب عليها بسوء لا تدري ما ذنبها به، علاقة محرمة هي التي كانت قد تجمعهم يوما و هي ما ودت السوء به  و إن أخد الحب حيزاً منه في قلبها، قد تروي عطشها بعيدا عنه و ذاك كان كفايتها. تميزت بكونها الطالبة الأولى دائما في محاضراته لكنها ما رأت من تميزها ذاك سوى ما يُميِّز غيرَها عنها، فكانت هي كالجرثومة الملتصقة و إن حادثته مرة في الشهر بهدف شريف لا يمس بما في داخله من سوء قط.

كانت تسمع الأحاديث الملتوية عنه في الأروقة، يهذون بكيف أنه عصبي و طاغي في حضوره و حلو اللسان مع من تروق له من النساء حوله، ألجمتها نار الغيرة يوما فما رأت منها سوى ما يحرق روحها و يذهب عقلها فتتهور بما لا يرضي دواخلها و لا أجرام النجوم التي ما فتئت تنطفئ في كل مرة تغوص عميقاً في ما لا يزيد سوؤه عن طهرها، كان سيئا بحقها و هي من لا سوء قد مسها في يوم.

لكن كما لو أن دعوات قلبها قد سمعت و رحمة السماء السابعة قد أنارت طريقها فترى البروفيسور بذاته التي تثاقلت أنفاس العالم أجمع في حضورها يتقدم نحوها، يهمس بكلمات مطموسة عقد بها لسانه حائرا، ربما قد ناب عن لفظها العين و العين أفصح لافظ لما قد يخالج الروح و هي أدرى، و في حضوره ذاك هو لف خصلات شعرها يومها التي تناثرت على كتفيها بإهمال يقرب ذاته منها دون أدنى حياء لحرمة الفتاة التي أرهقت أنفاسها و يُدلي بكلماته المتقطعة تلك على مسمعيها بلفظ يدمي القلوب و يخضع النفوس لما حوت عليه من هدوء يسكن الأرواح في حضرة الباعث بها ..

- مدعوة تحت شرفي ..
كلماته الأخيرة تلك لو قالها غيره لما بدت بذاك الوقع المحبب لقلبها، و لما حل بها ما حل حينها، لبدت تلك الكلمات ميتة من كل شعور قد يحيط بها سوى شهوة لجمالها، لكن بلفظه ذاك هو كان قادراً على إحياء جنازة لموتى القلوب وقتها و هي شاهدة على تدنيس روحها بين يديه في حرم الجامعة ..

و في حين استرجاعها لذكريات ذاك اليوم هي قد وجدت صديقتها تبتسم بإشراق نحوها ..
- مابك ؟
سؤال يتيم أعربت عنه شفتيها باستغراب لابتسامة الفتاة التي تحتسي الشراب بجانبها..

- جمالك بارز بشكل طاغ، أراهن أن البروفيسور زانغ سيتفاخر بحضرتك الليلة،الأنظار تتساقط عليك بيل..
صديقتها كانت تتكلم بفخر كما لو أن جمالها سلعة يتفاخر بها من رافقته، و لكن ذاك بدى حلو الوقع على مسامعها إن كان البروفيسور هو من يمتلكها، فلا شيئة فوق مشيئته حينها.

- تتكلمين عني كما لو أنك أقل منزلة، شعرك القرمزي يسطع أضعافاً إيلين ..
همست بخجل، ليست معتادة على مغازلة صديقتها و إن كانت كلماتها سوى مديح يرميه الأصدقاء بين فينة و أخرى ..

- هو مزيف و الجميع يعلم ...
صديقتها ابتلعت المشروب الذي تحتويه يديها، و قبل أن تجيب على كلامها الذي أزعجها عينيها التقطت ذاك الجسد الذي يقتحم القاعة على غفلة منها ...

فيلجم لسانها و تتعلق نظراتها عليه كما لو أن مغناطيسا قد أحاط به من أجلها، فالرجل الذي يقف على بعد منها كان للكمال عنواناً فهو خاض فيه حتى تشبع الكمال من اكتماله فما وجد لنفسه مكاناً أمامه.
فقد تنازل عن نصف جمال العالم لملامحه التي اتصفت بالحدة المتفاوتة باللطافة الملتصقة بجذور معالمه فتطرد كل سوء قد يعتلي ملامحه بتلك الحفرة الصغيرة التي أخدتها حليفاً لها ضد الحدة التي تفاخرت باحتوائها لأجرامه تلك، فقد صنع من جمال الطبيعة موطناً له و سكن بين الجمال و حرمته كما لو أن القلوب قد تهوى غيره في حضرته، و النصف الآخر قد كان من نصيب تلك الأكتاف التي ما فتئت تعلو بفخر لسيدها حتى تخفض من قبله مبرزا مكامن الجمال في خطواته الثقيلة تلك كما لو أنه لا يسمح لنفسه أن تعلو عليه.

كان هكذا رجل يهوى عظمة النفس و ما بالعظمة بسبيل غيره ..

الحب بين بيل و بروفيسورها قد تغنى برسم بدايته ليلتها، غير شاهدة لتلك الفتاة التي رافقت البروفيسور بين يديه.

-

تحفة فنية - زانغ ييشينغ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن