الفصل الأول

865 25 0
                                    

الفصل الأول
__________
أخبرتني أمي منذ طفولتي أنني بارعة في خطواتي
وأنني خُلقت للرقص وصالة البالية هي منزلي والمسرح هو جزء من روحي وأن الحياة أمامي طريق طويل مُزين بالزهور وأضواء الكاميرا والشهرة ستعطيني المزيد والمزيد ما دامت إبتسامتي مهلكة

عرض آخر قامت به الليلة علي أحد أشهر المسارح الخاصة بالبالية هي بطلة الحكاية وبطلة كل حكاية
لها سحر خاص كما يخبرها العديد من الأصدقاء ، شعبيتها تزداد يومًا بعد يوم ، هي سديم الألفي ابنه رجل الأعمال المشهور ماجد الألفي وحيدته الصغيرة التي امتهنت البالية بعد أن كان مجرد هواية لتتطور الهواية فيما بعد وتصبح هي كل ما يعبر عنها
الليلة لا تختلف كثيرًا عن سابقيها من الليالي فقط إختلاف العرض ،" جيزيل " عرض مميز تدور أحداثه في إطار رومانسي ورثاء ، حيث الحب والألم ، الإشتياق والفراق ، كل معاني الحب متجسدة في عرض واحد ، " جيزيل " رحلة بين الحياة والموت وملحمة تراجيدية تأخذنا بين الواقع والخيال في سيمفونية موسيقية راقصة وأداء حركي بالغ الدقة
حيث الرقي والجمال ، كانت هي " جيزيل " تلك الفتاة التي وقع في حبها الدوق ألبرت والذي يعيش مقابلها متخفيًا تحت اسم مستعار " لويس " بينما هي مجرد خياطة فقيرة ولكنها فاتنة تجذب الأنظار إليها برقتها وتهذيبها ، بعد أن تُنهي عملها تذهب إلي هوايتها المفضلة وهي الرقص ، بالقرب منها يسكن
" هانز " وهو يحبها أيضًا إلا أنه لا يعلم بمرضها فقلبها الضعيف لا يقوي علي تحمل الصدمات ، ما أن يشعر بالحب بينها وبين لويس ليقرر الإنتقام
حتي وصل إلي القرية وفد ملكي للصيد ، لتعم الفرحة والإحتفالات المكان وتُشارك جيزيل بالرقص أمام إحدى السيدات النبيلات والتي هي خطيبة الدوق ، ليخبرها " هانز " بحقيقة " لويس " هو نفسه دوق سيسيليا فتشعر أن حبهما كان مجرد أكذوبة فتصبح هذه الرقصة بمثابة رقصة السعادة الأخيرة فتفقد عقلها من هول الصدمة وتُفارق الحياة حزنًا على ضياع حبها ، بعد وفاتها بدأ " هانز " يرثي وفاة حبيبته ويضع زهورًا على قبرها لأنه يشعر أنه كان السبب في رحيلها ، حيث يطارده " الويليس " الذين ينتقمون ليلًا من الرجال عن طريق إرغام كل رجل يقابلونه على الرقص بلا توقف حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة ، بينما " ألبرت " يضع الورود على قبر " جيزيل " ، تقوم ملكة " الويليس ميرثا " أميرة الأطياف بإستدعاء " جيزيل " من ضريحها مرة أخري لمواجهة " ألبرت " بينما أمرت
" الويليس " بمطاردة هانز حتى يُفارق الحياة.
خرجت " جيزيل " للقاء " ألبرت " الذي شعر بالذهول وعدم التصديق ما أن رآها اقترب منها وحاول الإمساك بها لكنه لم يستطع لأنها مجرد طيف تسيطر عليه الدهشة ولا يعرف ما إذا كان ما يراه حقيقة أم خيال؟
ترقص " جيزيل " مع " ألبرت " بعد أن تم طرد
" هانز " من المكان ، لتتمكن جيزيل من الرقص مع حبيبها الذي يخشى مجئ النهار لأنه سيُنهي هذا الحلم الجميل وتعود إلى قبرها من جديد .. لكن
" ميرثا " شعرت بحبهما القوي وقامت بالعفو عن
" ألبرت " لترقد روح " جيزيل " في سلام بعد أن أنقذت حبيبها.
انتهت المسرحية وهي تنحني للأمام تقوم بتحية الجمهور لتسمع تصفيقًا عاليًا فتنبهر أكثر بنفسها أنها حققت نجاحًا آخر ينضم لقائمة نجاحاتها ، بدلت ثيابها وخرجت من المسرح مسرعة حتي لا يلحقها الصحافيون بأسئلتهم المعتادة والتي دومًا ما تحاصرها ، لتستقل سيارتها سريعًا وتتحرك مبتعدة عن المسرح تقود السيارة بسرعة عالية فهي تهوي التحليق عاليًا ، لم تنتبه لتلك الحافلة الضخمة أمامها وقبل أن تضغط علي المكابح كانت النهاية قد سُطرت حروفها ووضعت الأقلام لتنقلب السيارة عدة مرات متتالية وهي بداخلها تصرخ حتي استقرت علي جانب الطريق أخيرًا رأسًا علي عقب وهي لا تشعر بشيء حولها كل ما أدركته كان السائل اللزج الذي غطي وجهها قبل أن تفقد وعيها .
_________
صحافة وإعلام وأخبارها تجتاح الساحة ، راقصة البالية المشهورة فاقدة للوعي بل هي فاقدة للحياة
، سليلة عائلة الألفي مختفية داخل جدران المشفي ، محتجزة داخل عقلها تبدو وكأنها ملّت الحياة لتُسجن ذاتيًا داخل أسوار ذكرياتها ، أخبار لا تنتهي والصحافة يبدو أنها لا تكف أبدًا عن الحديث وإختلاق الحوارات والنقاشات ، في غرفتها البيضاء ساكنة تمامًا علي فراشها لا تتحرك ، لا صوت سوي صوت الأجهزة وبكاء أمها وتوتر والدها يملأ الأجواء
وهي شاحبة لا تتحرك ، أنفاسها من جهاز موصول بأنفها وطعامها مغذيات بوريدها ، تنهد والدها بتعب وإرهاق واضح عليه للغاية ليسمع صوت الباب يُفتح ويطل منه الطبيب المسؤول عن حالتها يبتسم له بهدوء ويلقي التحية ثم اقترب منها ليفحصها ، هي تعاني من بعض الرضوض في جسدها والكسور في ساقها اليسري وذراعها اليمني وضلعين مكسورين أصابا رئتها اليسري بنزيف ، بدأت جروح وجهها بالتعافي والنزيف تم السيطرة عليه لكن ذراعها وساقها مُجبران ، قام بقياس علاماتها الحيوية ودونها بالدفتر الخاص به وأمر الممرضة بإعطائها أدوية معينة ثم استأذن ليخرج فذهب خلفه والدها يحاول الإطمئنان عليها ليسأله بقلق : أرجوك أيها الطبيب أعطني بعض الأمل أن ابنتي ستكون بخير
يكاد القلق يفتك بي من سباتها هذا الذي لا ينتهي
نظر إليه وحادثه عن حالتها بهدوء يبث إليه بعض الطمأنينة: لا تقلق سيدي هي بخير وتم السيطرة علي النزيف الداخلي هي فقط بحاجة لبعض الوقت وستكون علي ما يرام ، عقلها تأثر بالحادث ويعطيها إشارات أنها مازالت في سيارتها لهذا هي لا تفيق ، هي فقط طفلة خائفة الآن تحتاج بعض الإهتمام والأكثر من ذلك الأمان من أبيها والحنان من أمها عندها سيخبرها عقلها أنا آمنه وستفيق من نومتها تلك ، الأدوية تنشط عقلها لكنها ليست الحافز الوحيد
شعر الرجل بالإطمئنان بعض الشئ ليستأذن منه الطبيب ويذهب يكمل عمله فيعود هو للغرفة يقترب منها ويسحب كرسيًا يضعه جوار فراشها يجلس عليه ويمسك يدها يقبلها بحنان ثم يقبل جبينها ويخبرها بهدوء : استيقظي يا صغيرتي وأعدك أن أحرص علي أن تظلي بخير دائمًا ما حييت ، والدك ليس بخير من دونك أبدًا ، يكاد قلبي ينشطر يا عزيزتي ، استيقظي لأجلي ، لأجل أمكِ ، لأجلكِ أنتِ
ظل علي وضعه هذا بجوارها مدة ثم ابتعد وترك والدتها تجلس مكانه وتحادثها بالتناوب تنفيذًا لحديث الطبيب ، في اليوم التالي تكرر نفس الأمر والدها فترة يحادثها ووالدتها فترة أخري وفي منتصف اليوم أثناء فحص الطبيب لها شعر بيدها السليمة تهتز ببطء وجفنيها يجاهدان ليُفتحان ، ازداد اهتزاز يدها وجفنيها فُتحا أخيرًا ليكشفا له عن لونهما الدافئ كالقهوة في الصباح لتهمس بإعياء : أريد ماء
قبل أن تغلق عيناها مرة أخري بتعب ، بعد مدة أفاقت أخيرًا وساعدتها والدتها والممرضة في رفع جسدها محاولةً منها في الجلوس ووضع بعض الوسائد خلفها ، مازال أثر التعب واضحًا علي ملامح وجهها ، كسر ساقها أكثر ما أزعجها فهو سيؤخرها عن تمريناتها وعروضها والمسرح حتي أتاها رد الطبيب صادمًا إياها : مع كل أسفي يا آنسة ولكن سيتعين علي إخبارك في النهاية أن الرقص غير متاح لكِ لفترة طويلة وأنه قبل عودتكِ إليه مرة أخري فإنكِ ستحتاجين لجلسات من العلاج الفيزيائي وربما يطول الأمر فالكسر بساقكِ ليس عاديًا بل هو كاد يؤدي إلي بترها تمامًا لأنه عندما انزلقت سيارتك وانقلبت عدة مرات ، علقت ساقكِ بشدة داخل السيارة وفي محاولات عدة من المسعفين لإخراجك تأذت ساقكِ أكثر ، لذا أنا حقًا آسف لهذا .

أحيانًا تكون الكلمات كالسياط تنزل بكل قوتها علي قلوبنا تضربنا في الثانية عشرات المرات وفي الدقيقة آلاف المرات حتي ينتهي بنا الأمر فاقدون لكل معاني الحياة ما أن تنتهي الأحلام ونسقط في بئر الواقع بل في قاع أكثر كوابيسنا بشاعة .

______________
تفاعل هكلم

كسارة البندق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن