ما الذي يجب على الإنسان فعله مقابل أن يطمئن ، مقابل أن يهدأ ، مقابل أن يغادره القلق ؟. هل يُمكنُ أن يمُدَّ أحدكم يدهُ لي ؟
سوفَ أحاولُ كتابةَ هذهِ الرسالةَ لكم .. و أقذفها و أعلم أن يداي لن توصلها إلى مكانٍ بعيدٍ ، لا أستطيعُ أن أحركَ ذراعي كاملاً ، هو فقط الأملُ ما يخيلُ لي أن الأمرَ ربما سينجح .
لقد تمَّ عصري سنواتٍ طوالٍ في أماكنٍ لم أستطعُ الخروجَ منها .. و حينَ أخرجُ يكونُ هُناكَ مكانُ أضيقُ فأضيق .. بدايةُ الأمرِ كانت في منزلي حينما تمّ وضعُ سريري في زاويةِ الغرفةِ لأن أخوتي الكبارَ لابد لهم من أخذِ مساحةٍ أكبر .. لم يكنُ الأمرُ متعبًا إلى حينما كبرتُ و طال جسمي حتى أصبحت قدمايَ تُثنى من ردةِ فعل الجدار .. كُنتُ أود لو أنني أصنعُ فجوتينِ فقط أضعُ قدمي فيهما عوضًا عن إنكماشةٍ ركبتايَ .. تأقلمتُ و قلتُ بأنني سأخرجُ يومًا لمساحةٍ أكبر .. الجامعة .. هنا ظننتُ أنّ الحرمَ الجامعي كما أخبرنا أستاذُ المادةِ واسعُ لن نستيطعَ أن نبلغَ كُلَ ركنٌ فيه .. حتى تمُ عصري في سنواتِ الجامعةِ أعيدُها مرارًا و تكرارًا خيلَ لي وقتها أن ذلكَ بسببِ فشلي .. حتى علمتُ بأنني لم أحبُ مطلقًا ما أتعلمهُ ، ببساطةٍ لا أتقبلهُ و حينما أحاولُ تغيرهُ ألاحقُ من الكل أن كيفَ لكَ أن ترفضَ ذلكَ ؟ و كأن ما أدرسهُ و أتعلمهُ هو كفارةٌ لهم أن مستقبلي و أحلامي لابد من الموافقةِ عليها من قبلِ أُناسٍ ليسَ لهم أي حقٌ فيما أريدهُ و معا ذلكَ لابد لي من فعلِ ما يريدون ..
و الآن ، أضيقُ الأماكنِ تمّ وضعي بها هي ما أتواجد بها و أنا أكتبُ لكم .. و ذلكَ حينما أحببتُ فتاةً أرادها قلبي ظنًا منهُ أنها إذا أحبتني سأكونُ في أوسعَ مكانٍ في الدنيا و إن ضاقَ كل شيءٍ و لم يحدث .. أحدثُكم الآنَ و أنا أستيقظُ على سريرٍ وضعتهُ في منتصف الغرفة .. و أنا أذهبُ لعملٍ أخترتهُ بعد إنشغالِ الناسِ بأمورهم عني .. أحدثكم و أنا ذاهبٌ اليومَ للإحتفالِ بعيدِ زواجي الثالثِ .. لقد أصبحَ الكونُ واسعًا حقًا و لكن بعد فواتِ الآوان .. إن الأمرَ في عقلي و روحي .. كأنّهُ تمّ حشرُ جميع البشرِ في غرفةٍ واحدةٍ ضيقة و كنتُ أنا آخرَ واحدٍ يدخلها .. قوةٌ هائلةٌ تدفعني لبقعةٍ لا توجدُ مساحةٌ أن أضعَ بها قلمًا واحدًا .. ما أردتهُ أن أبسطَ يداي حتى تأخذَ روحي راحتها في جسدي .. أن أجعل قلبي واسعًا للجميعِ .. أن أخطو خطواتٍ طويلةٍ لا يمنعني عنها شيءٍ .. أن لا أحشرَ و أنا أعيشُ على مساحةٍ كوكبٍ يستوعبُ ملياراتٍ من البشر ..
هل يُمكنُ أن يمُدَّ أحدكم يدهُ لي ؟.
أتعلمونَ ؟
لو ولدَ عصفورٌ ووجدَ نفسهُ بداخلِ قفصٍ يرى منهُ العالم .. سيحاولُ التملصَ للخروجِ ، الهربَ إلى الحريةِ المنتظرة .. سيجرَحُ نفسهُ متناسيًا الألمَ .. ثم في النهايةِ سيقبعُ متراخيًا في قفصه .. حتى و إن فتحَ لهُ بابُ القفصَ لن يخرج ، لقد أصبحَ الأمرُ جريمةً لو أنهُ حاولَ مجددًا .. ذلكَ ما لا نبوحُ بهِ .