بداية القصة... 1

9.9K 466 79
                                    

.ذكر الثقات من أصحاب السير: أنّه لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».

وصار عليه السلام إلى الوليد، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين عليه السلام :«إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً» .

فقال الوليد : أجل .

فقال الحسين عليه السلام : «فنصبح ونرى في ذلك » .

فقال الوليد: إنصرف على اسم الله تعالى .

فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه .فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت » فخرج .

فقال مروان للوليد: عصيتني .

فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة .

فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت .

وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه .

فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسين عليه السلام ليبايع فقال عليه السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرج عليه السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه .

وخرج الحسين عليه السلام وهو يقول : (فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ) (1) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل ) (2) .

وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام بالبلد .

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل (3) .

فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة .من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين .
أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ) (4) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».

ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي .. فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد (5).

وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ . وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك .. فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم .

فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد أليه...

قصة الامام الحسين عليه السلام  من خروجه حتى مقتلهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن