غابات الظلال الآكلة

471 13 0
                                    


كانت الساعة تشير الى٣:٥٥ لم يبق إلا خمس دقائق فقط على انتهاء اكثر ما يجعل اليوم مملاً وكعادة كل يوم أحد أُعد هذه الخمس دقائق ثانيةً بعد الأخرى لأذهب مباشرةً بعد العمل لممارسة هواية القفز المظلي . اكتمل العد حملت حقيبتي وتوجهت مباشرةً الى سيارتي لأقود بعدها الى حديقة الورود حيث يمكنني القفز. ركنت السيارة في مكانها المخصص وتوجهت مباشرة الى الطائرة التي سترتفع بنا عالياً بعد ان ارتديتُ ثيابي وخوذتي وحقيبة المظلة .
حلقنا عالياً لكن الطقسُ كان سيئاً وهو مازرع فينا الخوف قليلاً في البداية ، إلا أن معدله ضل يرتفع كلما ارتفعت الطائرة ليأتي بعدها القبطان ويخبرنا بعدم امكانية قفزنا لهذا اليوم بسبب الرياح العالية ، كان يقف فتى قريباً من بوابة القفز وكان الهواء يلعب بشعرهِ المتدلي على أكتافه ، أستطعت ان أخمن بأنه بلغ الثامن عشر من عمرهِ للتو وهذه المرةُ الأولى التي يأتي فيها للقفز ،وسرعان ما تأكد لي ذلك لتركهِ للذراع الحديدية التي كان يمسك بها مشتتاً بالبحث عن شيء سقط منه لم أتمكن من تحديد ماهيته بالضبط ما جعل الهواء يدفعه بقوة الى جانب البوابة الآخر مرتطماً بطرفِها وبسرعة لم تمكنه من الأِمساك بشيء يحول دون سقوطه . لم ينتبه اليه احد فتأكدت من قوة ربط مظلتي وركضتُ مسرعاً آملاً اللحاق بهِ قبل ان يرتطم بالأرض.
كان الغـيم كثيـف مـن حولـنا لـم أتمكـن من رؤيته جيـداً وهو الأمرُ الذي اقلقني كثيـراً . قمـت بصـف قدمـي مـع بعضـها ويدايَ بصـورة مُلاصقـة لـجانـبـي جسـدي مما يمكنني الأنـسيـاب بـسلاسـة أكبـر وزاد ذلـك من سرعتي أيضا وبعـد ‏ثوانٍ قليلة ‏تجاوزت الغيمة فـلمحتـه ‏ياتراقص مع رياحِ الهواء العاليــة مغمى عليـه ، لازلـت متخـذاً وضـعيـتي علـى أمل اللحاقِ بـه وقد تمكـنت من ذلك أخيراً قبـل ثوانـي قليلـة من اصطدامنا بالأرض فأمسكـتـه قوياً وقمـت بفتـح مظلـتي مما قلـل سرعة اصطدامنا بالأرض كثيراً ولم أتذكر ما حصل بعد ذلك.
طوال ‏فترة سقوط وأنا أفكـر في مكـان وقوعنا إنـها غابات الظلالِ الآكلة لم يتمكن أحد من الخروج منـها ابداً ،وإذا أرادت الدولـة محاكمـة أحد تقوم بنفيهِ إليها لكنها قامت بتطويقها بأسلاك شائكة ومكهربة.
أستيقظت في مكان ظننت أنه منزلي في البداية وكل ذلك مجرد حلماً وسرعان ماتبين لي عكس ذلك عندما دخل عليَّ رجلٌ عجوز في الستين من عمره ‏ويحمل في يديه كأساً تتعالى منه أمواج البخارِ المتراقصة.
_كيف حال رأسك الآن يابني؟
_ أظن أنني بخير.
_ أحضرت لك مشروباً مكوناً من الأعشاب يساعد على تخفيف الألم.
_شكراً لك .
تناولت الكأس من يديه وبدأت بشربه لم أتأقلم مع الطعم في البدايـة لكنه اجبرني على ذلك . كلن تساؤلاً قد اشغل تفكيري عن إمكانية صمود هذا الرجل في هذه الغابة ‏ فنهضت وتوجهت الى صالة الطعام حيث غادر بمجرد أن تأكد انني أتممت شراب ما قدمه لي كان يجلس الى طوالةٍ كبيرة مستطيلة فوقها مصباحٌ ‏ ضوئه أقرب إلى اللون الأصفر، ذهبت وجلست بجانبه.
_ كان معي صبي أين هو؟
_ أنه في الغرفة الأخرى وتأكد بأنه افضل منك .
_ هل يمكنني أن اطرح عليك سؤالاً آخر؟
_ نعم يمكنك ذلك.
_ كيف استطعت العيش هنا؟ وما الذي أودى بك الى هنا؟
_ ‏بعض الإجابات غير قابلة للتصديق وأخرى نصدقها وبداخلنا نقول أنها كاذبة أما الاخيرة فهي كاذبة. وفي مكانٍ ما بداخلنا نقوم بتصديقها ونوهم انفسنا فقط بأننا سمعنا الحقيقة، فمن أي نوعٍ أنت؟
_ أنا من النوع الذي يصدق كل شيء
_ أنه أحد اكثر الأنواع ظلماً من الآخرين يابني.
لم اعرف كيفية الطريقة التي يمكنني بها الرد عليه فبقيت أنظر إليه وأكمل.
_ لقد تم نفيِّ الى هنا كل ذلك لأنني حاولت المزج بين المعرفة والتكنولجيا المعاصرة فلم يعد أحد يهتم بقراءة أي شيء الآن يابني.
_حسناً ولكن كيف بقيت على قيد الحياة هنا؟!
_ هذا لأنهم أوهموا الناس بذلك يابني هذهِ الغابة لا تأكلُ أحداً على الأطلاق قاموا بتطويقها حتى لا يدخل إليها أحد وليس العكس
_ لا يمكنني فهم اقوالك!
_ سأوضح بشكلٍ أكبر ، هذه الغابة كانت سابقاً أكبر مكتبة في العالم مكتبة محتها التكنولوجيا وأيضاً التغيير الكبير الذي فرضه علينا الوقت الحالي ومحاربة الدول بها أيضاً لمصالحها وأمورها الأقتصادية ودفنوا تاريخاً قد يفضح الجميع بها.
_ وكم تبعد هذه المكتبة من هنا؟
قلت ذلك وأنا أقف مذهولاً أمام كلام العجوز الذي لم أتمكن من تصديقه إلى الآن.
_ أنت تقف فيها الآن يابني يمكنك الخروج والتأكد من ذلك.
قادتني أقدامي إلى الخارج وقفت في الشرفة ولم أتمكن من الرؤية بوضوح حتى جاء خلفي الرجلُ العجوز وهو بحمل مصباحاً فقام بتوجيهه يميناً ويساراً وأًُذهِلت عيناي بما رأته للتو ،كانت الكتب مرمية في كل مكان الكثير منها كان متحولاً إلى قطعٍ كثيرة وأوراقٍ منتشرة وتغطيها الأطيان والأتربة .
قطع ذهولي صوتٌ قادمٌ من الخلف.
_ أين أنا ؟! ، لقد كان ذلك الصبي فأجابه العجوز:
أنت في أكثر المناطق المؤلمة يابني ، أنت في غابات الظلال الآكلة أو هكذا يطلقون عليها بدلاً من غابات دفنِ الثقافة.
_ ما الذي دفعهم لكل ذلك لِم يريدون دفنَ الثقافةِ والمعرفة؟!
كـان الصبيُ يقف متعحباً ومستغرباً الحوار بيني وبين العجوز.
_ لِأن ثقافة الشعبِ قد تقتلهم يا بني غير ذلك نحن من اخترنا دفنها بنفسنا.
لم أقل شيئاً هممت بالدخول الى الكوخ وإنقاد الاثنان خلفي ، بعد أن جلسنا جميعاً على الطاولة وقال الصبي:
_ أود أن أوجه فكركم حول طريقةِ خروجنا من هنا فحسب علمي أن هذه الغابات محميةٌ بشكلٍ كبير جداً .
_ لقد تم نفييِّ الى هنا ،كما انني لاأرجح فكرة خروجكم من هنا.
_ لـم ذلك؟!
_ سيتم نفيكم الى هنا مرةً أخرى أو قتلكم وإقناع الناس بفكرة التهامكم من قبل الغابة.
لم أكن أعي عما يتحدثون فقد كنت في مكان آخر تماماً أفكر في جميع تلك الكتب ومحاربتها ونحن نجهل ذلك ، قررت التوقف عن التفكير والإنضمامِ الى حديث الصبيِّ والعجوز.
_ لايمكننا أن نخرج من هنا أنت فقط من يمكنه ذلك.
وأشرت الى الصبي وسط ذهولاً سيطر على معالم وجهه .
_ كيف يمكنني ذلك؟!
_ سأمكنك من عبور الحائط المكهرب وتقول بأنني دفعتك إلى الخارجِ اثناء سقوطنا في الهواء وتمكنت من فتح المظلة قبل اصطدامك بالأرض بدقائق قليلة فأغمى عليك بدلاً من الموت في إحدى الحدائق المجاورة.
_ وماذا عنك لم لا تأتي معي؟
_ لايمكنني كتم مارأته عيني وذلك خطرٌ عليك ،غير أنني وجدت المكان الملائم لِراحتي بعد أن بحثتُ لسنواتٍ طويلة . أُخلد الى النوم سوف ننطلق غداً.
ذهب الفتى إلى النوم وبقيت أنا أتبادل الأحاديث مع الرجلِ العجوز الى أن حان الصباح وقمت بما وعدت الفتى به وعدت مرةً أخرى الى العجوز الذي اخبرني أنه مايقاربُ الخمسمئة شخصاً يعيشون في هذه الغابة . أظن بأن الكتب ستبدأُ بالتلاشي يوماً بعد يوم إلى أن تصل إلى الحدِ الذي يمكنها من الظهور مرةً أخرى لن يتمكن احد من العيش بدونها كما ان الحضارات تقوم على اساسها واذا كان على احدٍ اتخاذ طريقاً للمضي قدماً فعليه بقالراءة اولاً لذلك سنبقى محافظين عليها هنا لحين ظهورها مرةً اخرى.

🎉 لقد انتهيت من قراءة غابات الظلال الآكلة 🎉
غابات الظلال الآكلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن