أنانيّ، لكنني أحبك

1K 185 20
                                    

«عندما تكون من أحببت، فلا شيء آخر يُعَد مُهمًّا.»

-


الحاضِر:



فرّقت أجفانها حين مرّ شعورٌ بارد إزاءها، لتجد بآخر المطاف أنها ليست سوى يد من جلس على الأرجوحة جوارها، يمررها بلطف على كفّها بابتسامة لم تخبُ.

كانت كضائع في لولبة زمنية، فما عادت تفقهُ ما يحدث حولها.. آخر ما تتذكره هو أنا لم تشعر ببرد الشتاء بعد، بل حرارة الدموع على خدها، وهي تأخذ خطواتها في الجسر قبلَ أربعَ سنواتٍ، ثم تغمض عينها لثانية، ويتحوّل المشهد لترابٍ يواري الأرض أمام دموعها التي لم تأبى إلّا أن تسقيه. تركته بكلا المشهدين خلفها في النهاية.. ذاتُه من يجلس قُربها الآن.

بدا لها أن كثيرًا من المشاعر الغريبة تقتحمها، وكأنها بلمسة واحدة منه، استطاعت معرِفة كل ما كانت بحاجته، أكثر مما ظنّته كافٍ، ورأت ما فاتها، وتذكّرت التفاصيل التي جهلتها.

نادت باسمه أخيرًا بصوت متهدج، متسائلة إن كان عليها أن تمتنّ لبقائه هنا حتى الآن، أم الشعور بالندم على الطريقة التي أنهيا بها آخر حديث بينهما. والأهم، إن أصبح بخير بعد كل شيء، أم أنه لا يزال يدّعي.

"مرحبًا، آنثيا" قالها، ويكأنما تقابلا للتو.
يُعيد الحروف دون النقاط أو الأسطُر، فقط مشاعر وتخمينات لانهائية. كبداية لرؤية بخار القِطار يتلاشى، ويبقى هناك على الرصيف، فتتمسّك بأحبائك ولا تفلتهم أبدًا.. لحظةٌ تخلّد.

لم تستطع كبح دموعها عندها، وهي تسمع اسمها في غمرة من الاضطراب، مع كل الذكريات التي جعلتها تسترجع كم كان من الصعب عليها مقاومة رغبَتها باللحاق به طوال الوقت، والحذوِ بما فعله.

غير أنها اعتادت في صباح أن تستيقظ بأمنية أنْ تجد كل ما مضى كابوس مرير، وأنها ستنظر لهاتفها فتجد عشرات الرسائل منه، وأنها حين تنظر للمرآة ومهما رأت من آثار ليلةٍ متهالكة مظلمة، ستبتسم وتعود لروحِها الطمأنينة. طمأنينة أنها ستجده أمام باب المنزل، أو واقفًا بانتظارها عند المحطَة على قارعة الطريق. وستغلِق الباب دون كلّ شيء وتذهبُ إليه.

جثا على ركبتيه ليحتضنها، فحطّت مخاوِفها على منكبه وهي تتمسّك به؛ خوفًا من أن يضيع مرة أخرى، واجتاحتها رغبة بأن يأخذها معه لحيث جاء، غير مهتمّة إن كانت ستعود أم لا، وما سيحدث وما حدث. كل ما رغبت فيه هو أن تعود الأمور كما كانت.

"لا تزالين كثيرة البكاء" علّق ضاحكًا بين دموعه التي لم يُخفِها هذه المرة، وهو يكوّب وجنتيها بعد أن ابتعدَ عنها قليلًا ليراها. فتفحَصته بدورها لفترة لم تعِ لطولها، لكنها لم تكن كافيةً بعْد.

رأيتُ هيڤنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن