part 2

20 3 2
                                    

قبل هبوطها عن آخر درجة فى السلم ..توقفت والدة بلقيس وأطرقت برأسها أن علامة تفكير تظهر من جديد ، أمسكت بذراعه ليلتفت إليها قائلة:لقد ظهرت تقريبا نفس العلامات التى أشار إليها الطبيب النفسي ..إنها..يجب أن ااااا..
لم تكمل ....بل لم تستطع النطق بها .
أمسك والد بلقيس بيدها وفى صدره غضاضة مما كانت زوجته على وشك النطق به ....لا يستطيع التفوه به وان كان صحيحا ، أمسك وجهها الصغير بين كفيه وأخبرها بهدوء هذة المرة قائلا:بلقيس ليست مختلة عقليا وليست بحاجه لذهابها الى مصحة كما يقول هذا الطبيب الخرف....هناك خطأ ما ..لا أكثر ..انا متيقن من ذلك...ثقى بى.
ألا تثقين بى!.
كان يعلم الجواب قبل نطقها به ...لكن هذه المرة بالتحديد أراد تأكيدا ببعض حروف المواساة فيما يوجهانه..أنهما حاليا وبعد هذا العمر بالعيش سويا كزوجان يواجهان أصعب إختبار على مرّ تلك السنوات .
قالت بهدوء انتقل إليها من هدوء كلماته :حسنا ..انت لست بحاجه لسؤالى..انا أثق بك بالفعل..لكن لا استطيع التوقف عن القلق بشأنها ...إن حالتها تسوء يوما بعد يوم ...فى المقابل يجب أن نفعل شيئا ...مشاهدتها فقط هذا أمرا مؤلما عن كونه الحل الوحيد .

إستمع إلى ما تقول بشكل هادئ كذلك ، أمسك بيدها و أخذها نحو المكتب مرة أخرى وقال:حالتها تسوء نعم ..لكن من قال بأننا لا نفعل شيئا !!.

أخذ مجلسه على الأريكة وأجلسها بجانبه..أعدل من عويناته وتنهد ثم قال: لى صديق يعمل فى هذا المجال ،وهو من دلنى على كل هؤلاء الأطباء الذين زرناهم ... لقد أعطانى قائمة بأمهر الأطباء النفسيين فى سويسرا بالفعل.. وبعد إجراء بحث بسيط عنهم إكشفت أنهم كذلك ،
لكن ما يلقينى فى بحر من الحيرة منذ لقاءى الأول مع احدهم وحتى آخرهم هو إصراره على إصابة بلقيس بمرض أو إضطراب مختلف كليا عن ما يقوله الطبيب الآخر ..هذا ليس شيئا يسهل تمريره مرور الكرام ، بالإضافة إلى تشخيص بلقيس لنفسها بالمرض وإلحاحها على الطبيب بوصف الدواء المطلوب دون إستشارته.!!
تنهدت والدة بلقيس بهدوء وقالت:اذا ..ما الذى يحدث ..لما هى بهذة الحال وبعد اخذها لكل هذة الادوية؟
نهض من جانبها قائلا أثناء سيرة إلى الشرفه
ذات الألوان الجذابة:ما يحدث الآن هو مزيج بين مرضها الحقيقي والذى لا نستطيع معرفته حتى الآن..وبين الأعراض الجانبية للأدوية التى وصفها الأطباء الذين تمت زيارتهم بالفعل!.

نهضت هى الأخرى وبخطوات قليلة أدركته ..أمسكت بذراعه  وأدارته نحوها لتنظر إلية فى تصميم ..بقلب يريد الاطمئنان.. بروح غريق يحارب الموت للوصول الى البر  ..ثم قالت: قل ما لديك ..هذا ليس ما أحضرتنى لتخبرنى إياه .
نظر اليها فى تشويش بعدما أدركت بقلبها أن هنالك المزيد ..هنالك ما يؤلم ثم قال: الطبيب ريتشارد ..آخر طبيب ذهبنا إليه ..أكبرهم سنا..وبدى بالنسبه لى اكثرهم  حكمه ..خاصة وهو يتناول حالة بلقيس بهدوء أثلج صدرى وأحسست بأن الغمة سوف تزول قريباً ...على الأقل سنعرف بالمرض الحقيقي لها ...أخبرنى  بعدما جعل بلقيس تنتظر خارجا بأنها حالتها خاصة جدا ...لم يسبق له أن واجهها مذ بدأ فى مزاولة هذه المهنه ،أو أى من أطباء سويسرا بالكامل .....وهى تشبه فى أعراضها حتى الآن _إلى حد لا يمكن التغافل عنه_حالة سوزانا كالاهان ..الصحفية الامريكية التى أصيبت بمرض نادر فى تاريخ الطب النفسى وعلم الأعصاب على حد سواء لم يتم الإفصاح عن تفاصيله أكثر عن كونها الحاله الأولى التى يتم تشخيصها بتشخيص صحيح بعد حالات تتعدى المئتان فى السنوات الماضيه ..و هذا يرجع لكتابتها للقصة كامله تحت عنوان brain on fire ..تمت معالجتها  على يد رئيس قسم الأعصاب فى مشفى لينوكس هيل بالولايات المتحده بنيويورك عام 2009 ..إن لم تخنى ذاكرتى فهو يدعى سهيل نجار ..وهو من اصل سورى .. مثلنا تماما..وقد أكد على ضرورة الذهاب إلى نفس المشفى ..فهناك حتما أطباء يستطيعون التصرف بشأن بلقيس
..تنهد نافضا ثقلا يلازم صدره ..لقد .."

ومجددا ..لم يكمل ما أراد قوله فى النهاية
وقع خطوات متخبطة تسرع نحو الأسفل وصوت مرام يأتى من أعلى قائلة: إلى أين أنتِ ذاهبة..حرارتكِ تزداد بجنون ..لن اترككِ تذهبين إلى أى مكان ..توقفي!

إنتفض باب المكتب مفتوحا على مصرعيه.. معلنا عن ظهور مشعوذ لهيئة بلقيس الرقيقه سابقاً!..وبين كلا يديها تقبض فى كُره بدى واضحا دون التحقق من نظرة عينيها.. موجه فقط نحو تلك الزجاجات البلاستيكية  الممتلئة بالأدوية الطبيه .

وفى حركه غير متوقعه أضافت طبقة جديدة من الذعر فى صدورهم نحو مايجرى..
فتحت كل زجاجة على حدى..تفرغ ما بداخلها فى تجويف يديها وتتناول كل حبه منفردة بين اصبعيها وهى تقول بصوت مخيف :سوزى لا تكف عن الظهور فى احلامى وكوابيسي وحياتى بشكل سئ بعد تناولى لهذه الأدوية..ثم توقفت فجأة ثم نظرت الى أبيها وهى توسع حدقتى عينيها على آخرهما قائلة:ابى ..نسيت اخبارك بأن صنبور المياه فى الحديقة الخلفيه لا يكف هو الآخر عن تقطير المياه..طلبت من مرام النظر بشأنه..
لكن ..قالت بأنه لا يفعل ....ثم أطلقت ضحكه ساخرة باطنها حزين وهى تكمل حديثها:لأنه...ليس هناك صنبور مياة فى الحديقة الخلفية !

وهنا تحديدا شرعت فى قهقهات ساخرة لامتناهية..على شئ مجهول بالنسبة للجميع
..إلا هى!
و بين ضحكة سافرة فى غير مكانها
و ظهور دموع ساخنه تخترق حمرة خديها فى دفاع عن وجود أمل ..لم ينته الضحك بعد.

لم تكف الدموع عن الهطول
كانت بحاجه لكليهما ..
إنها تفتقد للراحه!
مزيج مجنون من الضحك والدموع.

كفكفت دموعها مع اختفاء آثار الضحك من وجهها المخضب بدماء التيه اسفل بشرتها الحليبيه.
أمسكت بالزجاجه الأخرى وهى تفعل المثل ..تخرج حبوبها فى تجويف كفها ثم تلتقطهم بإصبعها حبة حبة وهى تلقيهم على الأرض فى إهمال غير واع .............شارد !

نظرت إلى جيهان وعلى وجهها بدايه لظهور علامات لا تنذر  بغير الشر ....ثم قالت:"أمى !!....هل قلتِ شيئا؟"
أجابت جيهان فى ذهول يبرؤها من أى اتهام فى نبرة ابنتها بعد صمت ألغم كل الكلام منذ بدايه دخولها المفاجئ للمكتب وعلى طرفى جفنيها دموع تنتظر اللحظه المواتية للهطول على حالها... قائلة:" لا ....لم أقل شئ "
صرخت بلقيس وهى تشير بسبابتها نحوها قائلة:"أمى ....أمي لقد قلتِ شيئا بشأنى للتو !!"
صرخت جيهان بالمقابل وهى تؤكد قائلة:"لم أقل شيئا ....توقفى عن التفوة بمزيد من الهراء"

خفتت نبرتها الصارخه بين فينة وأختها وكأنها لم تكن ثم وجهت انظارها نحو جيهان مجددا وهى تقول فى هدوء لا يلغى انزعاجها : لقد قلتى بأننى مُختلَّة !!

وقبل نطق جيهان بأى رد يناسب نوبات جنونها المعتاد بعد أخذها للأدوية..كانت بلقيس قد إفترشت الأرضية وجسدها_ الذى أخذ وضع الجنين فى رحم أمه_ ينتفض كمن يُصعق بالكهرباء ..بؤبؤى عيناها يهربان بعيدا فلا يبقى سوى بياض مخيف ..و غزو من الدماء يحتقن وجهها شديد البياض حتى يظن الرائى بأن العروق الخضراء المنتفضة هذة سوف تنفجر بين لحظة والأخرى لا محالة  .. !

يُتبع💙💙💙👇👇👇

نمداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن