لم تمر بضع ثوان على ابتعادها حتى لوَّحت بكلتا يديها أن علامة الإستغاثة تطرد آخر قطعة من كبريائها أخيرا..ثم سقطت!
...........
لكمة قوية أصابت كتفة اخرجته أخيرا من عالم افكارة اللامتناهية..أنة ديفيد الغبى !
ديفيد:هاااى..ما بك ؟
رائف:لا شئ !
ديفيد :هذا عذر قديم للغاية..إخترع شيئا جديدا يارجل..أنه اليوم الثالث على التوالى لتحولك لهذا البؤس بعد إحضارك للمريضه الهاربه ..هههه ما كان اسمها..آه ..نعم ..بلقيس..إعترف .
نظر له رائف بحدة تريد إخراسه..لكن..ليس كل ما يتمناه المرء يدركه !
لا تقترب من منطقة راحتى أيها السخيف ..لم يرد أن ينطق بما ينكر !
كان بالفعل على وشك إلإمساك بشئ ثقيل يكسر به الرأس السميك لذلك الغبى..
فقط طرقات الباب الرقيقه هذة _والتى لم يعتادوها فبدت ملفته_انقذت روحه للأسف .
كانت مرام.
رائف:تفضلى رجاءا ..هل حدث شئ؟
مرام :"لا ..لا لم يحدث ..اناااا..فقط..انا اريد معرفة ما الذى يحدث لأختى..جميعنا فى حالة تشوش منذ إحضارك لها منذ ثلاثة ليال..إنها لا تتحرك..تبدو هامده ومرهقه جدا أيها الطبيب..وحده فضولى لم يستطع الانتظار أكثر..أخبرنى رجاءا..ربما لا تتحمل أمى الخبر ولهذا لم تأت .
صمتت قليلا تأخذ أنفاسها..ثم استطردت قائلة بدموع لم تملك الشجاعة للهطول بعد :هل هو مرض لا يمكن شفاؤة؟! "
فكر قليلا ..إنها فتاه صغيرة بالفعل لكن تبدو أكبر عندما تتحدث !..أراد طمأنتها
تكلم فى النهاية قائلا:"أرجو المعذرة .. لم أتعمد إخافتكم بشأنها أكثر ..أردت فقط العمل على إجراء إختبارات تؤكد صحة ظنى أولا"
مرام:وهل وجدت ما تبحث عنه ؟
تنفس بهدوء عملى لا يمت لنيران صدره بشئ
..هل لأنها ستغادر قريبا مع قلبه دون النظر الى الخلف حتى! ..ثم أكمل قائلا :نعم..لقد فعلت
مرام :ماذا لديها؟
رائف:أنه..."نمدا"وهو التهاب دماغ بأضداد المستقبلات نمدا NMDA أو التهاب دماغ بأضداد المستقبل
(بالإنجليزية:Anti-NMDA receptor encephalitis) هو من أنواع التهاب الدماغ بسبب الأجسام المضادة.
مرام :لم أفهم
رائف:حسنا..الامر ببساطه هو أن الجسد يشن هجوما _متشكلا فى أجسام مضادة وهو مرتبط بجهاز المناعة لدينا_على أحد فصوص المخ ..الأيسر أو الأيمن..يصدر المخ استجابة للدفاع عن نفسه على شكل مستقبلات..وينتهى الأمر بإلتهاب فى الفص المُهاجم فيصنع فوضي شديدة فى الانشطة الحركية المسئول عنها الفص كالذراع والساق اليسرى اذا كان الفص الأيمن هو المصاب..وكافة الانشطه الأخرى المسئول عنها الفص..كالنطق والتفكير والإحساس بالزمن والسمع والكتابه والتوازن وهلم جراً .
أطبقت مرام على ثغرها بيدها منعا لخروج صوت لبكاءها الهادئ واستطردت قائلة:وهل لهذا علاج ..أرى أن الأمر أخطر من البساطة التى تتحدث بها..ماذا عن الأعراض..لم يستطع أطباء سويسرا تشخيصها..ماالذي يثبت صحة كلامك ؟
رائف متنهدا : بالنسبه للأعراض ..فالأمر يبدأ بالحمى وهى ليست عرضا أساسيا ..ثم الهلوسة والهذيان ..رؤية أشياء لا أحد أخر يراها ..سرعة و حِدة المزاج كمرضى ثنائى القطب ..فقدان الإحساس بالزمن ..ومن ثم الفقدان البطئ للإحساس بالأطراف تبعا لأحد فصين المخ ..وأعراض أخرى لابد انكِ لاحظتها..أما بالنسبه لعدم قدرة أطباء سويسرا على التشخيص فالأمر لا يفقد لكلامى صحته ..فهذا المرض حديث الإكتشاف وهو ليس نفسيا فقط...لعلم الأعصاب نصيب الجمل هنا..إكتشفه الدكتور سهيل نجار عام 2009
وبعد إجراء إختبار بسيط قامت به الآنسه بلقيس ..عرفت من خلاله أن الورم بالفص الأيمن..ولهذا فقدت القدرة تماما على تحريك ذراعها وساقها اليسرى .
أخذ شهيقا متقطعا وزفره مرة أخرى كما إعتاد أن يفعل ثم إستطرد قائلا آخر مالديه :أما بالنسبه للعلاج فهو ينقسم لجزئين..الأول يخص أدوية كابحة للمناعة نضمن بها إنخفاض إحتمالية الإصابة مرة أخرى..والثانى..الجراحة فى حالة وجود ورم ..وهو موجود بالفعل لعدم التشخيص مبكرا أكثر وهذا ما نستعد له حالياً..أظننى أوضحت الأمر بما يكفى ليطمئن قلبكِ ..هل هناك أسئلة أخرى آنسة مرام؟!
مرام وقد عادت الدماء إلى وجهها بعدما إختفت منذ مدة لا تتذكرها قالت:نعم لقد فعلت..وأنا شاكرة حقا لإجتهادك فى ذلك..لا أظن بأن لدى أية أسئلة .
نهضت وخرجت كدخولها الهادئ تماما وعلى وجهها إمتنان وفرحة تنتظر الصحة تعود مرة أخرى لأختها الجميلة.
نظر رائف إلى الباب المغلق ساهما..لقد كانت
بلقيس هى الفتاه التى كانت تزور أحلامه تستغيث به ..إستطاع رؤية دموعها فى الحلم ..لكنه ابدا لم ير عيونها...لم يعلم أنها بهذا الجمال..جمال أعادة إلى زيتون الشام دون أن يحرك إصبعاً .
............
قبل الجراحة بثلاث ساعات.وقف خارج الغرفة مستندا على ذلك الزجاج الشفاف.. متأملا ذاك الملاك النائم وعلى أذنه الهاتف يحدث والدته ..قال مبتسماً:تسائلتُ كثيرا كيف تبدو .
ولم أعلم أن غابات الزيتون تسكن عينيها!..
تنهد قليلاً وضغط بكفه على جفنيه مانعاً دموعه..ثم قال:
كانت أجمل من جميع تساؤلاتى يا أمى!.
لقد أحببتها ولا أريدها أن ترحل .
فإختنقت كلماته كمثيلاتها من الدموع فى حَلْقِهِ!.................
.....................
(بعد إجراء الجراحة بنجاح)
كثيرا ما نسمع شعارات تدخل نطاق الرواسخ
طالما قيلت على لسان الأجداد
حتى وإن لم تؤمن بها !لكن هذة المرة كانت مختلفة كليا عما يحدث .. لم يسبق أن صدقت شيئا قيل على لسان الناس لهذة الدرجه ..
"أعظم عدو للإنسان ...هو نفسه"
لم أصدق إلا حين عايشت الأمر ..
كيف يمكن أن اكون انا العدو !
عندما كنت أقنع نفسى سابقا بأننى أريد الهروب ...أريد أن أكون وحدى ...فقط لأفهم !
لم أكن أهرب من الجميع. ..لم أكن اهرب من الناس ...كنت أهرب حقا من نفسي ..وأنا أجهل ذلك .
لقد ......تاهت .....نفسي ......منى!
وهو من وجدنى!
عندما فقدت القدرة على الكلام بسبب ازدياد حجم الورم فى مخى ..لم يستطع أى ممن حولى رؤية الكلام فى عينى .عندما جاء ذات يوم .. وفى عينية نظرة كنظرة قرصان لحصولة على الكنز بعد عناء .. وأمسك بيدى ثم قال : لقد وجدتكِ !
حينها فقط شعرت براحة لم أفهم سببها ..لكننى فهمت أننى فى يد أمينه ..فى يد استطاعت فهم ما تقوله عيناى ...استطاعت رؤية استغاثتى .
عند هذة اللحظة أحسست بأن يدة لم تمسك فقط بيدى ...........لقد أمسك بقلبى كذلك.
لقد أحببته ولا أريد الرحيل منه ..
وكأن لقاءنا لم يكن الأول!.
ولن يكون الأخير.تمت بحمدالله
بقلم زهرة الأوركيد .💙
رابط الصفحه 👇👇https://www.facebook.com/زهرة-الأوركيد-550245728774865/
أنت تقرأ
نمدا
Non-Fictionوهنا تحديدا شرعت فى قهقهات ساخرة لامتناهية..على شئ مجهول بالنسبة للجميع ..إلا هى! و بين ضحكة سافرة فى غير مكانها و ظهور دموع ساخنه تخترق حمرة خديها فى دفاع عن وجود أمل ..لم ينته الضحك بعد. لم تكف الدموع عن الهطول كانت بحاجه لكليهما .. إنها تفتقد ل...