1

36.1K 504 42
                                    


_ سمراء فاتنة_!
----------------------------------

تراص مجموعة من الفتيات في صفٍ منضبط.. كن في سكونٍ تام لا يتحركن إنشا وكأن فوق رؤوسهن الطير،.. وقفت الملكة "قسمت" ترفع وجهها بشموخ وهي ترمق الفتيات بتفرس، تعاين كل منهن في صمت، تسير ببطء تام.. تسير تارة وتقف تارة.. إن أعجبتها واحدة منهن.. تفحصتها جيدًا بجراءةٍ معهودة منها، فُتح الباب فجأة على مصرعيه وانحنى الجميع إجلالا وتحية.. فالملك دخل يسبقه أسده الذي أرعب الفتيات وجعل قلوبهن وجلة، اقترب بهدوءٍ وتر جميع من في الغرفة، ضاقت عينيه الواسعتين بغموض، وشد جسده فوقف شامخًا وبرز طوله الفاره، وهيبته طغت على المكان فحُبست الأنفاس منه ريبة!
"تيم، تعال.. هيا أحضرت لك طائفة من أجمل فتيات المملكة، لا يوجد جمال بعد جمالهن، هيا اختار واحدة منهن لتحظى بك ".
ثم راحت تبتسم بسعادة موجهة الحديث إلى الفتيات:
"ترى من سعيدة الحظ؟، من ستكون فيكن زوجة ابني الملك ".
راح "تيم" يتفرس ملامحهن بضجرٍ واضح في نظراته القاسية، ثم قال في عدم اكتراث:
-"أمي، لا تفعلي هذا الهراء مجددًا".
"ماذا؟...، أي هراء؟............." قاطعها حين ذاك وصاح بصوت جهوري:
"هيا كلكن إلى الخارج "
برحن المكان فورًا بلا تردد في وجل شديد، وراح "تيم" يجلس على كرسيه المطلي بماء الذهب، وركض أسده خلف ثم مكث جواره، أخذ "تيم" يمسد على جسده في هدوء وإتلاف، بينما غليت الدماء في عروق " قسمت" وهتفت بغيظ شديد:
"أخبرتك كثيرا لا تحدثني بهذه الطريقة الوقحة خاصتك أمام أحد!، ماذا تظن نفسك فاعل يا تيم؟ "
زفر بملل ثم أردف يُهدئها:
"أمي!، أنا لم أسئ إليكِ، بل أنتِ من تضعيني بمواقف أنا بغنى عنها، قلت لكِ أنا من سيبحث عن عروسه ليس إنتِ، ولا تغضبي مني، هذا ليس شأنك يا أمي!".
"إذن شأن من؟، أنت إبني أنا، وأنا أريد أن أرى أحفادي يلعبون حولي، أنت تخطيت الخمس وثلاثون عامًا!! "
ضحك هازئًا:
"ماذا يعني، هل أجرمت"؟
أجابته في حدة سافرة:
"نعم، نعم أجرمت، أنت تتمرد وترفس النعم بقدمك، إحذر والغرور يا إبني "
صمت "تيم" فلن يجدي الكلام نفعًا مع أمه، هي تراه يتكبر وهو يخبرها بأنه لم يجد إلى الآن تلك التي ستأخذ قلبه وعقله..
استدارت بعنف عازمة على الخروج من الغرفة، فأوقفها بصوتٍ أجش وهو ينهض عن مجلسه:
"أمي، أريدك تتحدثين مع زوجك الأحمق، أخبريه أن هذه المملكة لا تخصه في شيء وأنه مجرد ضيف ليس أكثر من ذلك ".
"تأدب يا تيم، هذا زوجي، هذا بمقام والدك "
ضحك ساخرًا:
"أبدًا لن يكون هكذا، لا يوجد شخص يقارن بأبي رحمه الله، هذا زوجك، زوجك فقط لا يخصه في المملكة سوى انتِ، وذاك المستفز إبنه أخبريه آن يلزم حدوده وإلا سويت به أرض المملكة "
توسعت عيني "قسمت" وهي تحدجه بنظرة ثاقبة، ولم تكد تتفوه بكلمة حتى وجدته يصيح:
"يا "سليمان" أحضر لي حصاني أريد أن أتجول به في أنحاء مملكتي"
خرجت "قسمت" والغضب يعصف بها عصفًا، أما عنه فنهض يتبعه "رعد" أسده الخاص، اعتلى حصانه بخفة وأخذ يسير وطاقم حراسته خلفه، يتجول بين الأشجار والحدائق كيفما شاء، عيناه التقطتا فتاة تسرع في خطاها كأنها تركض خيفة، ضاقت عيناه وأظلمت فهتف آمرا رجاله:
"تلك الفتاة.. التي تركض هناك ".!
قال أحدهم وهو ينحني له إجلالا:
" أؤمر سيدي، هل نحضرها لك؟ "
"نعم، أحضرها "
أسرع "سليمان" بخطوات واسعة وفي سرعة الفهد كان قد وصل إليها، عاد جاذبًا إياها من ملابسها كمن أمسك بلصٍ، فقد وجد بجعبتها ثمرات المانجو التي سقطت من الأشجار على الأرض الخضراء.
تقدم بها وهو يقول منفعلًا بأنفاسٍ لاهثة:
"سيدي، هذه الفتاة سارقة هي تركض بعد أن سرقت ثمرات المانجو، هل أأخذها إلى السجن الإنفرادي ".
أطلقت شهقة عالية بينما تهتف بفؤادٍ قلق للغاية:
"رباه، سجن!، لا.. لا، أُقبل يدك يا سيدي، أنا.. أنا لست بسارقة ".
تفحصها مليًا، من أعلاها لأسفلها ومن أسفلها لأعلاها، قصيرة القامة، سمراء اللون، جسدها ممتلئ إلى حدٍ ما!، هي لا تشبه جميع الفتيات، فالمملكة مليئة بالجميلات الفاتنات، من هذه وكيف تجرأت وتخطت حدودها بسرقتها لفاكهة المملكة والتجول بحدائقها؟؟!
"من أنتِ؟ "
سألها بصرامة مخيفة وهو ينظر لها من علو بينما عيناه تتجولانها بحرية، ازدردت لعابها وهي تنظر أرضًا وتجيب في وجلٍ شديد:
"سيدي، أنا "فنار" ".
وصمتت على ذلك تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة، فحبس ضحكة كادت تخرج منه وهو يسأل بحزم:
"من أين أنتِ؟ وأين تسكنين ومن أهلك؟؟ "
خفق قلبها بعنف بين ضلوعها وتحجرت الأحرف على شفتيها، فهتف بها:
"أجيبي "!
أجابت في أدب وهي تطرق برأسها للأسفل:
"أمي تكون "حليمة " وأبي رحمه الله توفى منذ عامين، أنا أعيش مع أمي وأختي.. آآ هي لم تكن أختي لكنها تربت معي منذ صغري، لقد وجدتها أمي يتيمة وقد مات والديها فربتها معي "
أومأ "تيم" برأسها، ثم رمقها بنظراتٍ مبهمة وسألها بحدةٍ:
"حليمة بائعة التوت "؟
هزت رأسها قائلة بهدوءٍ:
"نعم سيدي ".
كشر عن جبينه ونطق بنبرةٍ شرسة:
"هذه السيدة طيبة القلب، أنا أعرفها، ولكن للأسف لم تحسن تربيتك ويا خيبتها فيكِ "!
ابتلعت ريقها بخوف شديد وقد أدمعت عيناها حرجا وتأثرًا ثم قالت تبرر فعلتها:
"سيدي أنا أخطأت، لكني لم أقصد سرقة، لقد اشتهت أمي المانجة ولقد انفطر قلبي عليها وأختي أيضًا اشتاقت، كنت أتجول ووجدتها ملقاه على الأرض بإهمال، ظننت أنكم ليس بحاجة لها فأخذت ثلاث ثمرات فقط لي ولأمي وأختي، أنا بعتذر، أقسم أنني لن أفعلها ثانية، سيدي هل ستعفو عني "؟
"ما هذا؟  أنتِ تثرثرين كثيرًا لقد ألمني رأسي بسببك!، هيا إذهبي لأمك "
أشرقت ابتسامتها وهي تردد:
"شكرًا لك سيدي شكراً،.. كادت تنصرف من أمامه إلا أنها وقفت وهي تفرك كفيها ببعضهما إلى أن قالت:
"سيدي، هل لك ألا تُخبر أمي بما حدث، فلو علمت لقطعتني إربا إربا ".
هذه المرة لم يستطع منع ضحكته وانطلقت منه ضحكة رجولية رنانة، ثم توقف لوهلة وهو يقول يهز رأسه:
"اذهبي قبل أن أأمرهم بسجنك ولن تخرجي منه مرة أخرى "
ابتعدت بسرعة إلا أنها وقفت متسمرة حين ناداها بصوتٍ أرعبها:
"تعالِ إلى هنا يا فتاة"!
التفتت وعادت تقف أمامه في صمت، فوجدته يقول بصيغة آمرة:
"خُذي من المانجو ما يكفيكِ وأكثر، وسلامي للسيدة حليمة معك".
"سيدي ولكن أمي... "
قاطعها مردفا بحسم:
"قولي لها أنني من أمرتك بذلك وهي انصرفي قبل أن..... "
لم يكد يكمل جملته حتى وجدها تركض خيفة ومع كل خطوة تنحني تلملم ثمرة من المانجة في مظهر أضحكه بشدة حتى حدث نفسه بخفوت:
"هذه الفتاة، خفيفة الظل للغاية، سمراء اللون لكنها فاتنة"!
--------------------------------------------

مملكة الأسد، بقلم فاطمة حمدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن