10

9.2K 305 20
                                    


_مكر_
---------------------------------------------

وقفت أمامه مطأطأة رأسها ودموعها آخذة في ازدياد ونظراتها كانت تترجاهُ عله يعفو عن ابنها الحبيس.. طال صمتها لعدة دقائق إلى أن حاولت استجماع حروفها وقالت بصوتٍ مهذب:
"هل تسمح لإبني بالإفراج يا سيدي؟ "
راح "تيم" ينظر إلى "سليمان" وهو يسأله باتزان تام؛
"ما الأمر يا سليمان؟ "
فأجاب "سليمان" وقد نظر إلى السيدة باحتقان واحتقار:
"هذه أم "محروس" وهذا الشاب سيرته سيئة يا سيدي، وليس هذا فحسب بل وجدته يعتدي على إبنة السيدة حليمة أيريس ".
اتسعت عينا "فنار " بشدة وشهقت قائلة بقلق:
"أختي"!!
تجهمت قسمات "تيم" الذي بدا كأسدٍ مفترس وهو يهتف بها :
"على ماذا تبكين يا امرأة؟، هذا لا يُبكى عليه.. ولن أفرج عنه هذا هو قانون المملكة ".
"بالله عليك "!
"بالله أنتِ انصرفي من هنا، من يتعدى على أنثى في المملكة فجزاؤه السجن المؤبد.. أما من يغتصب فجزاؤه الاعدام وهذا القانون يعلمه الجميع، هيا انصرفي من هنا "!
يأست السيدة وانصرفت بالفعل خائفة، أما عن "تيم" فزفر بعنف وهو يتحدث:
"اللعنة على هذه التربية ".
بينما قالت "فنار" وهي تبكي في توسل:
"سأذهب إلى أختي.. أريد أن اطمئن عليها سيدي ".
فرد قائلًا :
"سأدعوها لتأتي هي ووالدتك.. اهدئي".
ثم أمر "سليمان" أن يفعل ذلك، والتفت إليها ماسحا دموعها بظهر أنامله قائلًا بصيغةٍ آمرة:
"لا تبكِ فنار.. "!
"لقد أذاها الحقير يا سيدي".
تابع في حنوٍ وهو يضمها إليه:
"أختك بخير.. اطمئني ".
هزت رأسها في طاعةٍ، فتنهد قائلًا وهو يجرها من يدها معه:
"تعالي.. لأعرفك على عائلة رعـــد ".
سار معها عدة خطوات بسيطة إلى أن وقف في مكان الخيل الخاص به، وراح يأخذ حصانه الأبيض وهو يقول بابتسامة؛
"ما رأيك في حصاني؟ "
وقبل أن تُجيب عليه وجدت نفسها تركب فوق ظهر الحصان وهو من خلفها في خفة شديدة، توسعت عيناها بصدمة وهي تلتقط أنفاسها اللاهثة.. ماذا حدث في غضون ثوانِ؟
لم تكد تتكلم ووجدت نفسها في وضع آخر.. ووجدت الحصان يسير بهما ببطئ.. وذراعي "تيم" تحيطانها من الخلف.. لا مفر هي محاصرة تماما.. زاغت أنظارها في ارتباك وهي تحاول تخفيف موجة التوتر التي اجتاحتها دون مؤشر.. أما هو فكان يضحك وهو يشدد من عناقه لها.. كم تبدو بريئة حبيبته الصغيرة العفوية.. أيوجد أحد بمثل هذه التلقائية؟..
"لم تجبي فنار "!
ازدردت لعابها الجاف وقالت ببلاهة:
"على ماذا "؟
فرد مبتسما:
"رأيك بحصاني ".
هزت رأسها وهي تلمس ظهر الحصان برقة:
"إنه جميل.. ورائع ".
فقال مشاكسا :
"وصاحبه "؟
احمرت خجلًا ولم تتحدث، فعاد يضحك باستمتاع وهو يستنشق رائحتها التي أسكرته، ثم قال مغازلا:
"رائحتك.. حلوة ".
ابتسمت فقط ولم ترد أيضًا.. فتابع غزله بها قائلًا:
"رائحة ورد جميل.. أي عطر تستخدمينه يا صغيرة؟ "
حركت كتفيها بخفة وصدمته بإجابتها:
"لم أضع عطرا.. "!
"أهذه رائحتك؟؟؟ "
"نعم "..
تنهد متأوها وهو يواصل بنبرة ودودة:
"ما أجملك يا صغيرتي ".
ظل في مغازلتها طويلا.. كانت الجولة ممتعة جدا.. إلى أن وصلا إلى بيت الأسد.. أو بالأحرى بيوت الأسود.. حيث كانت ساحة كبيرة مقسمة إلى بيوت جوار بعض تحتوي على جيشٍ عريق من الأسود!! 
ما إن رأت "فنار" هذا المنظر حتى توسعت عيناها والخوف عصف بها كإعصار.. راحت تتمسك بذراعه وهي تحاول الثبات لكنها ترتجف من الزئير المتصاعد منهم.. ضحك "تيم" وقال بلهجة حازمة رغم ضحكاته:
"ماذا قلت فنار.... لا تخافي لن يؤذيك أحدا منهم ثقي بي وبهم ".
ابتلعت ريقها وهزت رأسها موافقة وازداد تشبثها به، سار معها وهو يعرفها عليهم.. هي عائلة متكاملة من أعمام وأخوال وأخوة وأخوات.. ولهم أسماء!! 
لا تصدق "فنار" ما تراه.. إنه عالم آخر.. عالم مخيف لكنه قوي.. تشعر بالقوة تحيط المكان والصلابة والشجاعة معا..
انتشلها من شرودها وهو يقول بهدوء:
"وهذه تكون زوجة رعد وهؤلاء أشباله ".
ازدردت لعابها وهي تسأله بذهولٍ تام :
"لمَ كل هؤلاء الأسود؟..  كنت أظن أنه رعد فقط.. لم أكن أتخيل أنك تملك هذا العدد.. إنه جيش كبير "!
حرك رأسه بهدوءٍ وهو يقول متفهما:
"لا أحد يعلم بالمملكة كلها أن لدي هذا الجيش.. هم يعلمون بـ رعد فقط.. لا أحد يعلم عن هذه الساحة سوى سليمان.. وأنتِ الآن ".
"من أين أتيت بهم "؟
"هذه ثروة أبي.. حين كبرت أخذني وعرفني عليهم وقال لي أن هذا سر.. وقال أنهم سيكونوا لي عونا في الشدائد ".
"وكيف لم يأكلوك يا سيدي.. هؤلاء متوحشين للغاية"!
ضحك "تيم" عاليًا وهو يحاوط كتفيها بذراعه ضاما إياها إليه وقد تابع:
"لا يا قهوتي.. هؤلاء وحوش ليسوا متوحشين.. هؤلاء مفترسين.. هناك فرق، إن الأسد يسمى بملك الغابة ويسمى أيضًا بـ سيد الوحوش.. لأنه أقوى الحيوانات.. عبارة عن كتلة من العضل وله هيبة طاغية.. اختاره أبي لأن يكون رمزا للمملكة.. ليعلم الجميع أنه من الصعب هزمنا ".
صمت يتنهد وهو يقص عليها مميزاته:
"من صفات الأسد أن لديه رحمة وهذا ما لا يفقهه الأخرين.. هو يفترس لطالما كان جائع.. إن شبع فلن يمس أحد ما إن تعدى عليه.. أنيق في حربه ويستخدم ذكائه أكثر.. كما أنه لا يحب أن يعذب فريسته قبل أكلها.. على عكس بقية الحيوانات يعذبونها أولا وهذا ضمن رحمته.. ".
أومأت "فنار" برأسها وهي مازالت تلتصق به وتحتمي به، فقال غامزًا مواصلًا مرة أخرى :
"تعلمين ماذا أيضًا يا قهوتي؟ ".
"ماذا سيدي؟ ".
أردف مبتسما وهو يشير إلى زوجته والأشبال:
"هو محب لزوجته جدا.. وأبناءه الصغار.. يعلم مسؤوليته تجاههم ويوفر لهم الحماية اللازمة.. ولم يجد الراحة سوى بحضن زوجته.. "
ابتسمت "فنار" وهي تقول ببراءة:
"اتضح أن الأسد رائع.. لك كل الحق في أن تحبه سيدي "!
"رعد أعز صديق لي يا فنار، احبه ولكن ليس أكثر من غزالتي بالطبع "!
قطبت "فنار" وهي تسأل:
"هل لك غزالة أيضًا سيدي؟؟ ".
فضحك متابعا :
"تبدين ذكية للغاية يا فنارتي، غزالتي هي أنتِ.. "!
توردت وجنتيها بشدة فيما تخفض رأسها هاربة من أسر نظراته المخترقة لها، ثم سمعته يهمس بصوتٍ اختنق من كثرة العاطفة:
"دعنا نذهب إلى غرفتنا... أقصد... إلى القصر "
-------------------------------------

مملكة الأسد، بقلم فاطمة حمدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن