الفصل الثامن: الصمت
يوم السبت الرابعة عصراً– مكتب الاستقبال
كانت على غير العادة، طاولة هادئة لا يسكنها ضجيج الازدحام، لنتشارك انا ونادية حديث المساء، اسندت ظهرها على الطاولة وقالت بصوت ثقيل:
- اه تذكرت امر الكعب ... لازلت محتارة في امر شراءه
- زواج من؟
- الدكتور أحمد والدكتورة امنة بالطبع...
- اوه ... صحيح لقد نسيت الامر ولا اعلم إذا يُمكنني المجيء او لا.
- نسيتِ آمنة وافعالها واستشاراتها المتكررة لنا في ادق تفاصيل الزفاف، او بطائق الدعوة التي اخترناها معها صدقيني ستقتلك إن لم تأتي"
نظرت لها بتعجب ثم ضحكت فقلت:" اهدأي .... اهدأي ولوقته خير بإذن الله "
وقبل ان تُكمل نادية حديثها، استقرت على طاولتنا الطبيبة فاطمة فقالت بتهكم:" ما بال كتابة التقارير التي لا تنتهي !؟"
فاطمة طبيبة مُقيمة، أصغر مني بعام، مُتزوجة وأم لطفلين ... لا زلتُ أتذكر فترة الدراسة الثانوية وحديثنا عن طموح المستقبل، لو كُنت اعلم لأسكت نفسي عن الحديث ...
الطبيبة رؤية والطـبيبة فـاطمة وتذمرها مِن أني سأسبقها بعام، اصابتني لسعة مِن الغيرة، استدركت نفسي فقلت:
- أين مُشرفكم الدكتور سليمان؟
- الله يفكنا مِنه الغثيث ... تقارير وتقارير تكسرت يدي وأنا اكتب.
- صحيح ذكرتموني بإحراج الدكتور سليمان لسالم .... كان اضحوكة للمجموعة وغير انه كوّن الاضغان بينه وبين حمود
قاطعت حديثها، فقلت مؤكدة:" انهم بلبلة ... لقد شهدت شجارهم في الصباح وللأسف وجدت نفسي مسحوبة لدائرتهم "
ظهرت ملامح الصدمة والقلق على وجه نادية، فتحت فاهها لثواني معدودة ثُم قالت بِصوت حاد:" ولم تقولي لي !! ولماذا كُنتِ هنا الصباح!! ماذا حصل ووو..."
اشرت لها بالسكوت، ثُم قلت بهمس:" ششش ... اهدأي لأنه سر ولا اريد ان يتضخم الموضوع وابتلى بشيء جديد، وقدومي الصباح كان لدواء امي "
نظرت فاطمة لساعتها، تداركت مُنحنى الحديث وقالت:" انتبهي منهم الاثنين واحد خاله المدير والثاني ابوه، عموماً استأذنكم يا بنات تأخرت..."
في الوقت الحالي ...
كان مُشتعلاً، يحمل في عينيه حقد يسع الجبال، أكمل بتحقير:" أهذه طينتك تُكذبين ايضاً فيما نشرتيه وتشوهين سُمعتي... كُنت أحاول اخراجك مِن الامر وهكذا تردين الجميل!"عقدت حاجبيّ غضباُ، قًلت مكررة خلفه باستغراب:" أكُذب...! واشوه سمعتك...! وارد الجميل...! قبل ان تتهمني يا دكتور حمود بشيء لم افعله كان خير لك أن تأتي وتتكلم بأدب وتسألني عن الامر، ولا اعلم ما الذي تقصده فعلاً بقول رد الجميل ... فصمتي عما وقع كان الجميل الذي اسديته لكم "
، نظر إلي وقال:
- وهل كُنتِ ستعترفين بخيانتك للوعد ..! انا لن أطلق حُكم على أحد حتى اتأكد منه وقد بحثت وتأكدت مِن الامر
- انت لا زلت تتهمني بشيء لا علاقة لي به، وان كُنت صادق فهات حُجتك وقولك بخصوص خيانتي كما يُخيل لك لأرد عليك ببراءتي.
حرك يده باضطراب، انفعل بحديثه:" كُل هذه الأفعال والكُره ظاهر مِن نفس حاقدة علينا وعلى وضعنا، حقد دفين يظهر بتصرفاتك لعل كُل شخص مننا هو عدو لكِ، تعاملينا وكأننا سبب كُل مشاكل حياتك كارهة لنا وكأننا لم نتعب على ما جنيناه ... لقد جاءتني الاخبار ونشركِ بأنِ طبيب بالوساطة وقد عشت كُل حياتي على سلالم مِن هذه الفرص ولم تقفي عند هذا الحد بل اتهمتنِ بالتلاعب بسجلات مرضى لتغطية أخطاء طبية لي!"
صمت عن الحديث، نظرت باستغراب واشمئزاز في آن، أكمل حديثه قائلاً:" كُل هذا يهـون إلا أنّ موضوع التلاعب بسجـلات المرضى شيء آخر، فبهذا الاتهام فقط يُمكنني ادخالك فيه لقضايا لا أول لها ولا نهاية"
كُنت أدور في دائرة مُظلمة مِن كلماته الثقيلة، أشعر بسكاكين مِن الظُلم تغرس في قلبي، تلفني وتلفـني ... أكان لساني قادراً على الرد أم اسكتته اللومة الدائمة التي تطالني كُل ما تكلـمت بحقي...
وعندما سكت عن الكلام، كان ردي ولأول مرة بالتجاهل، خِفت هذه المرة مِن ردودي ... اتجهت إلى بوابة المشفى الرئيسية ودخـلت، اتجهـت إلى مكتب الاستقبال ثُم إلى الغرفة الداخلية للسجلات، جـلست على الكُرسي، نـظـرت للحائط بِصمت ثُم فجأة ...
انفجر كُل مكنون في صدري وكُل ما كتمته لفترة، بالدموع ... كان نزيـف مِن الدموع التي لا تتوقف، مشاعر كُتمت وعند خروجها فقط لم ترد السكوت، تفاجأت بِصوت نادية يطبطب مهدئاً ...
لم أشعر بِنفسي في تلك اللحظات ... لم أعلم كم نفساً كانت حولي وقتها
كُل ما اعرفه ان كُل ما بي نزف حتى الموت في هذه الليلة ....
لمـاذا نلام على القـول وعلى الصمت!
فإن تحدثنا قالوا صمتاً وإن صمتنا قالوا تحدثي
فهـل باب السكوت والصمت كان لنا اصلاً
أم تعـلمـنا الطـاعة في وقت الحـاجة إلى أن تبلدت المشاعر
أنت تقرأ
عنصرية في قلبك/Racism in your heart
Romanceرؤية حلمت دوماً بارتداء رداء الطب الأبيض لتستيقظ على واقعة عملها في مشفى "النامي" كموظفة استقبال براتب بسيط، تدخل في نزاع مع الطبيب حمود الذي لقبته بالعنصري، كيف يمكن لموظفة استقبال ان تغير أفكار طبيب متعصب لآرائه؟