الفصل الثاني:الشكوىشكراً على عهدك الكاذب فقد نِلت منه الضرر
شكراً على جرح قلبي بكبريائك ولك أَدْمُعٌ
شكراً على انتظاري لكلمة حنان فتقدم قسوتك
عُدت إلى غرفة الاستراحة، سحبت كرسي ووضعته امام الفتيات، جلست ثُم أسندت ظهري قُلت بغضب: " اللئيم خصم من رواتبنا خمس مئة ريال "
جلست نادية ارضاً فقالت بخجل:" اه لم نستطع قول شيء، عُقد لساني وقتها!"
كانت نورة تقضم ساندويش الفلافل الثاني حتى قالت بعدم مبالاة :"وماذا اعتقدتم ستربحون القضية مثلاً؟ لو أنّ التي خلفك لم تتحدث ما كان حدث الذي حدث "
زفرت الهواء ثُم اجبتها :" نورة قُلت لكِ سابقاً السبب وراء فعلتي وانتِ لا زلتي تلقي باللوم علي"
أشرت لسامية :" ناوليني ساندويشة الفلافل، وانا اصلاً ما وراي الا ابرر لهالبنت"
نظرت سالمة إلى ساعة يدها: " انتهى وقت الاستراحة"
أردفت نادية :" أجل يجب ان نذهب الان، لا غداء لنا اليوم"
تملكني الغضب في تلك اللحظة فأطلقت صيحتي بشكوى:" اولاً يخُصم من الراتب بلا سبب والان لا نستطيع حتى تناول ساندويشة فلافل بسلام!!!"
التقطت نورة لفافات الساندويش الفارغة ووضعتها في كيس ثُم وقفت :" اخفضي صوتك يا فتاة فلا ينقصنا مُشكلة أخرى ترمينا لعويل ذاك الذئب معكِ"
نورة قصيرة مُمتلئة في نحو الخامسة والعشرون او السادسة والعشرون، لديها نظرة حادة تجعلها جدية في أغلب أوقاتها وغالباً تقول بأنّ هذا الشيء يرجع لقبيلتها وقسوتهم في التعامل، تمتلك لسان سليط يجعل من يدخل في جدال معها يسقط خاسراً رجلاً كان او أمرأه
تنهدت قائلة :" من الافضل أن نذهب يا نادية جوع وحسرة على ما ضاع وهل هناك أسوء "
اما سالمة التي قالت قبل أن تغادر الغُرفة:" لا إله الا الله تفاءلوا يا بنات تفاءلوا"
أطلقنا تنهيد عميق ثُم قلنا:" ان شاء الله"
نختلف عن الاطباء بأشياء كثيرة مثلاً:
حصيلة علمية كبيرة، راتب خيالي، حياة عملية، غُرفة عمليات، ندوات ،استشارات
ونحن مكتب الاستقبال
ولكننا نشترك بحاجة مُلحة لكل من يعمل في المشفى "القلب القوي"، يتمثل هذا الامر بالحالة التي مرت بجانبنا أنا ونادية، كان شخص ضعيف على كُرسي متحرك شعره أشعث يُخفي اعينه، صغير في السن موصل بجهاز تحمله أمه، ردد بغصة وألم :" يا الله ... يا الله... يا الله "
اغمضت عيناي وشعرت وكأن سهم اخترق جسدي، نبرة صوته المتألمة شكوتي التي كانت حقاً لا شيء امام ضعف الجسد، الحمد الله اولاً واخيراً على الصحة والعافية.
زادت حدة صوته المتألمة :" يا الله... يا الله "
رحمتك يا إلهي
مرت ساعات العمل ثقيلة ذاك اليوم، كُنت افكر واتذكر صوته الشاكي...
كُل كلمة كتبتها في ورقة لمراجع، كل ملف اخرجته من المخزن، وُكل سؤال سألته لمراجع كُنت اسمع صراخاته الموجعة :" يا الله ...يا الله"
فُجعت من صوت رنين الهاتف المفاجئ، أخرجته من حقيبتي، كان اسم السائق "حاتم" هو كل ما يغطي الشاشة أجبت، أتتني كلماته سريعاً بصوت غاضب:" أنا في الخارج هيا أخرجي"
نظرت إلى ساعة الجوال، انها فعلاً الساعة الثانية عشر
انتهى الدوام
دخلت السيارة وأقفلت الباب، وقبل أن اسمع اي شكوى منه وتردديه لشريط متكرر من التهديد والوعيد بعدم مجيئه مرة أخرى، دخلت في عالمي الصامت صوته الذي خُفضّ مع انفرادي مع ذاتي
ثُم دخلت إلى عالم آخر خالي من التفكير والمشاكل، عالم استيقظ فيه دون كوابيس طردي منه
عالم لا وجود له
وضعت سماعة الاذن لأسمع اغنية ثائرة بكلماتها
"
هونا عندي حياتي وعندي كل عاداتي
وكبرت كأنو الاحساس بالغربة انولد معي
بطل يساعني جلدي ولا بيساع أحلامي"هل يوجد عالم يحتضن المغترب؟
...........
صوت مزعج اخترق انفرادي:" يـــــــلا انزلي ...هـــاي"
استيقظت من سبات قصير جداً مع عالمي:" اه...وصلنا"
ما بالي انه الواقع
أنت تقرأ
عنصرية في قلبك/Racism in your heart
Romansaرؤية حلمت دوماً بارتداء رداء الطب الأبيض لتستيقظ على واقعة عملها في مشفى "النامي" كموظفة استقبال براتب بسيط، تدخل في نزاع مع الطبيب حمود الذي لقبته بالعنصري، كيف يمكن لموظفة استقبال ان تغير أفكار طبيب متعصب لآرائه؟