ولكن!

81 2 6
                                    

كانت قد نُشرت هذه المقالة قبل سنة مرت، وبالتحديد في مثل هذا اليوم.

تسائل الكثير من أهل القرية حتى أثارت فيهم الجدل، وراح الكل يتهامسون!

"ياترى من هو كاتب هذه الحروف، ولما يؤلب مرة ويداوي في أخراها الجروح.!"

"نحن غرقى في دياجي الظلمات حد الإختناق، فلمسنا منها عطر الأمل بالنجاة يفوح...!"

"نريد المزيد من تلك الحروف علها تُشفى بها الجروح!"

-وصل ساعي البريد بتمام الساعة الثامنة صباحاً عند باب كوخٍ صغير، يقع في أقاصي البلاد، يتوسط مروج خضراء، ساكن هادئ كل شيء فيه!

ما يُسمع فقط حفيفٌ لأوراق الأشجار،  ورفرفات لطائر الطنان وهو يرتشف من رحيق زهور افترشت أرضها.

يقطعها زقزقات عصافير مختلفة الألوان والأصوات، يعقبها صوت خريرٌ لمياه مُنهدرة من أعلى جبل مُخضر بشتى انواع النباتات.

كان يقف هناك الفتى ساعي البريد واضعاً يد على فمه وأخرى على مقبض دراجته الهوائية، وقد اتسعتا حدقتا عينيه لبديع المنظر الذي سلب كل أفكاره، متوجهٌ بها نحو بديعية خلق الله في زمن لانرى فيه سوى الظلام وأكوامٍ من الحطام!

بعدها توجه نحو باب ذلك الكوخ الصغير قارعاً لبابه فخرج منه صوت يقول:

"سلامٌ قولاً من رب رحيم"

فزع الفتى بعد رؤيته وسماعه لكل ماسمع ورأى، أغمض عينيه وقال في نفسه ، هل هذا كوخ مسحور؟ فكل شيء هنا مختلف!"

في هذه الأثناء فُتح الباب وخرجت منه سيدة  تبلغ من العمر مايقارب النيفاً وخمسين عام، صاح بوجها.

"سيدتي هذا الظرف أرسل لصاحب هذا الكوخ..."

"وعلى الطارق سلامٌ من الله ووافر رحمته وكثير البركات..."

قالتها وهي متبسمةٌ  بوجه، كشمس الصباح عندما تسلم على نسائم الفجر.

اخذت منه الظرف وأردفت تقول:

"انا صاحبة هذا الكوخ"

"تفضل بُني واحتسي معي كوباً من الزعفران الساخن، أنا أعده كل صباح بعد ان أُرتل عليه سورة الانشراح سبع مرات...ففيه مافيه من الفوائد، وأراك مرتجفاً واهناً من التعب، يفيدك إن شاء الله كثيراً ، بُني يسعدني قبولك دعوتي"

-ثم أشارة بيدها على طاولة تحت ظل شجرة الصفاف بجوار كوخها الصغير، وقد ملئت رآئحة الخبز المحمص الممتزجة بالزعفران انف ساعي البريد، هدأ بعد هذا الحديث أضطرابه، وراح يومئ برأسه بالموافقة لقبول الدعوة.

فرحت السيدة وراحا يجلسان حول تلك الطاولة.

"اسكب لنفسك كوباً من الزعفران ريثما أطالع فحوى هذه الرسالة"

قالت هذا ومضى كل على بغيته...وبعد صمت طال بضع دقائق.

سحبت نفساً عميقاً ثم زفرته حسرة، كأنها الجحيم في الشهيق والزفير، وترقرقت في طرفها دمعه.

"كنت أسرد حكايات النور على حفيدتي (شجن) انا أناديها بـ(زهرة الصبر) لكثير مانزل بها من ألم وأصبرها بصبر سيد النور حتى حصل ماحصل ذات يوم"

بكت بعدها بصوت أثار انتباه ذلك الفتى، راح يناولها منديلاً بوجه مبتسم وأردف يقول:

"أيتها الجدة اين حكاياتك لزهرة الصبر وانتِ لا صبر لكِ، إن هذا الامر معيب"

ضحكت بصوت ممتزج بمدامع الحزن والخجل.

"بُني...أتعلم ماذا تقول فحوى هذه الرسالة؟"

"انهم يطلبون المزيد من تلك الحكاية التي لانهاية لها...!"

"أيتها الجدة ليس هناك من حكايات لا نهاية لها، انتِ تبالغين في القول اولاً، ثانياً هل بأمكاني ان اطرح عليكِ سؤال"

"هذا ماتظنه؟"

"من الممكن ان يكون حقيقياً لكن بشرط، اذا تغيرت المقادير، ستكون اجمل نهاية لهذا العالم الميت أولاً، ثانياً تفضل أنا اسمعك"

قالتها والأمل راح يُشرق من عينيها كألوان الطيف بعد زخات المطر.

"سيدتي ماسر هذا الباب كيف ينطق ؟ وأين حفيدتك (زهرة الصبر) تلك فأنا أراك وحدك من يقطن هذه المروج...ولا تعلمين كم تكبدت من العناء حتى وصلت إلى محل سكناك؟"

"الباب بلى؛ هو(ناني) ببغائي الأخضر"

"كانت حفيدتي هي من لقنه هذا الذكر عندما يسمع طرق الباب"

"كانت زهرة الصبر تقول: جدتي هذا حارسكِ الشخصي (سلامٌ قولاً من رب رحيم)"

"أما زهرة الصبر ففي سفرهي، اضطرها الزمان ان تبتعد عني لتكمل دراستها هناك، لم توافق الا بعد أن اكملت تدريب ناني، ومعاهدتها على ان اكمل لها سرد حكاية سيد النور كما عَهِدتها ، ولكن..."

-أطبقت شفتيها وراحت تكلم نفسها ...

"أيتها العجوز ماذا تفعلين؟ انه فقط ساعي بريد مسكين، اتركيه وشأنه كي لاتصيبه لعنة حكاياتك بإدمانها...ماذا فعلتِ بزهرة الصبر وهاهي تنتظر في أقاصي البلاد ان تصلها! وكيف ستصل إليها وجريدة القرية لاتنشر الا في السنة مرة واحدة، ويفوق الامر صعوبة هو انكِ فقدتي البصر تقريباً وداء الرعاش ثانياً، لن تتمكني من أمساك القلم، فكيف ستكملين؟"

انتفضت من سُراح افكارها على صوت الفتى وهو يقول:

"سيدتي__سيدتي__"

"نعم؛ بُني!"

"سيدتي ماذا بعد الـ(لكن)؟"

"ولكن اما ترى انك تأخرت عن عملك بُني"

-قالتها وهي ساخرة من نفسها.

"تأخرت بلى؛"

قالها الفتى وراح مهرولاً نحو دراجته.

"سيدتي لكني سأعود غداً لتكملي لي ماذا بعد الـ(لكن)"

قال هذا وانطلق كسرعة الريح والجدة متسمرة مكانها لاتنبس ببنت شفه.

"ماذا فعلتِ أيتها العجوز؟ لقد حلت به لعنة حكاياتك!"

ماذا بعد الـ(لكن)؟!أنتظرونا
___________

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 07, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رحلة سيد النورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن