الفصل الاول - الاسقف

240 8 4
                                    


لا يعلم الناس من أمر الاب شارل فرنسوا ميريل أسقف (برينول) إلا أنه انحدر من اسرة كريمة في (إكس) وأن أباه كان عضوا في مجلس النواب، وقد زوجه أبوه في سن العشرين، وعني بإعداده لكي يخلفه في كرسي النيابة كما هي العادة في بعض الأسر.

لكن الفتى كان وقتئذ متين البناء، رشيق القامة، سريع الخاطر، ممتلئاً قوة وفتوة، فآثر دنياه على دينه، وقضى ايام شبابه الاولى في إشباع شهواته الدنيوية.

ثم نشبت الثورة الكبرى، وتبعثرت الأسر العريقة، فرحل شارل ميريل بزوجته الى ايطاليا.

وهناك أصيبت الزوجة بذات الرئة، وقضت نحبها دون أن تنسل.

ولا أحد يعلم على وجه التحقيق نوع الأزمات والكوارث التي تعرض لها شارل ميريل بعد ذلك . فكل ما يعرفه الناس عنه أنه ، عندما عاد من إيطاليا ، كان يرتدي ثياب القس.

كان قد تقدم في السن وركبته الشيخوخة ، واستحال رجلاً آخر، فأقام في بريتول مع اخته الآنسة (باتستين) وخادمته مدام (ماجلوار) لم تكن باتستين على شيء من الجمال ، فهي طويلة القامة نحيفة الجسم شاحبة اللون، ولكنها وقفت كل حياتها على العبادة والابتهال وعمل الخير ، فخلع عليها ذلك كله مع تقدمها في السن شيئا من النقاوة وجمال التقوى.

وأما مدام ماجلوار فقد كانت قصيرة بدينة لاهثة الأنفاس على الدوام لسببين ، أحدهما نشاطها وخفة حركتها ، وثانيهما إصابتها بأزمة تنفسية مزمنة.

أقام الأب ميريل في قصر الأبرشيته ، وهو قصر عظيم شيد في بداية القرن السابق واحيط بحديقة واسعة ، وكان أول ما فعله أنه زار مستشفى المدينة فالقاه قديما ضيقا لا يكاد يتسع للمرضى ، فانتقل إلى المستشفى ، ونقل المرضى إلى القصره.

لم يكن الرجل ذا ثروة ، فقد عصفت الثورة بأملاك أسرته ، وبقي لأخته إيراد سنوي لا يتجاوز خمسمائة فرنك ، وعلى هذا الإيراد كان الأب ميريل يعتمد في نفقاته الشخصية.

أما مرتبه بصفته أسقف بريئول - وهو 15 ألف فرنك في العام - فإنه رصده جميعه لأعمال الخير والبر للفقراء وإغاثة الملهوفين، ورتب ميزانيته على هذا الأساس ، وعرضها على شقيقته باتستين ، فابتسمت وافقت عليها في الحال ، ذلك لأن هذه المرأة الملائكية كانت ترى في الأب ميريل أخاها وقسها في وقت واحد . فهي تحبه ، وتحترمه ، وتحني رأسها إذا تكلم ، وتوافق إذا فعل.

وكان للأسقف إيراد آخر غير محدود من المناسبات المتصلة بأعمال الكنيسة ، كالزواج والعماد وغيرهما . . وفي هذه المناسبات كان الرجل يلح في تحصيل أجره من الأغنياء ، لا لشيء إلا ليوزعه على الفقراء.

ثم كانت له بحكم عمله مركبة خاصة ، فتبرع بها لنقل المرضى الى المستشفى . وراح يقوم بزياراته إلى كنائس أبرشيّته المترامية الأطراف سيرا على قدميه.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 19, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

البؤساء ( فكتور هيجو ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن