بدأ هيجو كتابة روايته سنة 1845 ، وبعد ثلاث سنوات ، توقف مدّة طويلة ، قبل أن يعاود كتابتها ويصدرها سنة 1862
وقد مهد المؤلف لكتابه بإيجاز ، قال: ما دام في العالم ، بفعل الشرائع والعادات ، ظلم اجتماعي بخلق في صميم الحضارة ، ضروبا من الجحيم ، ويعقد القدر الإلهي بقدر بشري مصطنع ، وما بقيت من دون حل المشكلات الثلاث الأساس في العصر : انحطاط الإنسان في الطبقات الدنيا، وسقوط المرأة بسبب الجوع ، وذبول الطفولة في ليل الضياع والبؤس ، وما دام على الأرض جهل وشقاء ، فإنه كتباً من هذا النوع ، لا يمكن أن تكون بلا جدوى.بهذا الإيجاز رسم الكاتب المعالم الكبرى لروايته ، ناقماً على الشرائع البشرية والتقاليد الاجتماعية التي تقع ضحاياها مجموعة من الناس هم البائسون المغالبون مصائرهم وأولئك التابعون أقدارهم على حد سواء.
وفي هذا الإطار الشامل ، وضع المؤلف عمله الضخم الذي جمع فيه قضايا السياسة والتاريخ والمجتمع ، والواقعية والمثالية ، والتأملات الفلسفية ، وما يعتمل في نفس الإنسان من تأزم وصراع ، ففي (البؤساء) تصوير للتيارات السياسية المتنازعة بين الملكية والديمقراطية، ودلالات تاريخية كمعركة واترلو وأحداث باريس1930،1932،1948، . . وفيها نقد للصحافة التي تروي الخبر بلا تتبع ، لإهمال أو لأهداف معينة ، فتقلب الحقائق إلى نقيضها ، وفيها نقد للمحاكمات القضائية التي تستند إلى أوهام الشهود ، وتصدر الأحكام على أبرياء ، بجمرائم سواهم ، وفيها نزعة انسانية ديمقراطية، فمقابل البرجوازي المنعم شعب معذب مقهور، مغلوب على أمر، وأزاء رذائل الأشخاص المرموقين فضائل الباسين ، المنحطين طبقيا، المحكومين ظلماً ، والفتيات المرغمات على الضياع ؟ وتجاه طبقة النبلاء والقادة حملة الألقاب ، مجرمون وأشقياء ولصوص . . . وفي الرواية : فضلاً عن كل هذا المزيج ، مختلف فئات الأعمار، وغير ذالك صور التناقض الاجتماعي بين الطفلتين تينارديه المنعمتين وكوزيت البائسة التي جعلها رمزاً لمأساة الطفولة في المعاناة الجسدية والإذلال المعنوي والحرمان ، و صور مرحلة الشباب في مظهرين متاقضين : حياةً لاهية غير المسؤولية ثم حياة جادة في مناقشة القضايا السياسية وتهيئة الثورة والتضحية في سبيل المبادئ العليا.
و (البؤساء) رواية فلسفية و دينية وماورائية تمثل التوبة ونهوض الإنسان بالندم والتكفير الوطوعي وهي رواية نفسية في تصوير أشد الحالات تأزماً في أعماق الذات : موقف جان فالجان بين المجد وعذاب الضمير ؛ موقفه جافير بين الواجب و عرفان الجميل؛ موقف ماريوس بين القبض على مجريم من جهة والوفاء لوصية أبيه من جهة اخرى ، وهي رواية غنائية (من حيث النوع الأدبي ) بما عرضت من خواطر وما وضعت من مشاعر انسانية كالعاطفة والحقد والحب والأمومة والبنوّة , ۰۰ وغنائية كذلك من خلال الظلال الشخصية التي ألقاها الكاتب على بعض شخصياته ( ماريوس، جان فالجان . . . ) ، وفيها تلتقي المثالية ( النادم المثالي جان فالجان ، والشرطي المثالي جافير ، والثائر المثالي أنجولراس . . . ) بواقعية الوصق (البيئات البرجوازية والتقاليد الشعبية والأحياء والأزقة ، والمجاري تحت مدينة باريس ) حتى قال غوستاف لاتسون ( Ci ، LANSIN ) إن واقعية (إميل زولا) تجد جذورها في رواية (البؤساء) قبل أي مؤلف آخر.
وفي الرواية تتلاقى الموضوعات المختلفة ، والأشكال و الأنواع الأدبية من شعر ونثر والمذكرات وتاريخ وتوثيق ، وفيها وثبات ملحمية وانطلاقات خيالية ، كل ذلك في تكامل و ائتلاف ، وعبر تفاعل مستمر أو مقطع بين النماذج الإنسانية التي جسدتها شخصيات روايته.
أنت تقرأ
البؤساء ( فكتور هيجو )
Fiksi Sejarahالبؤساء أو البائسون (بالفرنسية: Les Misérables) رواية للكاتب فكتور هوجو نشرت سنة 1862، وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إنه يصف وينتقد في هذا الكتاب الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832.[...