البؤساء (1863)

221 4 0
                                    

بدأ هيجو كتابة روايته سنة 1845 ، وبعد ثلاث سنوات ، توقف مدّة طويلة ، قبل أن يعاود كتابتها ويصدرها سنة 186‪2
وقد مهد المؤلف لكتابه بإيجاز ، قال: ما دام في العالم ، بفعل الشرائع والعادات ، ظلم اجتماعي بخلق في صميم الحضارة ، ضروبا من الجحيم ، ويعقد القدر الإلهي بقدر بشري مصطنع ، وما بقيت من دون حل المشكلات الثلاث الأساس في العصر : انحطاط الإنسان في الطبقات الدنيا، وسقوط المرأة بسبب الجوع ، وذبول الطفولة في ليل الضياع والبؤس ، وما دام على الأرض جهل وشقاء ، فإنه كتباً من هذا النوع ، لا يمكن أن تكون بلا جدوى.

بهذا الإيجاز رسم الكاتب المعالم الكبرى لروايته ، ناقماً على الشرائع البشرية والتقاليد الاجتماعية التي تقع ضحاياها مجموعة من الناس هم البائسون المغالبون مصائرهم وأولئك التابعون أقدارهم على حد سواء.

وفي هذا الإطار الشامل ، وضع المؤلف عمله الضخم الذي جمع فيه قضايا السياسة والتاريخ والمجتمع ، والواقعية والمثالية ، والتأملات الفلسفية ، وما يعتمل في نفس الإنسان من تأزم وصراع ، ففي (البؤساء) تصوير للتيارات السياسية المتنازعة بين الملكية والديمقراطية، ودلالات تاريخية كمعركة واترلو وأحداث باريس193‪0،1932،1948، . . وفيها نقد للصحافة التي تروي الخبر بلا تتبع ، لإهمال أو لأهداف معينة ، فتقلب الحقائق إلى نقيضها ، وفيها نقد للمحاكمات القضائية التي تستند إلى أوهام الشهود ، وتصدر الأحكام على أبرياء ، بجمرائم سواهم ، وفيها نزعة انسانية ديمقراطية، فمقابل البرجوازي المنعم شعب معذب مقهور، مغلوب على أمر، وأزاء رذائل الأشخاص المرموقين فضائل الباسين ، المنحطين طبقيا، المحكومين ظلماً ، والفتيات المرغمات على الضياع ؟ وتجاه طبقة النبلاء والقادة حملة الألقاب ، مجرمون وأشقياء ولصوص . . . وفي الرواية : فضلاً عن كل هذا المزيج ، مختلف فئات الأعمار، وغير ذالك صور التناقض الاجتماعي بين الطفلتين تينارديه المنعمتين وكوزيت البائسة التي جعلها رمزاً لمأساة الطفولة في المعاناة الجسدية والإذلال المعنوي والحرمان ، و صور مرحلة الشباب في مظهرين متاقضين : حياةً لاهية غير المسؤولية ثم حياة جادة في مناقشة القضايا السياسية وتهيئة الثورة والتضحية في سبيل المبادئ العليا.

و (البؤساء) رواية فلسفية و دينية وماورائية تمثل التوبة ونهوض الإنسان بالندم والتكفير الوطوعي وهي رواية نفسية في تصوير أشد الحالات تأزماً في أعماق الذات : موقف جان فالجان بين المجد وعذاب الضمير ؛ موقفه جافير بين الواجب و عرفان الجميل؛ موقف ماريوس بين القبض على مجريم من جهة والوفاء لوصية أبيه من جهة اخرى ، وهي رواية غنائية (من حيث النوع الأدبي ) بما عرضت من خواطر وما وضعت من مشاعر انسانية كالعاطفة والحقد والحب والأمومة والبنوّة , ۰۰ وغنائية كذلك من خلال الظلال الشخصية التي ألقاها الكاتب على بعض شخصياته ( ماريوس، جان فالجان . . . ) ، وفيها تلتقي المثالية ( النادم المثالي جان فالجان ، والشرطي المثالي جافير ، والثائر المثالي أنجولراس . . . ) بواقعية الوصق  (البيئات البرجوازية والتقاليد الشعبية والأحياء والأزقة ، والمجاري تحت مدينة باريس ) حتى قال غوستاف لاتسون ( Ci ، LANSIN ) إن واقعية (إميل زولا) تجد جذورها في رواية (البؤساء) قبل أي مؤلف آخر.

وفي الرواية تتلاقى الموضوعات المختلفة ، والأشكال و الأنواع الأدبية من شعر ونثر والمذكرات وتاريخ وتوثيق ، وفيها وثبات ملحمية وانطلاقات خيالية ، كل ذلك في تكامل و ائتلاف ، وعبر تفاعل مستمر أو مقطع بين النماذج الإنسانية التي جسدتها شخصيات روايته.

البؤساء ( فكتور هيجو ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن