الجزء الأول

69 1 0
                                    

الفصل الأول

*حسناً، عليّ ان اجمع أفكاري و افكر بعقلانية، انا ثناء، تزوجت حبيبي في سن صغير لننجب أجمل هدية و ذكرى منه، سهيلة ابنتي و هي برائة العالم التي لم أراها إلا في عينيها الصغيرتين، رحل زوجي ليتركني اعاني الامرّين، فراق حبيبي و تربيتي لذكرانا، و تشتت العالم و اضطراري لمحاولة جمع السلام المبعثر في العالم المظلم.
و للأسف (كما هو واضح) لم أنجح في أي منهما و ها أنا أُعاني لأجد طريق النجاة، لأعود لحضن ابنتي و برائتي، لأمي الحنونة و إخوتي الأحباء.*

منال : ثناء، ثناء عزيزتي استيقظي! الشمس أشرقت.

*انا ثناء، ابنة الخير و الشر، ابنة الرحمة و القسوة، عشت من عمري ١٨ سنةً تائهة، و ٤ سنين لعينة ملعونة، و سنة و بضع شهور سعيدة طيبة كوردة الجوري. ثم عدت ثانيةً للعنة الايام و ها أنا ضائعة فيها.*

منال : ثناء، هيا استيقظي!

*مازلت اذكر ضحكة حبيبي، براءة ابنتي، حنان امي. أين ذهب كل هذا؟
تفتح ثناء عينيها و تنظر لصديقتها، هل فعلاً يمكنها الوثوق بها الآن؟*

ثناء : لقد استيقظت يا منال، كفي عن الصراخ رجاءً.

منال : نومٌ هذا ام غيبوبة؟ انا سأخرج الآن للعمل، هل تريدين شيئاً؟

ثناء : شكراً عزيزتي، أراكي لاحقاً!

*تخرج منال من المنزل و تنهض ثناء لتقوم بالروتين الخاص بها، تغسل وجهها، تبكي على ابنتها، ترتدي ملابسها، تبكي على امها، تحضر فطورها، تبكي على اخوتها، تفتح الباب لتخرج، تذكر كرم لكن لا تبكي، هو معها في كل مكان و زمان.
هل تتسائلون ما الذي حدث في العالم كي تعود ثناء الضعيفة و تفقد كل ما حاربت للحصول عليه؟
بعد سنتين عاشت ثناء في حضن امها تدلل ابنتها الوحيدة، تحكم أقوى منطقة لمناهضة الحكومة الظالمة.
قررت الحكومة ان تنهي اي مقاومة، بمبدأ نحن أو لا أحد اجتمعوا مع كل مَن هَب و دَب ليجمعوا اكبر عدد من كارهي المقاومة، ثم هجموا على المقاومة في أسبوع دامي اسود مات فيه الكثير و تشرد الكثير.
ليحولوا العالم الواسع إلى مناطق آمنة و مناطق غير آمنة، تلك الغير آمنة هي اراضي شاسعة واسعة مُقسَمة لقبائل مُعادية لبعضها كارهة كل الكوكب.
أما المناطق الآمنة فصارت ذات أسوار عالية رافضة استقبال اي احد خوفاً على سكانها من انتهاء الموارد و من الانقلابات الداخلية، صارت كما كانت البلاد سابقاً لكن مع فرق عدم هجومهم على الإنسانية، لعل ذلك هو الشئ الوحيد الذي نجحت فيه ثناء لكن لم تنعم به يوماً.*

                                     "عودة للماضي"

*صوت طلقات النار و الصواريخ في كل مكان، البيت ممتلئ بالغيوم الترابية بعد تهدم نصفه، رائحة الدم و الموت و البارود تكاد تزكم الانوف، صوت نبضات القلب تصم الإنسان من علوها. تسقط والدة ثناء على الأرضية، تجري ثناء بإتجاه امها و هي تحمل طفلتها، تساند امها لتقف و يدخل يونس اخو ثناء المنزل المتهدم ليساند امه و اخته بعد أن لم يستطع حمايتهم، ما أن يخرج الام بأمان حتى تعلق قدم سهيلة الصغيرة في الحطام الخشبي و يكاد يسقط السقف عليها لولا احتضان امها لها، تتلقى ثناء صدمة السقف و يغمى عليها، يجلس أخاها يونس بجانبها على الأرض يبكي و لا يعرف ما الذي عليه فعله، تفتح ثناء عينيها لتخبره انها لن تستطع النهوض، تعطيه ابنتها و توصيه بها خيراً، ثم تغمض عينيها مرة أخرى.
يحاول يونس ان يرفع اخته عن الأرض و يرحل بها لكن لا يستطيع فنصف جسدها السفلى انحشر تحت السقف، يرى مجموعة من الناس يقتربون فيضطر ان يرحل ليحمي ابنة اخته، لكن يضع هيكلاً خشبياً على أخته كي لا يراها احد.
بعد ساعات تدخل منال المصابة لمنزل ثناء المٌهدَم، ترى قطعة من الخشب تحتها كف يد، ترفعها لتجد ثناء يغطيها التراب و على وجهها أثر بكاء، يأتي ياسين و يحملها للخارج بعد أن يساوم منال على مساعدتهم مقابل ان تعد له، و منذ استيقظت ثناء و هي تعيش مع منال و ياسين، الظاهر للناس انهم عائلة بعد العائلة و الباطن انهم لعنة بعد اللعنة!
كما الماضي في وقت صداقتهم حين كانت منال انسانة، الفرق ان منال ليست انسانة و لن تكن، شيئ ما انكسر في تلك الصداقة و لن يُصلَح مهما ارتدت منال الأقنعة.*

                                   "عودة للحاضر"

*تتنهد ثناء و هي تنظر لباب منزل منال، تنظر أمامها لترى مجموعة من [اللاعنين] كما تسميهم هي أو [الحاميين] كما يسمون أنفسهم، هم كالحماة للقبيلة، لكنهم يعتبرون ثناء جاسوسة متسببة في انتهاء نعيمهم (نعم يظنون انه كان نعيماً) و لولا منال و ياسين كانوا ليقتلوا ثناء منذ زمن.
اللعنة، هكذا فكرت ثناء، إذا رآها أحدهم (خصوصاً مع علمهم بعدم وجود منال بالمنزل) سوف يقتلونها لا محالة، عليها الهروب و بسرعة.
تقفز ثناء من مُرتَفَع لغيره حتى تصل للسطح، تقفز منه لسطح المنزل المجاور (فكل البيوت لا يتعدى طولها الدورين) ثم تهبط منه للأرض، تفرح بهروبها منهم لكن لا تلاحظ ما أمامها لتصطدم بأحدهم، احد الحاميين!*

الشخص : أهلاً أهلاً ثناء! ما الذي تفعلينه بدون حاميتك؟ ألا تعلمي اننا قد قررنا ان نقتلك ما أن نراكي بعيدةً عن صديقتكي العزيزة؟

*يقول الشخص ذلك بصوت عالي ليلتفت له باقي الحاميين الملاعين، تنظر له ثناء برعب و تراهم يصنعون حلقة حولها ليمنعوها من الهروب، تجري بإتجاه اضعفهم لتهاجمه و تجري بعيداً عنهم، يجرون ورائها كثيراً حتى تصل لحدود ارض القبيلة، تتسلل بجسدها الضئيل من الأسلاك الشائكة التي تجرحها ولا تبالي، يقفوا جميعاً امام السور و هم يتوعدون لها حين تعود.
تأخذ ثناء نفساً عميقاً و تقف على احد قمم الجبال، تخرج سهماً و قوساً من حقيبتها، فهي تعمل كصائدة حيوانات، تصطاد الغزلان و الأرانب من الغابة الواسعة و تبيعهم لتحصل على ما يكفيها من المال.*

شخص : أهلاً بالمصيبة جالبة المشاكل و اللعنات!

*ترتعب ثناء بمجرد سماع الصوت المألوف، لقد قفز ورائها حقاً، لقد أتى لقتلها فعلاً.*

أين السبيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن