فى الوقت الحالى
بأحد احياء القاهرة الشعبية يستيقظ حمزة باكرا كعادته وبعد أن انهى صلاته بدل ملابسه بملابس رثة بعض الشيء ليتوجه بعدها خارج غرفته فيجد والده الحاج محمد وشقيقه حازم يتناولان الفطور الشعبى البسيط المكون من الفول والطعميه والجبن مع بعض أوراق الجرجير الطازجة
( حمزة شاب فى السابعة والعشرين من عمره مكافح وبسيط رغم انه مقتدر ماليا عمل متذ صغره بمحل العطارة الخاص بوالده فأصبح ماهرا حذقا بعلومها تخرج من معهد تجارى ليطمئن والده ويتقاعد تاركا حمزة يدير له تجارته بينما حازم الشقيق الاصغر والاكثر وسامة وجاذبية يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما تخرج بعد معاناه من كلية
الاداب وقد كان حازم مدلل والدته رحمها الله والتى توفت منذ عامين يعمل حازم مع شقيقه الاكبر بمحل العطارة لكنه لا يهتم كثيرا لاجل العمل بل همه الاكبر هو الفتيات المترددات على المحل )
حمزة: صباح الفل يا حاج
محمد: صباح الخير يا حمزة عامل ايه يابنى ؟
حمزة: بخير يا حاج طول ما انت راضى عنى
محمد: ربنا يرضى عليك يا بنى ويفتحها فى وشك
حمزة وهو يتناول قطعة من الخبز ويضع بها قطعة من الطعمية الساخنة ويهم بإلتهامها : ها ياحازم نازل معايا دلوقتي
حازم: لا يا عم لسه بدرى انا كنت سهران مع اصحابى وهقوم انام وبعدين حد هيشترى عطارة على الصبح كدة
حمزة: يا سيدى احنا نفتح باب الرزق وربنا يبعت
محمد: اخوك عنده حق يا حازم
حمزة بحنان: سيبه يا بابا يدلع له يومين ماهو الصغير بردوا
مد حمزة يده ليعبث بشعر حازم ليضايقه وهو يقول: ابقى انزل براحتك يا حزومى
حازم بغضب وهو يرتب شعره بيده: والله انت رخم
انطلق حمزة وهو يبتسم لغضب أخيه الطفولى وهو يقول: ادعى لى يا حاج
★★_★_
بعد نصف ساعة بشقة متواضعه بنفس الحى
ماسة فتاة فى الثالثة والعشرون من عمرها انهت دراستها الجامعية منذ عام لها اخ وحيد يكبرها بخمس سنوات يعمل محاسب بأحدى الشركات الاستثمارية الكبرى ورغم ذلك فهو يرفض الانتقال عن شقة والده المتواضعة ويرعى امه وشقيقته الصغرى فقد توفى والده منذ سنوات
ماسة: ماما انا نازلة اجيب فلفل اسمر وجاية
عواطف: وبعدين يا ماسة يا بنتى هاتى حاجتك على بعضها مش كل شوية طالعة نازلة اخوكى بيزعل
ماسة: وانا يا ماما بروح فين بس دا انا من يوم ما خلصت الجامعة وانا قاعدة فى للبيت يادوب بجيب الرفايع اللى تنقص
عواطف: ايوة انكرى زى القطط يا بت مش اخوكى بيخرجك ويفسحك
ماسة: ماقلتش حاجة يا ست الكل بس انا معرفش اشترى كيلو طماطم حتى
نظرت لها عواطف بإستسلام وقالت: هاتى اللى يقضيكى لحد ما اخوكى ياخد اجازته يوم الجمعة وينزل يجيب الطلبات
ماسة وهى تقبل والدتها بسعادة: حاضر يا ماما ومش هتأخر
اسرعت تلف حجابها بإحكام فوق عباءتها الواسعةوهرولت نزولا بسعادة فهى سترى حمزة دائما ما تختلق
الاسباب لرؤيته لاحت ابتسامه على ثغرها وهى تتذكر كيف خبأت حبات الفلفل لتأذن لها والدتها بالنزول
وهى تهمس لنفسها: اه يا حمزة لو تعرف بحبك قد ايه انت السر الوحيد اللي بخبيه فى قلبى
*********
يجلس حمزة بباب المحل فنادرا ما يتوافد الزبائن في مثل هذا الوقت لكنه يبكر دائما كما إعتاد منذ ايام دراستها ليراها ....هى لم تعد تخرج كثيرا لكنها احيانا تتوجه لشراء بضعة اشياء وهو يعيش على امل هذة
الأحيان التى يسترق فيها النظر إليها عله يطفئ شوقه لها وكم تمنى أن يتقدم ليخطبها فتصير زوجة له لكن
لحصوله على مؤهل أقل منها يخشى رفض اخيها له
يتمنى كلما رأها أن يتحلى ببعض الشجاعة فيسألها رأيها فيه لكن شجاعته دائمة الهروب بحضورها
تهللت اساريره وهو يراها مقبلة بإتجاه متجره هل هى قادمة نحوه حقا ؟؟ ام أن شوقه يخدعه ككل يوم!!
لكنها تقترب حقا حتى اصبحت امامه
ماسة: السلام عليكم
حمزة بإبتسامة مشىرقة: وعليكم السلام اهلا بست البنات ازيك يا انسة ماسة ؟
ماسة بخجل: الحمد لله فى نعمة
حمزة: والشيخ تاج اخباره ايه؟
ماسة: الحمد لله بخير هو حضرتك مش بتشوفه ولا ايه؟؟
حمزة: لا بشوفه بي احب اطمن ....تحت امرك طلباتك ايه؟؟
ماسة: الامر لله عاوزة فلفل اسود
تحرك حمزة سريعا وهو يتمتم : من عنيا حالا
حضر لها الفلفل ومد يده بالكيس فقالت: ايه كل ده؟؟
حمزة ببساطه: دى الكمية اللى بياخدها الشيخ انا حافظ طلباتكم صم
ابتسمت ماسة فمد يده بكيس اخر وهو يقول: ممكن تدى ده للشيخ لحد ما اقابله
تناولت منه الاكياس برحابة وهى تمد يدها بالمال ليقول بحزم: لا والله انا هأحاسب الشيخ لما اشوفه
ماسة: لا ماينفعش ماما تزعل
حمزة بإصرار: والله ما يحصل انا هأحاسب الشيخ لما اشوفه والله
ماسة بخجل: طيب عن اذنك
همت بالانصراف قبل أن يخرج قلبها من صدرها مناديا بأسمه .لكنه يتمنى لو تبقى للحظات بعد فأسرع يوقفها قائلا بلهفة واضحة: انسة ماسة
نظرت له ليتوه بين عينيها وهى تقول برقة غير مصطنعة: نعم
اخفض عينيه عن وجهها وهو يقول: سلمى لى على الحاجة ...مالكيش اى طلبات تانية ؟
ماسة: الله يسلمك يوصل إن شاء الله
وهمت بالانصراف مرة اخرى قبل أن تتوقف ثانية فتتعلق عينى حمزة بها وهى تقول: كنت عاوزة ميه ورد
اسرع يلتقط احدى الزجاجات ويقدمها لها بحب وهو يقول: اتفضلى ده احسن نوع فى السوق طبيعية ومركزة نقطتين بس على كوباية الميه
ماسة: لا انا هغسل بيها وشى
رفع عينيه مكرها من شوقه الجارف وهو يردد بلا وعى : تبارك الله وشك مش محتاج حاجة والله
احاطت عينيه بوجهها الخمرى الذى لا تغيب عنه النضارة والحمرة الطبيعية الخلابة ليظهر توترها فيزيد وجهها حمرة وقلبها يكاد يقفز فرحا ايتغزل بها حمزة!!!
هل يشعر بما تشعر به؟؟؟؟
اسرعت تفر من امامه هاربة بقلبها الثائر وهى لا تدرى انها حين غادرت صحبها قلبه العاشق
**********
خرج حازم من المنزل يخطو مزهوا بنفسه وسط الحارة الشعبية التى يرى انها لا تليق به يرتدى ملابسه الانيقة
التى لا تتناسب مطلقا مع العمل بمحل العطارة تفوح منه رائحة عطره الرجولى النفاذ لتتعلق به عيون الصغيرات الحالمات بفتى الاحلام الوسيم يخطو بثقة فهو غير مهتم لامر العمل فشقيقه الاكبر يقوم بكل العمل نيابة عنه ويتفرغ هو لمغازلة الفتيات وكثيرات من يترددن على المحل لسماع كلماته المعسولة وهو كذلك لا يتردد فى اغداقهن بإعجابه الزائف رغم ضيق حمزة من افعاله التى فسرها حمزة بحسن نيه طيش شباب فأخيه الاصغر يعرف حدود الله او قد يكون يظن ذلك
وصل حازم للمحل اثناء مغادرة ماسة ليرمقها بنظرة متفحصة لم تنتبه لها ولا له وهذا اكثر ما يثير غضب حازم الا تلتفت إليه فتاة ،فوقف ينظر لاخيه وعينيه تلهثان بأثر ماسة الراحلة فيجده ايضا غير منتبه لوجوده فيقف امامه ليمنعه من رؤيتها قائلا بتهكم: روحت فين يا عم التقيل ؟؟
نظر له حمزة بحرج وقال: الله حازم ايه نزلك بدرى!!
حازم: الحاج محمد يا سيدى صمم انزل وراك
والتفت للاتجاه الذى سارت به ماسة وقال: مش دى اخت الشيخ بردوا؟
حمزة بهيام: اه هى
مصمص حازم شفتيه وقال بتهكم: اتاريك بتفتح بدرى !!
دقق النظر لعينى حمزة وقال: تحب اظبطهالك ؟؟
حمزة بغضب: حازم كله الا دى اياك تقرب منها انت فاهم؟؟
ضحك حازم وقال: الله دا انت واقع بقى !!!
حمزة ولم يفارقه الغضب : خليك في حالك يا حازم واتقى ربنا فى بنات الناس
اخرج حازم علبة سجائره امريكية الصنع بلا اكتراث وهو يقول: وانا مالى هو انا بجرى وراهم هم اللى بيرموا نفسهم عليا
حمزة: علشان انت بتعشمعم يا حازم واتقى الله
حازم: سيبك انا رايح القهوة اشرب سيجارة وجاى لو عوزتنى رن عليا
هز حمزه رأسه بأسف : ربنا يهديك ويتوب عليك يا حازم
انصرف حازم دوو أن يستمع لاخيه
***********
عصرا
جلست ماسة برفقة والدتها وأخيها يتناولون طعام الغداء فى صمت حتى قال تاج: عاملة ايه يا ماسة مرتاحة انشغلت عنك الاسبوع اللي فات معلش
نظرت له ماسة بحب وقالت: الحمد لله يا تاج انا كويسة بس زهقت من القعدة فى البيت
تاج بحنان: تحبى تخرجى يا حبيبتي تعالى افسحك يوم الجمعة
ماسة بسعادة: ياريت يا تاج بس انا كمان عاوزة اشتغل
تاج بحزن: ليه يا ماسة ناقصك حاجة؟
ماسة: مش ناقصنى حاجة ربنا يبارك لى فيك يا تاج بس انا زهقانة
ابتسم وقال : يا ستى بكرة ربنا يرزقك بالزوج الصالح اللي يشغلك ونفرح بيكى
عواطف بلهفة: يارب نفسى افرح بيكم انت واختك يابنى
تاج بمزاح: ماتخافيش يا ماما مش هنعنس
عواطف: ايوة كل ما اكلمك تقولى مش هنعنس واديكم قاعدين جمبى انتو الاتنين
تاج: يا امى لسه بدرى ولا انتى زهقتى مننا خلاص
عواطف بحنان: يا حبيبي عاوزة افرح بيك طيب انوى انت بس وانا اخطب لك ست البنات
نهض تاج معلنا نهاية الحوار هو يقول: إن شاء الله يا امى
ثم ربت على رأس اخته بحنان وقال: ماسة لو سمحتى هاتى لى الشاى جوة عاوز اتكلم معاكى شوية
(تاج شاب ملتزم دينيا واخلاقيا لم يعرف بعمره فتاة ولم يتحدث لفتاة خارج نطاق العمل يحظى بإعجاب الكثيرات من زميلاته بالعمل الا انه لا يلتفت لاحد لقبه اهل الحى ب الشيخ تاج لانه ملتحى يحفظ القرآن الكريم كاملا ويؤم الصلاة في حال غياب الامام واحيانا فى حضوره فقد انعم الله عليه بصوت عذب رخيم يحرك القلوب لم يفكر في الارتباط ورغم ذلك لا يكف عن الدعاء بأن يرزقه الله بالزوجة الصالحة)
**********
نفس التوقيت بمنزل حمزة
استغل حمزة قلة الزبائن ليعود لتناول الطعام برفقة والده
حمزة: السلام عليكم
محمد: وعليكم السلام تعالى يا حمزة حماتك بتحبك تعالى اتغدى معايا
نظر حمزة للطعام بسعادة وقال: ايه ده محشى مرة واحدة احنا عندنا عزومة ولا ايه مين اللى طبخ
محمد: عمتك يا سيدي جت تقعد معايا النهارده شوية لقتنى هسلق الفرحة واعمل رز مخلصهاش وعملت لكم محشى
تناول حمزة شيئا من الطعام بتلذذ : والله وحشنا المحشى من بعد ماما الله يرحمها اتبهدلنا
ظهر الحزن على وجه محمد وقال: الله يرحمها ويحسن إليها احنا بعدها مش عارفين نعيش
حمزة بأسف: انا اسف يا بابا مقصدش افكرك
محمد: وانا امتى كنت نسيت؟؟
نظر لابنه بحنان وقال: مش آن الاوان بقى نفرح بيك يا حمزة ؟؟
ظهر الخجل على وجه حمزة : والله يا حاج كنت عاوز افاتحك فى الموضوع ده
محمد بإهتمام: ده يوم المنى يابنى وحاطط عينك على حد ولا بتفكر بس ؟
ابتسم حمزة ولم يجب فقال ابيه: يابنى بطل الكسوف ده هو فى راجل بيتكسف انا مش فاهم انت بتتعامل مع الزباين ازاى
حمزة بنفس الابتسامة الخجلة: هو انا هتجوز الزباين يا حاج انا بعامل الناس بما يرضى الله
محمد بإصرار: ها ماقلتش عينك على مين ؟؟
حمزة بنفس الخجل: الآنسة ماسة بنت عم السيد شرف الله يرحمه اخت الشيخ تاج
ضحك محمد: خلاص يابنى عرفتها
نظر له حمزة بترقب فقال: والله يا حمزة يا زين ما اخترت طيب ما اخوها صاحبك خد منه معاد ونروح نزورهم
حمزة بفرح: بجد يا بابا يعنى انت موافق؟؟
محمد: طبعا موافق دا احنا ناخدها من وش اخوها السمح وكفاية
حمزة: بس انا خايف ما يرضوش بيا
محمد: ليه يابنى هو انت تتعيب؟؟
حمزة: اصلها مخلصة جامعة وانا يعنى معهد سنتين
محمد: لا يابنى مش الناس دول اللى يفكروا كدة ...اتوكل انت بس على الله وفاتح اخوها
**********
فى منزل تاج
طرقت ماسة باب غرفة اخيها فسمعته يرتل آيات القرآن بصوته الرخيم فدلفت للغرفة بهدوء فصدق ووضع المصحف الشريف على حامله وهو يبتسم لها بحنان: تعالى يا ماسة اقعدى جمبى عاوزك
انصاعت فورا لرغبة اخيها وجلست بجواره فضمها بحب وربت على ظهرها بحنان : حبيبة قلبي اللى كل شوية انسى انها كبرت وبقت عروسة
ماسة بتوجس: لو فينا من عروسة فأنا عيلة علفكرة
ضحك تاج : ما انا كل ما انسى يجى عريس يفكرنى أن عندى عروسة زى القمر
تجهم وجهها وانقبض قلبها ليظهر انقباضه على وجهها فورا وهى تردد: عريس !!
لم يخفى عليه نبرة الحزن بصوتها لكنه قال: ايوة عريس ...انتى بردوا مش عاوزة تقابلى عرسان ؟؟ ده زميلى فى الشغل وانسان خلوق
ماسة: اقابله ليه وانا رافضة الفكرة ؟؟
مد كفه ليربت على رأسها بحنان ويرفع وجهها الحزين ليقول: مالك يا ماسة ؟؟ فيكى ايه يا قلبى !! افتحى لى
قلبك
ماسة بخجل: ماليش يا تاج
احاط وجهها بكفيه وقال: انتى قلبك متعلق بحد؟؟؟؟
اطرقت خجلا ولم ترد فإبتسم بحنان وقال: طب قولى لى مين
لم تجب فقال مشجعا: يعنى لو مش هتقولى لاخوكى هتقولى لمين؟؟
ماسة بيأس: ولو عرفت هتعمل ايه يعنى ؟؟ هتروح تخطبهولى !!!
ضحك تاج بشدة وقال : وهو حد قالك إن حرام تعرضى الزواج على راجل لو شيفاه مناسب ليكى!!!
ماسة بفزع: تاج انت بتقول ايه!!!
عاد ليضحك بشدة لبراءة شقيقته ثم قال: ماتخافيش مش هخطبهولك بس اعرف مين لو مناسب ليكى انا هتصرف.
ماسة بخجل : يا تاج انا ...
تاج بحزم مصطنع تعرفه ماسة جيدا: مييين؟؟
ترددت لحظات قبل أن تقول بصوت خافت: حمزة
ارتفع حاجبيه وبدت الدهشة على وجهه وردد: حمزة .......حمزة العطار
الشرف
بقلم قسمة الشبينى*******