العدو الحبيب
الحلقة الأولى
غريبة أقدارنا تلقي بنا حيث لانحب ولا يجب أن نكون، وتتركنا نواجه أقدارنا وحدنا وعلينا أن نتخذ قرارات ومواقف لم نتخيل يوما أن نخوضها وقد تُلهنا عمن يحبنا وتجعلنا نقع في شراك من لا يعرف الحب.
كنت مدللة أبي الملك الأميرة سما ، الأميرة الجميلة الشقراء ذات البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، لم يكن هذا الإسم لتدليلي بل كان لقبي حيث كنت الإبنة الوحيدة للملك مع ثلاثة أبناء ذكور توفي إثنان في طفولتهما وبقيت أنا وأخي ولي العهد . كانت مملكتنا عبارة عن شبه جزيرة كبيرة تطل على البحر من ثلاث جهات وعلى اليابس من جهة، وكان أسطولنا في البحر يمنع الأعداء من الاقتراب فكان والدي يُسمى ملك البحر لمهارته في الحروب البحرية وكذلك أخي، لكن ذلك لم يمنع أبي من تأمين حدودنا البرية وذلك بوجود جيش قوي وعقد العديد من المعاهدات مع جيراننا، وكانت أهمها خطبتي للأمير تامر ابن ملك المملكة الشمالية حتى تتوحد قوانا في مواجهة أي اعتداء خارجي خاصة مع وصول الأنباء عن استيلاء القراصنة على العديد من الجزر الصغيرة القريبة وتكوين أسطول لمحاربة الدول المطلة على ذات البحر لتخضع كلها لسلطة القرصان الرهيب، ذلك الذي أثار الرعب بعنفه في قلوب الحكام والمحكومين.
لم أرى الأمير تامر خطيبي وكنت في انتظارحضوره أول الشهر القادم لتتم الخطبة بشكل رسمي وبعدها بشهرين يتم الزفاف وأنتقل من بلادي التي أعشقها لبلد غريب لا أعرفه ولكني قبلت بذلك من أجل مصلحة شعبي، فالحاكم عليه أن يضحي بمصالحه الخاصة من أجل وطنه وشعبه –كما علمني والدي- ورغم حزن والدتي الملكة على فراقي إلا أنها وافقت على مضض.
كنت أتجول فوق حصاني –كعادتي- في البساتين وصعدت فوق التل الذي أحبه وجلست تحت شجرتي المفضلة أكتب يومياتي ،ثم عدت لموعد تدريبي على استخدام السيف والسهم فقال لي مدربي:
-مازلتي الأفضل في استخدام السهم لكنك تحتاجين بعض التدريبات الإضافية للسيف
-سأبذل قصارى جهدي لأتقن استخدامه كأي مٌفاتل
-اسمحي لي يا مولاتي لا أرى طائلا من وراء تدريباتك على السلاح فأنت أميرة وغدا ستصبحين ملكة وفي كلا الحالتين يجب أن تعيشي مرفهة وهناك من يحميكي
-أنا لست كهؤلاء الأميرات اللاتي يكتفين بحياة الرفاهية في القصور بل أرى كوني أميرة أو ملكة يعني أن للشعب علي حقوق سواء في حسن الإدارة أو الدفاع عنه.
-حماكي الله يا أميرتنا
قبل موعد خطبتي بنحو أسبوعين تواترت الأنباء عن احتلال القراصنة كل الجزر الصغيرة القريبة منا وأن زعيمهم ينوي احتلال الإمارات والممالك الكبيرة المطلة على نفس البحر حتى يصبح البحر بكل دوله ملكا له. تعجبت من غرور ذلك القرصان وأتباعه لكن لابد أن يتحطم غرورهم على صخرتنا فلم يحاربنا أحد بحرا إلا وعاد مهزوما، ونهاية هذا القرصان وأتباعه ستكون على أيدينا. أعلن أبي حالة الطوارئ في المملكة كلها و بدأت حالة الإستنفار في كل شبر في الداخل على الحدود.كان دوري تنظيم و قيادة المقاومة الشعبية وجعل الشعب ظهيرا محاربا لقوات الجيش ، فاستعنت برامزصديق الطفولة وزميل دراسة أخي في رفع الروح المعنوية للشعب وتكوين فرق مقاومة وتدريبها على حرب الشوارع في حال دخول العدو البلاد، كان لكل فرقه قائد ، وكنت أجتمع بقادة الفرق كل أسبوع لأطلع على أخر المستجدات وأوفر لهم احتياجاتهم، وأمرتهم بتدريب كل قادر على حمل السلاح من شباب ونساء.
كان أبي وأخي يستعدان جيدا للهجوم البحري بينما طمأنهما الأمير تامر على الحدود البرية بين البلدين وأنه سيحميها بنفسه فوثق أبي في عهده وأرسل أبي قوات قليلة لتشارك الأمير دفاعه عن البر ، لكن الجميع كان يتوقع هجوما بحريا حيث أن قوة القرصان تتركز في أسطوله فلم يسبق له الهجوم على أية إمارة أو مملكة برا. فوجئنا جميعا بمهاجمة القراصنة لمملكة الشمال برا واجتياحها خلال أسبوع وقتل ملكها وأسر الأمير تامرالذي سُرعان ما استسلم خوفا على حياته ولكنهم لم يرحموه بل قتلوه وأشاعوا الفوضى والحرق والنهب في البلاد، وبذلك أصبحت حدودنا البرية مفتوحة أمام القراصنة الذين اجتاحوا وطننت بمنتهى الهمجية وقتلوا كل من وقف في طريقهم من نساء وأطفال بلا رحمة وأحرقوا البيوت والأراضي الزراعية، وعندما وصل إليهم أخي بقواته كانوا قد اجتازوا مسافة كبيرة داخل المملكة فقاتلهم بقواته بالإضافة للمقاومة الشعبية قتالا ضاريا لكنه انتهى بمقتله بسبب الغدر ورشوة القرصان لبعض صغار الضباط من جيشنا ووعدهم باحتلال مناصب كبيرة في البلاد، فكانت الخيانة التي راح ضحيتها أخي الأمير البطل الذي ضحى بحياته فداءا لوطنه وشعبه. في تلك الأثناء كانت سفن القراصنة تحارب أسطولنا وكانت لنا الغلبة حتى شاع خبر مقتل الأمير فانهار أبي حدث ارتباك في دفاعاتنا واستغل القرصان- الذي كان يقود الهجوم بنفسه- ذلك لينقض على أسطولنا الذي ساده الإضطراب بعد ضعف أبي فصارت الغلبة للقراصنة وقتلوا أبي بلا رحمة علقوا جثته على ساري أكبر مركب في الأسطول لتنهار كل مقاومة الجنود ثم أشاعوا القتل في كل قادة الأسطول . كان انتشار القراصنة في البلاد كالنار في الهشيم ورغم المقاومة الشعبية القوية إلا أنهم استطاعوا احتلال البلاد بأكملها وإخضاعها خلال أسبوع واحد، وخلال هذا الأسبوع أشاعوا الفوضى والقتل ولم يرحموا صغيرا ولا كبيرا ولا نساء ولا أطفال، فقررت أن أستسلم لهم لأرحم شعبي من تلك المجزرة وأحافظ على ماتبقى من البلاد.أرسلت للقرصان للتفاوض حتى أسلمه القصر الملكي بكل مافيه فأرسل لي رسالة بمنتهى الغرور يقول فيها: وهل يُملي المهزوم شروطه على المنتصر؟ لا أقبل بأية شروط وستكونين أسيرتي.
أرسلت له وقلت: إذا تحمل حربا ضاريه لن تهنأ فيها بحكم بلادنا ليوم واحد وكل الأوراق الخاصة بإدارة المملكة وكل كنوزها تحت تصرفي ولن تجدهم أنت وعصابتك مهما بحثت، لقد اخترت الحرب فلتكن.
أرسلت لرامز وللقادة الذين ظلوا على قيد الحياة رسالة أقول فيها : حولوا حياتهم في بلادنا لجحيم فلن نستسلم بسهولة.
فاستجاب الجميع فالكل له ثأر عند هؤلاء الهمجيون الذين لا يعرفون أية إنسانية ولا رحمة، وقد حاولت عصابات القرصان اقتحام القصر عدة مرات لكنهم فشلوا لشدة تحصينه ولاستبسال الجنود في الدفاع عن القصر، ورغم سيطرتهم على البلاد إلا أنهم كانوا يتعرضون لهجمات متفرقة لا يعرفون مصدرها ولا من يقوم بها مما أفقدهم عدد كبير من رجالهم. أرسل لي القرصان الرهيب بعد أسبوع رسالة يطلب فيها التفاوض معي فقبلت وحددت مكانا خارج القصر في عصر اليوم التالي وعندما حضر وجدني في انتظاره وأصابني الذهول وأنا أرى القرصان الرهيب رجل في منتصف الثلاثينيات قوي الجسد ، ذو بشرة سمراء بفعل الشمس وشعر أسود كليل البحر، وعيون سوداء حادة وملامح قاسية، وقف أمامي بمنتهى الغرور في تلك القلعه المتهدمة التي حددتها مكانا للقاء وبعد أن تفحصني بنظراته قال ساخرا:
-لم أتخيل أن تلك الأميرة المتعجرفة فتاة هشة لم تتجاوز العشرين عاما
-أحيانا الواقع يكون مدهشا أكثر من الخيال
-أستطيع الأن أن أعتقلك وأستولي على القصر وأُخضع ذلك الشعب لإرادتي
-إنهم لا يحمونني فقط بل يحمون بلادهم فإن سقط القصر فلن تعرف مكان كنوز البلاد، وإن قتلتني فسيقاومك أهل البلاد بضراوة فأنا صمام الأمان المتبقي أمامك
-أنت مغرورة لا تعرفين قدراتي بعد، أما عن قتلك فلن أفعلها إنما ستكونين جاريتي أستمتع بك ولما أزهدك ألقيك لجنودي
-قبل أن تلمسني ستكون قتيلا
- وإن أخضعتك؟
-سأقتل نفسي قبلها
نظر إلي بذهول وقال:
-في كل مكان وطأته قدماي كانت النساء يخضعن لي إما خوفا مني أو رغبة في أما أنت فأول إمرأة تتحداني
-لأني الأميرة سما ولست أية إمرأة، والأن دعنا نترك سحرك وفتنتك ونتكلم عن عرضي، على إستعداد أن أسلم لك القصر الملكي وأوقف المقاومة بشرط أن توقف أعمال العنف والفوضى وتُعيد بناء ما أفسدته أنت وجنودك وحتى أتحقق من ذلك سأكون مساعدتك لأضمن تنفيذ وعدك ولن أسلمك أسرار المملكة إلا على مراحل.
-قبل أن ألقاكي كان بإمكاني التفكير في ذلك العرض ولكن الأن هناك عرض أخر وأمامك يوم واحد للتفكير فيه، إما أن تتزوجيني وتصبحي الملكة وأنا الملك وتضمني لي خضوع شعبك الكامل لي، أو أن أشيع الفوضى والقتل في شعبك وستكونين أسيرتي وستشاهدين مقتل شعبك وخراب مملكتك، سأنتظر ردك أيتها المتعجرفة.
امتطى حصانه وذهب هو ورجاله وعندما تأكدت من ابتعادهم عدت للقصر في حراسة جنودي وبمجرد دخولي حجرتي تراكمت على قلبي كل الألام والأحزان فانهرت باكية، ففي خلال عدة أيام تحطمت حياتي كاملة فقُتل أبي وأخي ومرضت أمي وضاعت مملكتي وقُتل شعبي والأن علي أن أختار بين خيارين كلاهما مر،إما أن أترك شعبي للقتل والفوضى والخراب، أو أن أضحي بنفسي وأتزوج ذلك الهمجي قاتل أبي وأخي لأنقذ شعبي، ترى أيهما أختار؟ ففي كليهما موتي، فالزواج منه موت ورفضه موت فأي الميتتين أختار؟؟
أنت تقرأ
العدو الحبيب بقلم نجلاء لطفي
Romanceقصة كاملة من الخيال عن قصة حب بين أميرة وعدوها المحتل لبلدها فهل تنجح تلك القصة أم أن للقدر قصة أخرى؟؟