العدو الحبيب
الحلقة السابعة
صمتنا قليلا ونظر إلي ثم نظرنا تجاه البحر وقلت له:
-هل تعلم؟ لقد اتخذت قراري بالتنازل عن المُلك نهائيا، أنا سعيدة الأن بحياتي تلك وبمشروعي الذي يُشغلني ولم تعد لدي الرغبة في إدارة شئون البلاد.
-هل أنت متأكدة من قرارك؟ ألن تندمي عليه؟
-لا لن أندم والأمير فارس أثبت جدارته في الحكم، أريد أن أعيش حياتي ككل نساء الشعب، وسأكتفي بهذا القصر وأترك كل ممتلكاتي للمملكة.
-ومتي ستعلنين قرارك؟
-سأعود معك اليوم لأعلنه
عدت معه للقصر الحاكم وفي اليوم التالي طلبت عقد إجتماع لكل الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة ثم قلت لهم:
-قررت أنا ملكة البلاد تعيين الوزير رامز رئيسا للوزراء ونائبا للملك
سكت الجميع ونظروا إلي والشجوب يعلو وجه الأمير فارس فابتسمت له وقلت:
-كما قررت أن أتنازل عن حكم المملكة لإبن عمي الأمير فارس على أن يؤول الحكم لي مرة أخرى بعد وفاته، وإن توفي بعدي يؤول الحكم لإخوته فإن لم يوجد أحد إخوته فلأكبر أبنائه على أن يظل الوزير رامز نائبا للملك طوال حياته ولا يملك أحد قرار عزله من منصبه سواي، وذلك تقديرا له على مساعدته في طرد الأعداء المُحتلين.
سكت الجميع ثم قام الأمير فارس بشكري ووعدني أن يكون ملكا عادلا، وسأظل أنا الملكة السابقة والأميرة سما إبنة عم الملك. بعد إنتهاء الحفل سألني رامز:
-لم فعلتي ذلك؟
-عم تتكلم عن تنازلي عن العرش؟ أم تعينك نائبا للملك؟
-كنت أعلم بتنازلك لكن تعييني مدى الحياة لماذا؟
-لأن للسلطة المُطلقة فتنة تغري أي حاكم بفعل أي شيء وقد تحول الملك العادل لديكتاتور جبار ، بل وربما يقتل في سبيل العرش لذا يجب وجود شخص مثلك ليُعيد وزن الأموروضبطها والتصدي للقرارات الخاطئة ولأي محاولة لاحتكار العرش.
-ولم تظنين أني لن أتغير بطول بقائي في المنصب ؟
-لأنني أعرفك جيدا أولا، وثانيا لأني وضعتك تحت الإختبار عندما كنت وزيرا فكنت كعهدي بك مخلصا في عملك، كل همك مصلحة الناس، لم تحاول استغلال نفوذك لأي منفعة شخصية.
-ومن يُدريكي أني لن أفتتن بالمنصب وأتغير؟
-عندها سيكون من السهل علي أن أنصح الملك بخلعك وأصدق على هذا القرار
-لقد أصبحت سياسية بارعة
-علينا أن ننضج شئنا أم أبينا
تركت القصر الرئاسي وعدت لقصري وكنت أباشر دور الأيواء والمشروعات التي أنشأتها من أجلهم فقد أسست جمعية خيرية لتتولى إدارة شئونهم بشكل منظم وكنت أنا رئيستها .انشغلت بعملي في الجمعية لكن رامز لم ينشغل عن زيارتي في نهاية كل أسبوع وقضاء اليوم معي.
ذات يوم أثناء جلوسنا على شاطىء البحر قال لي:
-لقد فكرت في كلامك عن حبيبتي وقررت أن أصارحها
-وهل نفذت؟
نظر إلي ثم قال:
-أنا أحبك يا سما، نعم أحبك منذ أول مرة رأيتك عند ولادتك وكانت والدتك ووالدتي صديقتان فتعلقت بتلك الطفلة الصغيرة الجميلة وسألت أمي:
-أنا أريد أن أتزوجها عندما أكبر
فقالت:
- لن يسمح أحد لك بذلك
-لماذا يا أمي سأعمل كثيرا ونحن أغنياء
-لأنها ستكون أميرة وربما الملكة بينما أنت مجرد فرد من الشعب والأميرة تتزوج أمير مثلها
-لكني أحبها
-لا تتعلق بها يا ولدي فذلك الحب سيُعذبك بلا فائدة
من يومها لم أستطع منع قلبي من حبك، ولم أستطع في نفس الوقت من البوح بذلك الحب حتى لا أجعل نفسي محل سخرية، لكن الأن بعد تنازلك عن العرش وعودتك كأميرة وتنصيبي كنائب للملك أصبح بيننا تكافوء لذا قررت أن أنفض عني ذلك الخوف وأعترف لك بحبي، ربما مازال قلبك مُعلقا بغيري لكن حبي كفيل بأن يُنسيكي كل شيء.
ساد الصمت بيننا للحظات فقد كانت المفاجأة أكبر من توقعاتي فقام رامز وقال:
-يبدو أنها كانت مفاجأة سيئة لك
-كانت مفاجأة فقط ، أرجو أن تمنحني بعض الوقت لاستيعابها
-سأمنحك كل الوقت ولكن إن رفضت حبي لا تحرميني من صداقتك
ابتسمت له وتركني وبقيت جالسة على البحر حتى غابت الشمس وقال لي حارسي:
- مولاتي البقاء في الظلام خطر عليك فلنعد للقصر
عدت وأنا متعجبة مما تفعله بنا الأيام، كان الحب الحقيقي المخلص على بُعد خطوة واحدة مني لكني لم أنتبه إليه يوما رغم كل ما كان يفعله من أجلي، ووقعت في حب سراب خادع، بل توهمت أني أحببت رجلا وفي الواقع أنا أحببت نموذجا في خيالي لا وجود له في الواقع.قضيت ليلتي ساهرة وتذكرت كيف أنقذني رامز من الغرق وعمري أربع سنوات وكاد أن يغرق هو لولا أن أنقذه الحراس، وكيف أنه كان يُلبي لي كل طلباتي بلا تردد مهما كانت ولأنه يكبرني بأربعة أعوام فكان يفوقني طولا فكثيرا ما كان يحملني لأرى ما أريد أو لأقطف ثمرة من شجرة طالما ذلك يسعدني، وكان يجمع لي الحشرات الملونة التي أحبها. كبرت قليلا وكان يساعدني في تعلم دروسي وكان يقرأ معي ويُصحح لي قراءتي، بينما كان أخي منشغلا عني ويراني طفلة مُدللة لا أصلح لشيء لكن رامز هو الوحيد الذي كان يراني ملكة الغد، فكان يناديني (يا مليكتي). حقا كنت فتاة مُدللة وكان أخي كثيرا ما يسخر مني فقررت أن أكون فارسة فعلمني رامز ركوب الخيل في مزرعتهم حتى أجدت الركوب ، ثم أصررت أن أتعلم المبارزة ورمي السهام فأحضر لي والدي مُدربا من الجيش وتذكرت الأن كم كان رامز يكرهه ، وكنت أدعو أخي لمُبارزتي فيسخر مني لكن رامز كان يقبل وكان يعلمني ما ينقصني، لكني أجدت استخدام السهام حتى أني أصبت بسهمي غطاء رأس أخي لأثبت له جدارتي فشكاني لأبي واتهمني بأني أريد إصابته فوبخني أبي ولولا شهادة رامز لصالحي لكان عقابي شديد لجرأتي على أخي ولي العهد.كما لم يتخل عني في المحنة الأشد وهي الإحتلال فقد كان سندي ومعاوني ومحل ثقتي وساعدي الأيمن في تنفيذ كل الخطط.
لقد كان رامز بجواري دائما في كل الأحوال لكني لم أره يوما إلا كأخ وصديق، فهو لم يحاول يوما أن يغازلني أو يعبر لي عن مشاعره، أو حتى يُشعرني بأنوثتي، لكنه كان شديد الغيرة وكنت أفسر ذلك بخوفه علي كأخ، ولم أظن يوما أنه يحبني، كان إهتمامه بي كبيرا لكني لم أفسره على أنه مشاعر حب بل ظننت أنه يحبني كأخته بحكم نشأتنا معا ولأنه ليس له أخوات بنات فكان يشملني برعايته.
السؤال المهم الأن هل أستطيع أن أبادله حبا بحب؟ حقا رامز له مكانة كبيرة في قلبي لا يضاهيه أحد في تلك المكانة لكن هل يكفي هذا لأن يكون حبا؟ ربما أشعر بالإرتباك لأني لم أفكر به يوما كحبيب ، ربما يجب أن أقترب منه أكثر لأعرفه، لكني أعرفه أكثر من نفسه، أعرف متى يكون غاضبا أو راضيا، أعرف تلك النظرة المُحذرة في عينيه والتي تعني إياك أن تفعلي كذا، أعرف نظرة التفكير والتأمل عندما يشغله أمر ما، أعرف نظرة الغضب عندما أهتم بأحد أكثر منه، أعرف ميله للهدوء وحب الطبيعة، أعرف عشقه للجياد وعندما يغضب يركب جواده ويركض به في الغابة ليُفرغ غضبه، نعم أعرفه ربما أكثر مما أعرف نفسي.
قررت أن أذهب إليه في مزرعته فأنا أعلم أنه سيكون هناك الأم فمادام هناك مايشغل باله فسيظل بين خيوله وأرضه الخضراء التي تمنحه صفاء الذهن والقدرة على التفكير الصحيح. وجدته هناك كما توقعت ولم أنتظره داخل قصره بل ذهبت لإسطبل الخيل التي رحبت بي بعد طول غياب ففوجىء بي هناك فقلت بمشاكسة:
-الخيل ترحب بي وصاحب الخيل صامتا
-أنت تعلمين أنك مُرحب بك في كل قت وحين ، لكن زيارتك فاجئتني وكيف عرفتي أني هنا؟
-لأني أعرفك أكثر من نفسك فكنت على يقين أني سأجدك هنا تحديدا.
اقترب مني وقال:
-حقا تعرفينيني أكثر من نفسي؟
-أتشك في هذا؟
-لماذا جئت؟
-لأركب معك الخيل ونتجول في المزرعة فأنا أفتقدها
-حقا لقد مر زمن طويل منذ أخر زيارة لك
-لكنها لم تغب عن بالي، هيا هل سنقضي باقي اليوم هنا؟
امتطينا جوادين وسرنا متجاورين فقلت له:
-أحدثت كثير من التغييرات في المزرعة
-التطوير سُنة الكون وضرورة لمواكبة التغييرات أما الجمود فيعني الموت
-قضيت الليل أمس أفكر حتى كاد رأسي أن ينفجر من التفكير فأتيت إليك لأرتاح من حملي عندما تشاركني فيه كما اعتدت.
أمسك بيدي وساعدني على النزول فانتابتني رجفة لم أشعر بها من قبل عندما أمسك بيدي مئات المرات، ثم جلسنا تحت ظل شجرتنا الكبيرة التي اعتدنا الجلوس تحتهاعلى ربوة مُطلة على المزرعة بلونها الأخضر ويتخللها جدول ماء صافي ، كان المشهد خلاب ويبعث الراحة والصفاء في النفوس.
قال لي:
-أسمعك ماذا يُحيرك؟
-لقد كنت أراك دوما أخي وصديقي وسندي فهل من السهل أن أتغير في يوم وليلة لأراك كحبيب؟
-لم أقل لك في يوم وليلة خذي ما تحتاجين من الوقت
-مشاعري تجاهك مُرتبكة فأنت لك أكبر مكانة في قلبي والأكثر قُربا من عقلي، ومن يفهمني أكثر من نفسي وأفهمه أكثر من نفسه والوحيد الذي أشعر معه بالأمان فهل يكفيك هذا حاليا؟
-بل ويكفيني لباقي العمر فأنا على يقين أن حياتنا معا ستبدل مشاعرك نحوي
-هل ستمل مني يوما وتتركني؟
-لو كان للملل سبيل إلى قلبي كنت مللت من تلك الطفلة المُدللة التي لم تكن طلباتها الغريبة تنتهي، أريد سلحفاة، اصعد بي تلك التلة، احملني لأتسلق الشجرة، أحضر لي فراشة حمراء، ما مللتها يوما ولن أمل منها عندما صارت إمرأة ناضجة.
-سؤال أخير وأحتاج إجابته بصراحة مطلقة؟هل تستطيع التغلب على فكرة مرور غيرك بحياتي قبلك؟
سكت للحظات وظهر الغضب في عينيه وقال:
-لولا حُرمة الموت لأخرجته من قبره ومزقت جثته عشرات المرات إنتقاما منه على كل لمسة نالها منك، ولو أملك قتله ألف مرة لقتلته على كل لحظة عذبك فيها لكن للأسف لا أملك ذلك، لا أعرف إن كنت أستطيع نسيان وجوده في حياتك أم لا لكني على يقين أن وجودي في حياتك سيجعلك تنسين كل شيء سواي.
نهضت من مكاني وامتطيت جوادي وعدنا صامتين وعندما وصلنا قلت له:
-سأنتظرك في نهاية الأسبوع كما عودتني لكن عدني إن كان ردي بالرفض ألا تتخلى عني
-لن أتخلى عنك يوما حتى لو كان هذا طلبك فأنت جزء من روحي أرعاه حتى الموت.
تركته ومضيت ولم أكن أتصور أن يكون رامز عاشقا لتلك الدرجة، لم أتصور أن الحب قد يكون هكذا هل أنا حقا جزءا من روحه؟ لماذا لم يمل دلالي عليه كل تلك السنوات بينما لم يحتملني أخي؟ هل أستحق حبا كهذا؟ وهل أستطيع مبادلته مثله؟
أنت تقرأ
العدو الحبيب بقلم نجلاء لطفي
Любовные романыقصة كاملة من الخيال عن قصة حب بين أميرة وعدوها المحتل لبلدها فهل تنجح تلك القصة أم أن للقدر قصة أخرى؟؟