الحلقة 6

347 9 2
                                    


العدو الحبيب
الحلقة السادسة


. قضيت أياما أتأمل البحر وأخذ جولات بين الطبيعة الخلابة حتى شعرت ببعض الراحة النفسية، ولكن أنى للقلب المكلوم أن يشعر بالراحة؟!
في يوم أثناء تمشيتي على البحر قابلت طفلتين صغيرتين تبكيان ، أراد الحرس إبعادهما لكني رفضت فاقتربت منهما وسألتهما عن سبب بكائهما فقالت الكبرى:
-لقد فقدنا والدينا في الغزو وكان لدينا بيت نقيم فيه مع عمي وزوجته وأولاده لكن لضيق حالهما وعدم قدرته على الإنفاق علينا طردتنا زوجته ولا نعرف إلى أين نذهب
-لا تخافا تعاليا معي
فقال لي قائد الحرس هامسا:
-مولاتي لا تأمني لهما فقد تكون خديعة
-كن منتبها وقم بواجبك في حراستي ودع لي الباقي
أخذتهما معي حتى بوابات القصر وطلبت من الحرس أن يُبقياهما خارجه حتى أصدر أوامري،ثم أرسلت خادمة من القصر بطعام لهما وبعد أن انتهيا أمرتها باصطحابهما للكوخ المهجور خارج القصر وأن تعده لهما للنوم . ساعدتها الفتاتان في إعداد الكوخ وبعد أن أصبح صالحا للنوم ، تركت الخادمة لهما طعاما ووعدتهما أن تأتيهما في النهار، وأمرت بوضع حراسة عليهما لحمايتهما. قضيت طوال الليل أفكر كم من أطفال فقدوا ذويهم وظلوا بلا مأوى ؟ وكم من إمرأة فقدت عائلها وصار عليها أن تحمل عبء صغارها وحدها؟ وكم من كبار سن فقدوا أولادهم الذين يعولوهم؟ ذلك الغزو تسبب في كثير من الخراب وعلي أن أُصلحه وتلك هي مهمتي القادمة أن أُصلح ما أفسده العدو.
عُدت في اليوم التالي لقصر الحكم وطلبت رامز على الفور وطرحت عليه فكرتي أنني يجب أن أكون مسئولة عن كل من لا عائل له ومن لا مأوى له، فقال:
-من لا عائل له يمكننا أن نصرف له مبلغا شهريا يسد احتياجاته ولكن مولاتي ميزانية الدولة هل تحتمل ذلك؟
-يمكننا أن نرتب مبلغا شهريا للأطفال وكبار السن أما القادر على العمل من النساء والشباب والبنات نقوم بتعليمهم حرفا أو نجعلهم يعملون في مشروع من مشروعاتنا بمقابل مادي. ولكن تبقى مشكلة من لا مأوى لهم
-يمكن تصنيفهم حسب السن والنوع فتكون هناك دور إيواء متعددة بطول المملكة ولها شروط محددة وتوفر المسكن لمن لا مسكن له .
-رامز ستكون أنت المسئول عن تنفيذ ذلك سأجعلك وزير الدولة للشئون الإنسانية
-أنت تعلمين أني معك بدون مناصب
-لا أنا أريدك ملتزما ومتفرغا تماما فأنا لا أثق بسواك فأنت وحدك من تفهمني وستنفذ ما أريد كما أريد وبإمكانك أن تترك إدارة مزرعة والديك لأحد إخوتك أو أي شخص تثق به ما رأيك؟
-وهل تعلمين أني يمكن أن أرفض لك طلبا؟؟ أنا معك في كل خطوة
اجتمعت بالأمير فارس وأطلعته على قراري بتعيين رامز فرحب به ولكنه قال :
-ميزانية المملكة لن تحتمل ذلك
-لكن ميزانيتي أنا تحتمل سأنفذ المشروع دون تكليف المملكة أية نفقات
-لك ما تُريدين يا مولاتي
دخلت حجرتي وفكرت في مجوهرات والدتي سأعرضهم للبيع في مزاد عام وأُرسل لكل الأمراء والملوك للدول المجاورة لحضور المزاد وأدعو جميع أمراء المملكة للتبرع من أجل هذا المشروع.
في اليوم التالي أصدرت قراري بتعيين رامز كوزير للشئون الإنسانية وأطلقت مشروعي لكفالة كل من لا عائل له ولا مأوى له، وأعلنت أني أول المتبرعين بمجوهرات الملكة الراحلة من أجل المشروع وأني سأقيم مزادا لبيعها وناتج المزاد سيخصص لصالح المشروع ودعوت كل الأمراء والأثرياء للتبرع.
قال لي رامز:
-فكرة جريئة جدا وأنا أول المتبرعين سأخصص جزءا من أرض مزرعتي من أجل إيواء الصبيان وسأدربهم على العمل بالمزرعة وأعطيهم أجرا كغيرهم وسأتكفل بدار الإيواء من الألف إلى الياء.
-سأعلن ذلك على الناس لأشجع الأخرين
-لا أنا لا أريد شهرة أنا أريد المساهمة في رحمة أبناء شعبنا
-كعهدي بك يا رامز الجندي المجهول في كل عمل.
أقمت أكبر حفل شهدته المملكة وحضره عدد كبير من الأمراء والأثرياء وسفراء وأمراء الدول المجاورة ، وتم بيع كل مجوهرات أمي بمبلغ كبير وطلبت من رامز أن يكون في عهدته كما تبرع بعض الحضور بمبالغ مناسبة. بدأنا العمل في اليوم التالي فجمعنا كل المختصين في كل المجالات وطلبت من كل والي على مقاطعة ما أن يحصر لي عدد المحتاجين الذين سيشملهم المشروع ، كذلك عدد الأراضي المهجورة في كل مقاطعة. بدأ الجميع في العمل وخلال أقل من شهر كان عندي حصر بأرقام من لا عائل لهم ولديهم مأوى ومن لا مأوى ولا عائل لهم. قررت البدء بالعاصمة حيث أكبر عدد لكن رامز قال لي:
-لنجعل كل ولاية لها شخص مسئول عنها يقرر أية أرض ستُقام عليها دور الإيواء ويبدأ في العمل وسنجعل كل من يقوم بالبناء أو التأثيث يستعين في العمل ببعض القادرين ممن سيسكنون تلك الدور ليشعروا أنهم يبنون بيوتهم ويحافظون عليها ، كذلك يعملون ويصبح لهم دخلا.
وافقت رامز على فكرته وتبرعت بالأرض المجاورة للكوخ المهجور لتكون دار إيواء للسيدات والفتيات، فيمكن للسيدات رعاية الفتيات الصغار ، وكذلك يمكن للفتيات الكبار رعاية المُسنات، فتكون دار إيواء وتكافل في آن واحد، وستكون مُلحقة بها مدرسة ومستشفى.
عُدت بعد التخطيط للمشروع كله لمقري الصيفي وبدأنا التنفيذ، وأشرفت بنفسي على دار إيواء السيدات المجاورة لي، وكنت كلما مررت بالفتاتين جنا وهلا أقول لهما:
-كل ذلك تم بسببكما
كان رامز يأتي لزيارتي في نهاية كل أسبوع ليعرض علي ماتم إنجازه في كل مقاطعة ونتناقش في كل شيء ويتناول معي الغداء ثم ينصرف لعمله أو لمزرعته. اكتملت دار السيدات المجاورة لي وافتتحتها ورحبت بكل السيدات المُقيمات فعرضت علي إحداهما فكرة صناعة السجاد على النول وأنها تُجيدها ويمكنها أن تعلمها للأخريات فوافقتها وقالت لي أخرى أنها تُجيد صنع الطعام ويمكنها أن تبيعه للأخرين بسعر معقول، وثالثة قالت أنها تصنع السلال ويمكنها أن تُعلم الفتيات فشجعتهن ووعدتهن بعمل سوق كبير لعرض منتجاتهن. زرت المدرسة وطلبت من المسئولة عنها أن تكون فصول نظامية صباحا وفصول لمحو الأمية مساءا ، كما زرت المستشفى وأمرت المسئول عنها بالإلتزام بالنظام والنظافة فوعدني بذلك. قضيت الأشهر التالية في التنقل بين المُقاطعات لإفتتاح دور الإيواء المختلفة. استنفذت كل تلك الزيارات طاقتي وجهدي لكني كنت سعيدة لأن استطعت تحقيق الأمان لعدد كبير من الشعب، كما كنت أحلم يوما.
كان قلبي يُذكرني به كل ليلة وتذرف عيناي الدموع من أجله، لكن مع الوقت ومع ما سمعته من مآسي من نأويهم حيث حكوا لي كيف كان هو ورجالة يقتلون وينهبون بلا رحمة ولا إنسانية ، وكيف أنهم أحرقوا بيوتا بمن فيها عندما رفضوا إخلاءها ليسكنها رجاله، بعد كل هذا تلاشت ذكراه من قلبي فأدركت أني أحببت وهما، صورة بعيدة عن الواقع، رجلا ليس له وجود في الواقع بل في خيالي فقط ، أحببت من يُجيد التعامل مع أجساد النساء ولكن بلا مشاعر ولا إنسانية.
خلال عام ونصف كنا قد انتهينا من كل دور الإيواء ومن صرف إعانات لمن لا عائل لهم، ففكرت مع رامز كيف يمكننا الإستمرار في الإنفاق على تلك الدور، فقال لي رامز:
- باقي معي بعض الأموال يمكننا عمل مشروعات بها ونوظفهم فيها ومن عائد تلك المشروعات ننفق على الدور
-موافقة وسأدعو الأمراء والأثرياء مرة أخرى للتبرع معنا
-الدار المُقامة في أرضي أنا مُتكفل بها وسأوصي بذلك حتى بعد مماتي
نظرت إليه وكأني أراه لأول مرة وقلت:
-لماذا لم تتزوج حتى الأن؟
-هل هذا سؤال من جلالة الملكة أم من الصديقة؟
-من سما الإنسانة
-أحببت يوما فتاة ولم أستطع أن أحب سواها وهي لا تراني ولا تشعر بوجودي حتى
-يالها من حمقاء فمن تُضيع مثلك من يديها؟
-أرجوك لا تسبيها فهي لا تعرف بحبي لها
-ولم؟
-مكانتها الإجتماعية أعلى مني وأخشى أن تطنني طامع بها
-أنت الأن وزير تقدم يا رجل واعترف لها بحبك قبل أن يخطفها غيرك فالنساء لا يحببن الرجل الصامت
-سأحاول
-بل ستعدني أنت تستحق كل السعادة
صمتنا قليلا ونظر إلي ثم نظرنا تجاه البحر وقلت له:
-هل تعلم؟ لقد اتخذت قراري بالتنازل عن المُلك نهائيا، أنا سعيدة الأن بحياتي تلك وبمشروعي الذي يُشغلني ولم تعد لدي الرغبة في إدارة شئون البلاد.
-هل أنت متأكدة من قرارك؟ ألن تندمي عليه؟
-لا لن أندم والأمير فارس أثبت جدارته في الحكم، أريد أن أعيش حياتي ككل نساء الشعب، وسأكتفي بهذا القصر وأترك كل ممتلكاتي للمملكة.
-ومتي ستعلنين قرارك؟
-سأعود معك اليوم لأعلنه



العدو الحبيب بقلم نجلاء لطفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن