نُقطَةُ تَقَاطُع

248 29 205
                                    

[بعدَ أسبوعان]

اليَومُ يومٌ مُمَيَّزٌ للغايةِ بالنسبةِ إلى ستِلا فاليومَ سيَخرُجُ غُرابُها العزيزُ من العيادةِ أخيراً بعدَ أُسبوعانِ من التعافي. كانَت تَظُنُّ أنِّهُ سيحتاجُ إلى عِدَّةِ شهورَ ليُشفى جَرحُه، لكن اتضحَ في ما بعد أنَّهُ لَمْ يكن بذلكَ السوء من حُسنِ الحظ.
كانَت تزورُهُ كُلَّ يومٍ لتَطمَئنَّ علَيهِ و تَتحَدثَ معهُ و تُلاعِبَهُ قليلاً. ليسَ هذا فحسب، بل كانت تُحضِرُ لهُ الفاكِهةَ الطازَجةَ أيضاً. عامَلَتهُ و كأنَّهُ طِفلُها الصغير، و كانَت رُدودُ أفعالِهِ دائماً تُبهِرُها و تُشعِرُها بالدِفئِ الذي تَفتَقِدُهُ في حياتِها. هي كانَت تَعرِفُ بالفِعل أنَّ الغِربان ذكيَّةٌ للغاية؛ أذكى حتى من الكِلابِ و بعضُ فصائلِ الببغاء -و هو المُتَوَقَّعُ من الحيوانِ الذي عَلَّمَ البَشرَ دَفنَ موتاهم- لكنَّ ذلكَ لَمْ يمنعها من الاندِهاشِ في كلِّ مرة.
أن تَعلَمَ الشيءَ حالة، و أن تَختَبِرَ ذلكَ الشيءَ بنفسِكَ حالةٌ أخرى مُختَلِفَةٌ تماماً.

نَظَرَت ستِلا إلى صديقِها من خلالِ قضبانِ قَفَصِه و هي تَبتَسِمُ بفرح.

-"من سيخرُجُ من قفَصِهِ اليومَ و يُصبحَ طليقاً؟؟"

فَتَحَت بابَ القفص و هو بدَورِهِ خَرجَ منهُ و وقفَ على كتِفِها دونَ حتى أن تَدعُوَه. أخَذَ يحُكُّ رأسَه بوَجنَتِها تعبيراً عن حبِّهِ و امتنانِه و هي بادَلَتهُ ذلكَ العِناقَ الصغير بابتِسامةٍ واسعة.
دفَعَت الشابةُ نفقاتِ العلاجِ و الإقامةِ الخاصَّةِ بالطائر و كانَت مُستعِدَّةً للرحيل معَه، لكنَّها كانت مُتَردِّدةً في فتحِ البابِ و الخطوِ إلى الخارِج. فهي لا تنوي أن تستَحوِذَ علَيهِ كحيوانٍ أليف، هو طائرٌ مُعتادٌ على الحُرِيَّة و لن يطيق حبسةَ القفص.

"ليتَني أستطيعُ رَبطَ حبلٍ طويلٍ بطوقٍ أضَعُهُ لك كما يفعلُ أصحابُ الكِلابِ أثناءَ تنزُّهِهم. لكنكَ لستَ طائرةً شراعية! *تنهيدة* "

بنظرةٍ تملأها الحسرة التَفَتَت ستِلا إلى الصغيرِ الأسمَرِ الواقِفِ على كَتِفِها. ثُمَّ نَظَرَت إلى الباب و أخَذَ نَفَساً عميقاً، كَتَمَتهُ لثانيتين ثم أخرَجَته. أمسَكَت بعدها بمِقبَضِ البابِ و دفَعَته.
هي الآنَ في الخارِج، مُغمِضَةً عَينَيها بإحكامٍ حتى لا ترى صديقَها و هو يُغادِرُ مُبتَعِداً و يَترُكُها.
ظَلَّت هكذا حتى شَعَرَت بشيءٍ مُدَبَّبٍ ينقُرُ وجنَتها بلُطف. فَتَحت عينيها و التَفَتت يمينها فوَجَدَت الغُرابَ لايزالُ واقِفاً على كَتِفِها.

-"أنتَ لاتزالُ هُنا؟! ألا تُريدُ العودةَ إلى مجموعَتِك؟ لابدَّ أن عائلتكَ بانتِظارِك"
-"أُريدُ قُبلة!"

نَظَرَت ستِلا إلى الغُرابِ بأعيُنَ مُتَّسِعة.

-"هاهه! أنتَ لمْ تُقرِّر أن تُسمِعَني صوتَكَ إلَّا عندما حانَ وقتُ رحيلك؟!"

Stellaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن