ش ـ شخصية بن الأشعث وطبيعة جيشه:
لم تكن شخصية ابن الأشعث تملك الصفات القيادية من بعد نظر، وثاقب فكر، وتقدير للأمور، وثبات في المواقف، فقد وقع في شباك رتبيل وباعه للحجّاج مقابل مصالحه وتحالف مع الكفّار ضد المسلمين، ولم يستطع أن يقود جيشه كما يريد بل انقاد لعواطف ومشاعر الجنود فأودت به إلى حتفه، كما أن جيشه لم يكن ينقصه عدد أو عدة، ولكن حماسهم خفّ بسبب طول انتظارهم، ولم تكن لهم طاعة قوية لرؤسائهم، بعكس أهل الشام الذين كانوا جنداً نظاميين بكل ما لهذه الكلمة من معاني ، وهذه أبيات من الشعر تصوّر حزنهم واعترافهم بأنهم لم يصبروا ويدافعوا حق المدافعة عن دنياهم التي أضاعوها بتفريطهم:
أيا لهفاً ويا حزناً جميعاً
ويا حر الفؤاد لما لقينا
تركنا الدين والدنيا جميعاً
وأسلمنا الحلائل والبنينا
فما كنا أناساً أهل دين
فنصبر في البلاء إذا ابتلينا
وما كنا أناساً أهل دنيا
فنمنعها ولو لم نرجُ دينا
تركنا دورنا لطغام عَكٍ
وأنباط القرى والأشعَرينا
6 ـ من نتائج فشل ثورة بن الأشعث :
أ ـ ازدياد تسلط الحجّاج:
ترتب على فشل نتائج ثورة ابن الأشعث نتائج خطيرة وسيئة، فقد زاد انتصار الحجّاج في النهاية على الثوار من تسلطه وتجبره، واشتد أكثر في تضييقه على العلماء فقتل من قتل منهم وسجن من سجن منهم وهرب من وجهه من استطاع .
ب ـ ندم الكثير من العلماء:
وندم الكثير من العلماء المشاركين في ثورة ابن الأشعث، فهذا طلحة بن مصرف يقول: شهدت الجماجم، فما رميت، ولا طعنت، ولا ضربت، ولوددت أن هذه سقطت هنا ولم أكن شهدتها ، وعن محمد بن طلحة قال: رآني زبيد اليامي مع العلاء بن عبد الكريم ونحن نضحك فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت ولوددت أن يدي ـ أو قال يميني قطعت من العضد وأني لم أكن شهدت ، كما ندم عقبة بن عبد الغافر على مشاركته في القتال كذلك، وغيرهم من العلماء.
جـ ـ انتصار رأي العلماء القائلين بعدم الخروج:
علت منزلة العلماء الذين اعتزلوا تلك الفتنة ولم يشاركوا فيها، فعن ابن عون قال: كان مسلم بن يسار أرفع عندأهل البصرة من الحسن حتى خف مع ابن الأشعث وكف الحسن، فلم يزل أبو سعيد ـ يعني الحسن ـ في علو منها ، وقد أسهمت حركة ابن الأشعث ـ بنهايتها بتلك الصور ـ في إقناع كثير ممن كان يرى استخدام القوة وحمل السيف لتغيير الجور والظلم الواقع من الولاة بعدم جدواها ولذلك قال ابن تيمية عقب الحديث عن ما حدث من فتن وقعت باجتهاد من بعض أهل العلم والصلاح، كخروج الحسين بن علي رضي الله عنه، وفتنة خروج أهل المدينة ووقعة الحرّة وفتنة ابن الأشعث قال: ولهذا استقر مذهب أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم ، وقال ابن حجر في ترجمة أحد هؤلاء الذين كانوا يرون السّيف: كان يرى الخروج بالسّيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسَّلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه أفضى إلى أشدّ منه، ففي وقعة الحرّة ووقعة ابن الأشعث ـ يعني: دير الجماجم ـ وغيرها عظة لمن تدبر .