بعد تخرجي من الجامعة بتقدير جيد جداً، والتحاقي بعمل مناسب، وانشغالي به، وعدم إيجادي أياً من مواصفات الشريك المناسب فيمن تقدّموا لي، زاد انشغالي بعملي الذي أحبه حتى بلغت الرابعة والثلاثين من عمري، إلى أن تقدّم شاب يكبرني بعامين لكنه يمرّ بظروف صعبة مالياً، لكنني رضيت خوفاً من فوات فرصة الزواج. بعد الاتفاق على موعد عقد القران، وانشغالي بالترتيبات، اتصلت بي والدته وطلبت مقابلتها بأسرع وقت، ذهبت لأقابلها رغم عدم معرفتي سبب إصرارها على مقابلتي خارج المنزل، بدا على وجهها الضيق بشكل واضح، حاولت التحدث بمواضيع مختلفة لتخفيف التوتر، لكنها وبشكل مفاجئ طلبت مني رؤية بطاقتي الشخصية، وكان أول سؤال منها: هل تاريخ ميلادي فيها صحيح؟، أجبتها: نعم، إذاً أنتِ تقاربين الأربعين من العمر، صدمتني بجملتها، لكنني حاولت تمالك نفسي، أجبتها: أنا في الرابعة والثلاثين فقط، قالت لن يختلف الأمر فقد تجاوزت الثلاثين، وقلّت فرص إنجابك وأريد أن أرى أحفادي، انتهى الحديث بيننا بفسخ الخطوبة. مرت عليّ ستة أشهر عصيبة مليئة بالاكتئاب والحزن، لاحظ والدي تغير حالي فاقترح عليّ الذهاب لأداء العمرة أغسل بها الحزن والهمّ، وأحسن نفسيتي، بعد أيام ذهبنا فعلياً وأدينا العمرة، وجلست في البيت العتيق أصلي وأبكي وادعو الله ان يهيئ لي من أمري رشداً، أنهيت صلاتي، ولفت انتباهي صوت امرأة ترتّل: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) بصوت فائق الجمال، فقدت السيطرة على نفسي باكية رغماً عني، اقتربت هذه السيدة مني، وأخذت تردد قول الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ)، هدأت نفسي وكأنني أسمعها لأول مرة. وصلنا إلى مطار القاهرة، وعند نزولي من الطائرة وجدت زوج صديقتي في صالة الانتظار، وسأله والدي عن سبب مجيئه فأجابه بأنه في انتظار صديق عائد على نفس الطائرة التي جئنا بها، جاء صديقه لأجد أنه جارنا في مقاعد الطائرة، ثم غادرنا، وما إن وصلنا إلى المنزل إذ ببصديقتي تتصل بي لتقول لي أن صديق زوجها أعجب بي، ويرغب برؤيتي في بيتها في نفس الليلة لأنّ خير البر عاجله. استشرت والدي في الأمر، فشجعني على الذهاب ففعلت. لم تمضِ أيام حتى تقدّم لخطبتي، وأتممنا أمور الزواج خلال شهرين لا أكثر، وبدأت حياتي الزوجية بتفاؤل، إذ وجدت في زوجي كل ما أردت، مرت شهور ولم تظهر أي علامات للحمل، كنت قلقة خاصة أني تجاوزت السادسة والثلاثين، ما دفعني لطلبت إجراء بعض التحاليل والفحوصات من زوجي، لم يرفض لي طلبي وذهبنا سوياً إلى طبيبة مختصة، وعند استلام النتائج فاجأتنا بخبر حملي!! أثناء حملي حرصت على ألّا أعرف نوع الجنين لإيماني بأن كل ما سيأتيني من الله خير، وكلما شكوت لطبيبتي من إحساسي بكبر حجم بطني فسرّته بسبب تقدّمي في السن، مرت الشهور بصعوبتها إلى أن حان موعد ولادتي، وإجريت العملية بنجاح، ونقلت إلى غرفتي في المستشفى بانتظار رؤية طفلي، جاءت الطبيبة تستفسر مني عن نوع الجنين الذي أرغب، فأجبتها بأني تمنيت من الله مولوداً يتمتع بصحة جيدة فقط ولا يهمني نوعه، فكان ردها صادماً: ما رأيك في أنك أنجبت ثلاثة توائم!! لم أدرك ما قالته، فطلبت مني التحكم بردود فعلي، إذ إن الله تعالى عوّضني بثلاثة أطفال دفعة واحدة رحمة منه، وأخبرتني أنها كانت على علم بأني حامل بتوأم لكنها لم تبلغني بذلك؛ حتى لا أتوتر خلال حملي، تذكرت لحظتها قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا).