بنت الظلام

320 3 0
                                    

توطئة

سلطان الظلام يبدو فتي ماجدآ

(شكسپير)
كان أليكس ستافورد كما قالت عنه ماما تمامآ. طويل القامة ، أسمر البشرة ، لم تر سارة اجمل منه . حتي انه ، في ثياب ركوب الخيل المغبرة وشعره مبلول بالعرق ، بدا شبيها بالأمراء في القصص التي قرأتها ماما. وقد خفق قلب سارة بفرح غامر وفخر نادر . فليس بين الاباء الأخرين الذين شاهدتهم في للكنيسة من يشبهه .
نظر اليها بعينيه القاتمتين ، فارتقص قلبها . كانت لابسة أفضل فستان أزرق لديها ، ومئزرآ ابيض ، وقد ضفرت ماما شعرها وربطته بشريطتين،قرنفليةوزرقاء . هل أعجب منظرها بابا ؟قالت ماما إن الأزرق هو لونه المفضل، ولكن لماذا لم يبتسم ؟ أهي مملة ؟كذلك قالت ماما إن عليها إن عليها أن تقف مستقيمة وساكنة وتتصرف كأنها سيدة.و قالت ماما إن ذلك سيعجبه. إلاأنه لم يبدو مسرورا قط.
بادرت ماما قائلة بصوت بدا غريبآ ومشدودا كما لو كانت تختنق: أليست جميلة يا أليكس ؟أليست بنت صغيره رأيتها يومآ؟
ولاحظت سارة العبوس باديا في عيني بابا السوداوين. لقد بدا غاضبآ، كما تبدو ماما احيانا عندما تكثر سارة من الكلام، أو تسأل أسئلة فوق الحد.
وتكلمت ماما بسرعة زائدة. أكانت خائفة ؟ولكن لماذا ؟قالت : دقائق قليلة فقط.هذا كل ما أطلبه يا أليكس . رجاء .ذلك سيعني لها الكثير .
حدق أليكس ستافورد الي سارة من فوق.كان فمه مزموما فيما راح يتفحصها صامتا وهي واقفة بلا حراك قدر إستطاعتها. لقد تأملت صورتها في المرآة صباح اليوم، وهي تعرف ماذا سيراه. كان لها ذقن ابيها وانفه ، وشعر امها الأشقر وبشرتها البيضاء.وكانت عيناها ايضآ كعيني أمها، مع أنهما كانتا اكثر زرقة. وقد أرادت أن يعتبرها بابا جميلة ، فحدقت إليه رافعة رأسها بأمل. غير أن نظرات عينيه لم تكن مطمئنه.
هل إخترت اللون الأزرق قصدآ يا مي؟.... لانه يبرز لون عينيها؟
أجفلت سارة من كلمات بابا هذة التي تميزت بالبرودة والغضب،ولم تستطع تحمل الأمر ،فنظرت إلي أمها وقد غاص قلبها ، فإذا بوجه امها ينضح ألمآ.
ألقي أليكس نظرة علي الهبو، وتساءل : أين كليو ؟
فقالت ماما بهدوء ، مبقية رأسها عاليآ:ليست هنا . لقد أعطيتها اليوم عطلة .
بدت عينا بابا أكثر قتامآ بعد وهو يقول: صحيح؟من شأن ذلك أن يخلي لك الساحة .
أليس كذلك يا عزيزتي؟
جمدت ماما قليلآ، ثم عضت شفتاها وأومأت بعينيها إلي سارة. تري، ما الخطب ؟
سألت سارة نفسها بحزن . ألم يكن بابا مسرورآ برؤيتها؟لقد تشوقت كثيرآ أن تقابله أخيرآ ،
ولو هنيهة.....
وجهت ماما كلامها الي بابا: ماذا تريد مني أن أفعل؟فظلت سارة صامتة ، إلا انها لم تفقد
الأمل
ابعتيها وراء كليو ، فهي تعرف أين تجدها، علي ما اعتقد . فتورد خدآ ماما، وقالت :
ماذا تقصد يا أليكس ؟أني أستقبل غيرك في غيابك؟
ضاعت بسمة سارة وسط ارتباكها . كانا يتكلمان بمنتهي بالبرودة احداهما مع الاخر.
ولم ينظر اليها أي منهما. هل نسيا أنها هناك ؟ما المشكلة ؟ لقد سيطر الذهول
ماما . فلماذا غضب بابا بسبب غياب كليو عن البيت؟
نظرت سارة ال كليهما وقد عضعضت شفتها. ثم اقتربت، وشدت معطف ابيها. بابا.....
لا تناديني بهذا.
طرفت عيناها، خائفة ومرتبكة من تصرفه. لقد كان هو أباها. هكذا قالت ماما.
حتي انه كان يحضر لها هدايا كلما جاء. وماما أعطتها إياها. لعله غضبان لأنها لم
تشكرة قط . أود أن أشكرك علي الهدايا التي ....
قالت ماما فورآ: سكوتآ يا سارة . ليس الأن يا حبيبتي!
فرمق بابا ماما بنظرة راعدة: دعيها تتكلم . أليس هذا ما أردته؟لماذا تسكتينها
الأن يا مي ؟
تقدمت ماما أكثر ، ووضعت يدها علي كتف سارة. وكان في وسع سارة أن تحس
أصابع ماما ترتجف . إلا أن بابا انحني صوبها مبتسمآ وقال : أية هدايا؟
بدا لها وسيما جدآ، كما قالت ماما تمامآ . وشعرت بالفخر لأن لها أبآ مثله
قولي بس ياصغيرة !
فقالت سارة، شاعرة بالدفء والفخار حيال عطفه وإهتمامه :تعجبني دائما
السكاكر التي تجلبها لي . هي طيبة جدآ . ولكن أكثر الكل تعجبني الوزة البلورية ؟
ابتسمت من جديد وهي تتألق فرحآ لإصغاء بابا إليها بكل إنتباه . بل انه إبتسم
أيضا ، وإن لم تتأكد سارة من اعجابها بابتسامته . فقد كانت ضيقة ومشدودة .
ثم إعتدل وقال ناظرآ إلي ماما : صحيح؟يسرني جدآ أن أعلم كم تعني هداياي .
فرفعت سارة نظرها إلي أبيها ، مبتهجة باستحسانه، وقالت : وضعتها علي حافة شباكي .
الشمس تبعث اشعتها من خلالها وتجعل الألوان تتراقص علي الحائط . أتحب
أن نأتي معي لتري ؟ثم أمسكت بيده . لكنه إنتفض مبتعدآ ، فطرفت عيناها وقد
شعرت بالألم ، غير فاهمة شيئآ
عضت ماما شفتها ومدت يدها نحو بابا ،، ثم توقفت فجأة . وظهر عليها الخوف من جديد . وقلبت سارة نظرها بين والديها ، عسي أن تفهم . فيم أخطأت ؟ألم يسر بابا أنهاأعجبت بهدياه؟
هكذا إذا تعطين البنت هداياي !جيد أن أعرف قيمتها في نظرك.
عضت سارة شفتها حيال البرودة في صوت بابا . ولكن قبل أن يتاح لها أن تتكلم ،
مست ماما كتفها برفق ، وقالت؟ حبيبتي ، كوني بنتأ عاقلة ، وأخرجي خارجأ والعبي الأن.
رفعت سارة نظرها متضايقة . هل أخطأت في أي تصرف؟ألا يمكنني أن أبقي ؟
سأكون هادئة جدآ. ولم يبدو أن ماما تقدر أن تقول أكثر من ذلك . فقد أغرورقت
عيناها، شاخصة الي بابا .
انحني أليكس نحو سارة وقال بهدوء :أريد منك أن تخرجي خارجآ وتلعبي . أود
أن أتحدث مع أمك وحدنا . ثم إبتسم وربت خدها.
إبتسمت سارة ، مفتونة تمامآ. لقد لمسها بابا ، ولم يكن غاضبآ قط . إنه يحبها !تمامآ
كما قالت ماما . هل يمكن أن أرجع عندما تنهيان حديثكما ؟
فاعتدل بابا بتصلب ، وقال ستخرج أمك وتأتي بك عندما تصير جاهزة . والأن
أركضي الي الخارج كما قلت لك.
نعم بابا. ودت سارة لو تبقي ، ولكنها ارادت أن تسر أباها أكثر . فخرجت من
غرفة الإستقبال، وسارعت الخطو عبر المطبخ نحو الباب الخلفي. ثم قطفت شيئآ من زهر
الاقحوان من مرجة الحديقة بقرب الباب ، وبعدئذ توجهت إلي تعريشة الورد واخذت
تنتف وريقات الزهر قائلة :يحبني ....لا يحبني ....يحبني .....لا يحبني . وسكتت إذ
دارتحول الزاوية . لم ترد أن تزعج ماما وبابا . أرادت فقط أن تكون قريبة منهما .
راحت سارة احلم راضية . وربما يحملها بابا علي كتفيه . وتساءلت هل يصحبها في
جولة علي ظهر حصانه الأسود الكبير . سيكون عليها طبعآ أن تغير فستانها . فهو لن يريد
أن توسخه . وودت لو سمح لها بالجلوس في حضنه وهو يحدث ماما . كان من شأن
ذلك أن يروقها كثيرآ ، وما كانت لتزعج بابا طبعآ.
كان شباك غرفة الاستقبال مفتوحآ، فاستطاعت أن تسمع صوتيهما . كان يروق ماما
أن تعبق رائحة الزهور في الردهة . وأرادت سارة أن تقعد وتصغي الي حديث أبويها
بتلك الطريقة تعرف تماما متي يريد بابا أن ترجع إلي الداخل . وإذا قعدت صامتة ، فلن
تزعجهما ، وكل ما ينبغي أن تفعله ماما هو أن تطل برأسها وتناديها باسمها .
ماذا كان علي أن أعمل يا أليكس ؟ لم تقضي معها قط ولو دقيقة واحدة . ماذا كان
علي أن أقول لها ؟ أن أباها لا يعنيه أمرها ؟ انه يتمني لو لم تولد أصلأ؟
انفرجت شفتا سارة . أنكر الأمر يا بابا ، أنكره !
لقد جلبت لك انت الوزة من أوروبا ، فرميتها الي بنت لا تقدر قيمتها أبدآ.
هل أعطيتها اللالئ أيضآ؟ وماذا بشأن الصندوق الموسيقي؟ أعتقد أنها حصلت
عليه أيضآ!
سقطت الأقحوانات من يد سارة . وقعدت علي الأرض غير آبهة بفستانها الجميل .
وقد تباطأت دقات قلبها بعد فرح غامر ولي . وبدا أن كل ما بداخلها يغور هبوطآ مع
كل كلمة .
أليكس ، رجاء !ام أر ضررآ في ذلك . لقد سهل الأمور .فهذا الصباح سألتني هل
كبرت كفاية حتي تقابلك . وهي تسألني كلما علمت أنك أت . فكيف يمكنني أن أقول
لها لا مرة أخري ؟لم يطاوعني قلبي . أنها لا تفهم إهمالك ، ولا أنا أفهمه.
أنت تعرفين حقيقة شعوري تجاهها .
كيف يمكنك أن تعبر عن مشاعرك هذا ؟إنك لم تعرفها بعد ! هي بنت رائعة يا
أليكس . هي نشيطة وفاتنة ولا تخاف شيئآ. إنها مثلك من نواح كثيرة . إنها شخصية
ذات شأن يا أليكس!لا يمكنك أن تتجاهل وجودها إلي الأبد . إنها إبنتك ......
عندي ما يكفي من الأولاد من زوجتي . أولاد شرعيون . قلت لكي إنني لم أرد ولدا أخر
كيف يمكنك أن تقول هذا ؟ كيف تقدر ألا تحب لحمك ودمك ؟
قلت لكي كيف شعرت من البدايه . لكنك لم تصغي . ما كان .يجب أن تولد قطعآ ،
ولكنك يا مي أصررت علي تنفيذ رأيك .
هل تعتقد أنني أردت أن أحبل ؟ هل تعتقد أنني نويت أن أنجبها؟
غالبآ ما تسألت عن هذا. خصوصآ عندما رتبت لك طريقة للخروج من الورطة ،
فرفضت . كان في وسع الطبيب الذي أرسلته إرسلته إليك أن يحل المشكلة من أساسها. كان يمكنه أن يتخلص من ...
لم استطع القيام بذلك كيف كان في وسعك أن تتوقع مني قتل جنيني؟ألا
تعي ؟هذه خطيئة مميتة !
فقال ساخرا :لقد قضيت في للكنيسة أوقاتآ أطول من اللازم . هل خطر في بالك
مرة أنك لو تخلصت منها كما رتبت لكي ما وجهت هذه المشاكل . غير انكي هربتي !
وقالت ماما بانكسار :لقد أردتها !كانت جزءآ منك يا أليكس ، وجزءا مني . وقد
أردتها حتي رغم رفضك لها....
أذلك هو السبب الحقيقي ؟
انك تؤذيني يا أليكس!
وجفلت سارة لما تحطم شئ ما . أذلك هو السبب الحقيقي يا مي ؟ أم إحتفظتي
بها لانكي حسبتي أن حملك بطفلي يمكنك مني بطريقة لا تتأتي لكي لولا ه
أنذاك أخذت ماما تبكي . لا يمكنك أن تصدق ذلك ! ألست تصدقه ؟ انت غبي
يا أليكس .اه ، ماذا فعلت؟ لقد تخليت عن كل شئ لأجلك ! عائلتي ، أصدقائي ،
احترامي لذاتي ، كل ما أمنت به ، كل أمل داخلني يوما....
إشتريت لكي هذا البيت الريفي ، وأنا أعطيتكي كل ما يمكن أن تحتاجي إليه من المال.
علا صوت ماما بنبرة غريبة . أتعرف ماذا يعني لي سيري في شوارع هذه البلدة ؟
أنت تأتي وتمضي متي أردت وكيفما شئت . وهم يعرفون من أنت وما أنا . لا أحد
ينظر الي ، ولا أحد يتكلم إلي . وسارة أيضآ تشعر بذلك . وقد قلت لها إننا نختلف عن
الأخرين . ولست أدري ماذا أقول لها بعد . ثم تهدج صوتها وأضافت : علي الأرجح
إنني سأذهب الي جهنم بسبب ما آلت إليه حالي .
سئمت شعورك بالذنب ، وسئمت سماع حديثك عن تلك البنت . إنها تفسد كل ما بيننا . هل تذكرين كم كنا سعيدين ؟لم نكن نتشاجر قط . وما كنت أحتمل الانتظار حتي اتي اليكي وأكون معك !
لا داعي ...
وكم بقي لي من الوقت معك اليوم ؟ما يكفي ؟ لقد بددته عليها . قلت لكي ما
سيحدث ....ألم أقل ؟يا ليتها لم تولد بتاتا ؟
تفوهت ماما بشتيمة ثقيلة، ثم سمع صوت تحطم . وإذا ارتاعت سارة ، قامت وركضت مبتعدة تسارع الخطو بين ورود ماما وعبر المرجة نحو الممر المؤدي إلي المبني الصغير
فوق ىالنبع ، ركضت حتي لم تعد تقدر أن تركض بعد . ثم تهاوت لاهثة وجنباها في حرقة ، وسط العشب الطويل ، وأخذت كتفاها تجيشان مع تنهد أتها وتأوهاتها والدموع تنهمر
علي وجهها . وسمعت حصانا يعدو صوبها. فاندفعت مذعورة لتختبئ في مكان أفضل
بين دوالي العنب قرب الجدول ، وإسترقت النظر فرأت أباها يجتاز راكبآ علي حصانه
الأسود الكبير ، فلبدت وتكومت في مكانها باكية ، تنتظر مجئ ماما لإصطحابها.
ولكن ماما لم تأتي ، وهي لم تنادها .وبعد قليل ، عادت بخطي متثاقلة إلي مبني
النبع وقعدت قرب الدوالي المزهرة، حيث طال انتظارها . وحين جاءت ماما، كانت
سارة قد كفكفت دموعها ونفضت الغبار عن فستانها الجميل . إلا أنها كانت ما تزال
ترتجف مرتعدة مما سمعته .
كان وجه ماما شاحبآ جدآ ، وعيناها غائرتين وحمراوي الجفون. وكان علي وجهها
كدمة زرقاء قد حاولت إخفاءها بالبودرة الزهرية. وابتسمت ، إلا أن إبتسامتها لم تكن
تلك الابتسامة المعهودة .
أين كنت يا حبيبتي ؟لقد فتشت عنك كثيرآ . وعرفت سارة أنها لم تفعل ذلك ،
بل كانت تنتظر رجوعها. ثم بللت ماما بريقها طرف منديلها المخرم ومسحت لطخة عن
خد سارة . إستدعي أبوك علي عجل في شأن من شؤون العمل.
سألت سارة خائفة: أهو راجع؟ فهي لم ترد قط أن يرجع، بعدما أذي ماما وأبكاها.
ربما يطول غيابه هذه المرة .ما علينا إلا الانتظار حتي نعرف . إنه رجل كثير الأشغال
وعالي الشأن.
لم تقل سارة كلمة واحدة ، فأنهضتها أمها وضمتها إلي صدرها بشدة قائلة :لا
بأس يا حبيبة قلبي . أتعرفين ما سنفعله ؟ سنرجع إلي البيت ونغير ثيابنا . ثم نعد زاد
ونقوم بنزهة إلي ضفة الجدول . أيروقك ذلك ؟
وأومأت سارة برأسها إيجابا ، وطوقت عنق ماما بذراعيها. إرتجف فمها وحاولت ألا
تبكي .فلو بكت ، لربما عرفت ماما أنها كانت تتسمع خلسة فغضبت هي أيضآ
إحتضنتها ماما بقوة ووجهها مدسوس في شعر الصغيرة . سنجتاز هذه الأزمة
سترين ذلك يا حبيبة قلبي . نعم سنجتازها ، سنجتازها .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 16, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الحب المحررحيث تعيش القصص. اكتشف الآن