الفصل ١

11.6K 486 812
                                    

••

كم قدر الثبات الذي يتطلبه الوقوف لأخذ صورة عائلية، ستعلق بإطار عملاق في صدر البيت؟

حتماً ليس بقدر الثبات الذي يتطلبه الانصياع الدائم لجدتي كبيرة العائلة، الزعيمة، السلطانة، الهانم، السيدة، ست البيت- او السراي لا فرق..

الجميع تحت يدها وامرتها، حتى وان تمردنا وعصينا في الخارج، حتى وان انكرنا عيشنا لحياتين مختلفتين واحدة بوجودها والثانية بدونها، حين تصبح هنا في الداخل لا يوجد سوى التذلل لها.. ونيل رضاها-

وكم مكروه أمر التذلل لأحد لغرض النجاة من العواقب.

أنا ذكر راشد، ربما رجل في نظر أمي وشاب يافع لأبي، لكن مجرد ولد لجدتي، لن يكون رجلاً الى أن يصبح زوجاً وأباً.

بداخل اطار تحبسنا حولها، وهي محتضنة حفيدها الجديد، أو كما يرد بعقلها- قطعة الطين التي ستشكلها كما ترغب، فتصنع منه امتداداً لأسوارها الظالمة.

حفيد- ذكر جديد، رأس طفولي بريء سيُنفخ في يوم بأكاذيب وادعاءات هذه العائلة..

في ذلك الإطار وحول جدتي- جليلة هانم نقف ثابتين في مطارحنا المدروسة-

على اليمين امي- يولاند، في عيونها الفراغ، ولا ابتسامة كأنها دمية من زجاج..

بجانبها أبي- جلال الدين، كلّف نفسه وحضر ملبياً رغبة أمه الجليلة لتلك الصورة..

بينهما شقيقتي- روح قلبنا العليل، الجميلة ذات الست أعوام التي وصَموها بإسم ظالم- جليلة كجدتها..

على اليسار، عمي الأكبر- جليل، نال من اسمه النصيب، وهو رزانة هذا البيت ولينه، بعكس شقيقه، أبي الاعصار والغضب.

معه زوجته- جلسان، إبنة عائلة عريقة أصولها معروفة حتى سابع جد، منضبطة ناضجة، على ذوق جدتي، وهي ايضاً بعكس سلفتها، أمي متمردة مشتعلة.. كانت.

بجانبها تقف كنتها- أليسار، المرأة المثالية بنظر جدتي، من تفني نفسها لزوجها وتنجب له ولداً يكمله-

وهي والدة الطفل الجديد- جليل الاصغر.

أما والد الطفل- أصيل، زوج أليسار، ابن جلسان وجليل- فيقف على جنب، في أقصى اليسار، صديقي الذي يصغرني بعامين فقط.. كان.. هو الآن كبر وتزوج ولم يعد يرافق الغير ناضجين والعُزّب.

وفي اقصى اليمين أقف أنا- بلا شيء.

غالبيتنا عاد الى الواقع من رحلته في افكاره الغائمة، بعد ان قال المصور-

"لا يعقل ان يسار الصورة ضاحك ويمينها متجهم.. من فضلكم تعدلوا حين العد الى ثلاثة"

سمعت همس والدي لامي "حتماً لن ابتسم غصبًا"

فقالت جدتي للمصور "عائلة آزر الأصيلة لا تبتسم في الصور كأنها عائلة قروية تسير في نزهة، وجوهنا هكذا فياض بيه، عبوسها هيبة"

Veni, Vidi, Amavi ĮĮ ضَلّ/يحيث تعيش القصص. اكتشف الآن