الفصل الواحد والعشرون

8.9K 356 11
                                    

أولاً سوري على التأخير بس النت فصل قبل الفجر على طول 😔😔
ثانياً شكراً لكل الناس اللي بتحط فوت وكومنت بجد علشان انتوا بتفرحوني جججججداً

قبل عدة أيام
في منزل حامد (والد لمياء)
تغضّن ملامحها و نظرة الألم التي ظهرت في حدقتيها قتلاه..
أيُعقل لازالت تحبه؟
انتقلت نظرات مروان إلى ماهر؛ ذاك الذي يرمقها بكل شغف.. عشق خالص لا يشك فيه أحد؛ لتشتعل نيران الغيرة في صدره هو..
في الأمس القريب كانت لغيره، فلم يكن يحق له الغيرة أو التفكير فيها..
أما اليوم فهي تخصّه، على بُعد خطوات من امتلاكه لها؛ لذا لا يحق للآخر النظر لها بهذه الطريقة!
امتد الاشتعال إلى عينيه، فلمعت حدقتاه بنيران ملتهبة.. خطِرة، تهدد ماهر من التفكير في الاقتراب.. التفكير فقط!
من جهة أخرى
رمش ماهر بعينيه بصدمة و هو يرى الجالس مع حبيبته و عائلتها بكل أريحية، و كأنه.. كأنه في بيته!
«مستحيل، لا مستحيل»
نطق لسانه و آلاف من الخيالات تهاجم عقله بلا رحمة..
لم ينساه، صحيح أنه لم يراه من قبل سوى مرة واحدة، إلا أن وجهه، عيناه التي سطعت يوم اللقاء ببريق غريب أثار ريبته، جعل ملامحه تُحفر في أعماق قلبه..
صاح بغيرة و عقله يردد أن لمياء لم تعد له:
«أنت ماذا تفعل هنا؟
لِمَ أتيت؟»
و بغيرة مماثلة إن لم تفوقها بأضعاف، انتفض مروان من مكانه متحفزاً.. مستعداً لإلقاء ماهر خارج المنزل!
في حين التفت ماهر إلى لمياء، و صاح:
«انطقي، ماذا يفعل هذا الشخص هنا؟
هل نسيتِني بهذه السرعة؟
تخلصّتي من حبي بهذه السهولة!
و أنا مَن أنام فأحلم بكِ، أستيقظ فلا أكفّ عن التفكير في طريقة لنيل مسامحتكِ»
غيرة.. قهر.. مرارة.. عدم تصديق..
كل هذا تجمّع في نبرة صوته و أوشت به ملامحه المرهقة.. المعذبّة..
ترتعش شفتا لمياء، تُذرف دموعها، جراحها التي لم تلتئم حتى الآن تؤلمها بشدة..
نظرة عيناها إليه، و آه و ألف آه منها..
كم جرحته في الصميم، كأنها تغرز خنجراً في قلبه بكل قسوة!
نظرة محمّلة بالحب.. اللوم.. العتاب.. الرغبة!
رغبة أشعلت خلاياه، عقله لا يفسّرها إلا بطريقة واحدة!
انطلق جسده و عقله المجنون يقوده لإعلان ملكيته لها، يقطع احتمالية الوصال بينها و بين ماهر، إلا أن ذراع هيثم امتدت لتمنعه، يرسل له نظرة قوية.. محذرة من التدخل!
يزفر أنفاسه بعنف، و بكل سيطرة لازال يملكها هتف لنفسه:
«اهدأ، لن يحدث ما يتمناه، لن يعود إليها..
حتى إن كانت هي حمقاء و تود ذلك، عائلتها لن تسمح لها..
حتى إن كانت حمقاء و لازالت تحبه، سأنسيها ذلك، سأمتلك قلبها و استحوذ عليه، فلا ينبض إلا لي، ينتفض بلهفة عند التفكير بي»
و هي كانت ترمق مَن جرحها من بين دموعها، تحبه نعم..
لكن مَن قال أن الحب هو أساس الزواج؟
إنها لا تثق فيه، لا تجزم أنه سيمنحها كل عاطفته، يتفهّم علّتها، تخاف أن يأتي يوم و ينظر لها بشفقة أو احتقار، أو أن يتخلصّ منها ثم يبدي تسرّعه و ندمه!
لقد بدأت تتأقلم مع وحدتها، تتقبّل فكرة أنها لن تكون لرجل أبداً، غلفّت قلبها بحصون من جليد لتقيه من الآلام و الأوجاع..
نظرة أخيرة ألقتها عليه قبل أن تسحب عكازها بصمت، تستند عليه متجهة إلى غرفتها، فتتبعها والدتها بسرعة لتخفف عنها..
يزفر مروان أنفاسه ك بارتياح، على الأقل هي ليست حمقاء إلى الحد الذي كان يتوقعه!
«انتظري يا لمياء، انتظري..
يجب أن نتحدث، أنا لا استطيع العيش من دونكِ حبيبتي»
إلا أنها تجاهلته و تابعت طريقها في صمت حتى أغلقت الباب في وجهه!
ضحكة ساخرة فلتت من مروان استفزت ماهر و جعلت الغضب يعمي عينيه..
انطلق نحو مروان، لا يرى أمامه سوى مظهره و هو مغطى بالدماء..
أوشك بالفعل على تحقيق ذلك، إلا أن هيثم اعترض طريقه، يدفعه للخلف بقوة أخرج فيها كل غضبه منه، غضبه الذي يندلع كلما رآه!
و ببرود يناقض قوته و حدة نظراته، بنبرة أقرب للإستفزاز صاحبتها ابتسامة شامتة قال:
«أظن أن الجواب وصلك، لذا لا داعي لوجوك هنا»
زمجر ماهر بحنق و مشاعره القديمة اتجاه هيثم تسيطر عليه، قفز مقترباً منه، يلقنه درساً كالآخر الذي يود سرقة حبيبته منه!
يتدخل حامد منهياً الأمر برمته بفتحه لباب الشقة و دفع ماهر للخارج..
يصيح الأخير بجنون و هو يحاول المقاومة:
«اتركني، لن يستطيع أحد أخذها منّي..
أتسمعيني لمياء؟
أنتِ حبيبتي.. زوجتي.. لي أنا، و لن يأخذكِ هذا المتطفل منّي، سأقتله قبل أن يلمس خصلة من شعركِ»
وصل صياحه المجنون إلى غرفتها..
تضحك بسخرية و هي تدفن وجهها في حضن والدتها..
مجنون، كيف يظن أن شاب كمروان سيفكر في فتاة مثلها؟
إن كان هو مَن كان يغفى و يستيقظ متغنياً بعشقه لها تركها و لم يتحمّل..
فكيف بمَن لا يحمل لها أي مشاعر؟!
هبطت دموعها مغرقة صدر والدتها، ربتت الأخيرة على ظهرها و جذبتها أكثر إلى أحضانها..
تتمسك لمياء بها بوهن معترفة لنفسها أنها تتمنى ذلك.. أن يفكر فيها رجل و يراها جميلة الجميلات، و لكنها تعلم أن هذا مستحيل!
**********
رمشت بعينيها بعدم استيعاب، بحماقة كانت ستطلب من والدها أن يضربها كي تصدق أنها لا تحلم!
شريف يريدها هي زوجة!
كيف؟
قدّر جلال الدين حالة الصدمة التي تمر بها، لقد تعرضت للكثير خلال أيام قليلة، ضغوطات و خطط حقيرة لا يتحملها عقلها، ففضّل ترك المساحة لها لتستوعب و تفكر، على كل الأحوال هي لديها الكثير و الكثير من الوقت قبل التصريح برأيها!
«فكري جيداً حبيبتي لديكِ كل الوقت، و من جهتي أعدكِ ألا أتسرع مجدداً، لن امنحك إلا لرجل يستحقكِ، واثق أنه سيحميكِ بحياته»
تركها و غادر و هي تتابعه بنظراتها بدهشة، سُرعان ما عبرت عنها بضحكة عالية و عقلها لازال في حالة عدم الاستيعاب!
استلقت على سريرها منعقدة الحاجبين تحدق في الغرفة بشرود، لحظاتها مع شريف تمر أمام عينيها بسرعة..
تتوقف عند بعضها، كقطار سريع يقف عند كل محطة لعدة دقائق!
كانت المحطة الأولى لقائها الأول به، ازداد انعقاد حاجبيها و ظهر الغضب في مقلتيها متذكّرة ندائه لها بالصغيرة و معاملته لها على أنها طفلة لا تتجاوز الخامسة عشر!
تنطلق ضحكتها العالية و رد فعله عندما علم أنها الصحفية التي قصدها تتراءى أمام عينيها..
من ثم المحطة الثانية، عندما لم تستجب لأوامره في الابتعاد و سعت للحصول على المعلومات التي تريدها، من مقر عمله تحديداً!
و كانت النتيجة حمله لها من تلابيب قميصها كالفتى الشارد و إلقاءها في مكتبه لمحاسبتها!
و المحطة الثالثة و الرابعة، تتعالى ضحكاتها أكثر و أكثر حتى لم تعد قادرة على التنفسّ، مكتشفة أن كل لقاءاتها مع شريف تحمل الكثير من الإثارة.. المرح.. المشاكسة..
كيف لم تنتبه لهذا من قبل؟!
**********
صباح اليوم التالي
«آتي إليك؟»
هتفت بدهشة غير مدركة الهدف وراء ذلك، عقلها يبدو أنه توقف عن العمل بسبب كثرة التفكير فيه!
يوضح شريف لها ضرورة ذلك في عدة كلمات موجزة، يخبرها أنها من اليوم ستكون من العاملين معه أمام سليم و عائلته، هذا سيخدمه كثيراً في الوصول إلى غايته، و في نفس الوقت ستكون هي ورقة رابحة لدى سليم بعد أن كانت محروقة!
تتفهّم براءة ما يدور في عقله، تقول بطاعة: «حسناً دقائق و سأكون لديك»
أغلقت الخط ثم تحركت لالتقاط ملابسها، لتتوقف عيناها عند أحدها و ضحكتها تتعالى ، تتذكّر ما فعله معها من قبل عندما ارتدته، لتقرر ارتداءه اليوم بعد أن أصبحت من أصدقائه، أو ربما...!
**********
طرقات خفيفة على باب مكتبه.. رقيقة كصاحبتها بكل تأكيد، فلا أحد من رجال الأمن سيطرق الباب هكذا!
يُفتح الباب و تظهر من خلفه كما توقع، لكن ما تعجّب منه أن تمتلك الطفلة المشاكسة.. المستفزة كل هذه الرقة!
توقفت براءة عند الباب للحظة، مفكرة أن هذه المرة مختلفة عن أي مرة أتتها من قبل إلى مكتبه، ليس فقط لعملها معه و ليس ضده، بل لأنها إن وافقت سيصبح هذا الشخص.. خطيبها!
يستغل هو هذه اللحظة في تأملها، السالبيت العجيب الذي ترتديه و الذي يُظهرها أقل من عمرها بكثير، تحديداً كالأطفال!
يجد نفسه يهتف بمشاكسة: «ادخلي يا صغيرة»
ارتفع حاجباها استفزازاً، هذا ما يجيده شريف؛ استفزاز شخصيتها..
في حين أن سليم يبرع في استفزاز أنوثتها و التلاعب بها..
شريف ينفذ إلى أعماقها فيُخرج جميع انفعالاتها و يجعلها تتصرف بعفوية و دون تفكير..
و سليم يُحكم قيده حول أنوثتها فيجعلها متوترة.. غير قادرة على التصرف أو الحديث..
شريف يجعلها مشتعلة..
و سليم يجعلها مُختنقة..
هذا ما اكتشفته بعد ليلة طويلة قضتها في التفكير في عرض شريف الذي لم تكن تتوقعه و استرجاع لحظاتهما سوياً!
لتسب في آخر الليلة غبائها الذي جعلها تتسرع و توافق على سليم، أقحمها في كل هذه المشاكل!
رفعت رأسها متحركة بإباء لا يليق باللقب الذي يعطيه لها، أصدر ضحكة خافتة زادت من استفزازها، جعلتها تهتف بتهور:
«إن كنت تراني صغيرة، لِمَ طلبت يدي؟»
سيطرت الصدمة على ملامحه، جلال الدين لم يخبره بإعلامها بالأمر، إلا أنه سرعان ما سيطر عليها، مال بجزعه العلوي مستنداً على المكتب بذراعيه، يقول بمشاكسة و عيناه تتفحصّ أقل حركة تصدر منها:
«ابنة شقيقتي تحتاج إلى صديقة»
ضيّقت عينيها رامقة إياه بشر..
تتعالى ضحكاته المستمتعة، فتتعلق نظراتها بها فاغرة فاهها بدهشة، لأول مرة تراه يضحك..
يا الله كم يبدو وسيماً!
لم تشعر به و هو يتحرك ليقف خلفها، فتنتفض و صوته يخترق أذنها:
«انسي هذا الأمر براءة، إياكِ و التفكير فيه حالياً، لا أريد أن يشغل بالكِ سوى العمل و فقط، و لا تنسي أن هذا سيظهر أمام سليم و عائلته لذا عليكِ التصرف بحذر حتى لا يشكوا في أمرنا»
صلابة نبرته و جديتها نبهتها بخطورة الأمر..
أومات برأسها متفهمّة، قبل أن تُصدم برقة نبرته في اعترافه على الرغم من الغيرة التي تظهر فيها!
«أعترف أنني تهورت في الحديث مع والدكِ، لكنني خشيت الانتظار أكثر فيمتلككِ آخر قبلي كالمرة الماضية»
مستحيل، هل كان يفكر فيها و يريدها من قبل سليم؟
هل.. هل يحبها؟
اعترافه أشعل النيران في أوردتها، نيران غريبة لم تجربها من قبل، لمعت بها عيناها منذرة أن القادم لن يكون بخير..
فهي سـ.. تنتقم!
ترتسم ابتسامة لأول مرة يراها على ملامحها، لا تحمل استفزازاً كالمعتاد، لا تحمل خوفاً كالمرة الماضية، بل تحمل تعبير طفولي غريب، يراه دائماً على وجه ابنة شقيقته الصغيرة قبل أن تتشاكس أو ترتكب مصيبة!
**********
«هيثم.. هيثم»
صاحت بعلو صوتها و هي تراه من بعيد، تزامناً مع ركضها للوصول إليه..
توقف ملتفتاً حوله، يبحث عمَن يناديه..
يتمثل الجنان أمامه بشعرها الثائر، ملامحها الممتعضة، نبرتها المتذمرة، جنان قادم من الجنون!
«لقد أرسلت لك أمس على (الماسنجر)..
لِمَ لم ترد عليّ؟»
لوى شفتيه بدهشة، هتف مذكّراً إياها: «صباح الخير..
و أنتِ كيف حالكِ؟»
تنقلب ملامحها إلى أخرى محرجة، تستوعب هجومها الغير مقبول عليه، لكنها تصرفت بعفوية.. كعادتها..
«اعتذر، لقد انفعلت فقط»
يرفع أكتافه ببساطة، يقول: «لا عليكِ، ماذا كنتِ تريدين؟»
تهتف محاولة إصلاح تهورها: «كيف حالك أولاً؟»
تنطلق ضحكة هيثم الشقيّة، يهتف من بينها: «بعد ماذا؟
لقد أفسدتِ الأمر»
تزمّ جنان شفتيها بطفولية هي جزء من شخصيتها، و تتذمّر: «و كأنني أفسدت عملاً مهماً أو أضعت الكثير من الأموال، إنها فقط تحية صباح!»
يرتفع حاجباه رامقاً إياها بذهول من منطقها!
لم يستطع منع نفسه من القول: «إنه الذوق يا آنسة»
يصمت مجبراً نفسه على عدم المتابعة، فإن تابع سيهينها.. حتى و إن كان لا يتعمد ذلك!
لكن بالنسبة إليها كان قد فعلها، فهو يقول أنها عديمة الذوق!
ترمقه بضيق بالغ، تسبه بداخلها..
يرتفع حاجباه أكثر حتى كادا أن يصلا إلى منابت شعره، ملاحظاً التعبير الخطير الذي ارتسم على وجهها..
قال بحذر محاولاً تلطيف الأجواء: «أنا لم اقصد أي إهانة بما قُلته، كنت فقط أوضح لكِ وجهة نظري حيال الأمر»
تبتلع ريقها رامقة إياه من أعلى إلى أسفل بـ.. احتقار!
ثم تنصرف من أمامه دون تعليق.
هل أخطأ معها؟
لقد بدأ الموضوع بمزاح فكيف تحوّل إلى شجار؟
سارع خلفها حتى وصل إليها، وقف أمامها محتفظاً بمسافة مناسبة بينهما، هتف باعتذار حقيقي:
«آسف، أقسم أنني لم اقصد ما فهمتِه..
كنت أجاري مزاحكِ صدقيني»
يمسح على شعره بتوتر، يتابع: «واضح أنني تماديت أكثر من اللازم»
تقول جنان بامتعاض، و هي ترمقه بعدم رضى: «الحقيقة نعم»
يطلق ضحكة خفيفة.. يائسة، ثم يقول: «إذاً؟»
تكتف ذراعيها، و هي تقول بكِبر: «سأسامحك إن أعدت شرح بعض الأجزاء لي»
هذا ما جاءت من أجله إذاً، من الواضح أنها ستتعبه كثيراً!
**********
كثيرة الأسئلة، كثيرة التذمر، لا تكفّ عن سب كل ما يواجهها من صعوبات في المادة..
فتارة تسب مَن طالب بتعليم الفتيات و تدعى عليه مع أنها تدرك موته منذ زمن طويل!
و تارة تسب مَن وضع هذه المادة المليئة بالألغاز!
و بالتأكيد كان دكتور المادة فريسة سبابها اللامنتهي..
و هو مَن اعتقد أمس -أثناء شرحه لها مع زملائهم- أن ما تفعله أقصى ما لديها، اتضح أنه لا شيء!
«أنتِ مشكلة»
نطق لسانه بما يدور في عقله.
ترمقه بطرف عينيها بحنق نابع من عدم فهمها للمادة.
«مشكلة بسيطة يسهل حلها و الاعتياد عليها، ليس كهذا اللغز»
أشارت إلى الكتاب المستقر أمامهما و المحاط بالعديد و العديد من الأوراق، و تابعت:
«سأقضي أربع سنوات أخرى في هذه الجامعة و ربما أكثر كي أقوم بحلّه، هذا إن استطعت!»
تتعالى ضحكات هيثم التي لم تتوقف منذ أن رآها، و كم كان بحاجة لذلك!
أن يجد ما يُخرجه من الضغط الذي يعانيه و لو مؤقتاً، ما يمده بالطاقة لمتابعة مساندته لشقيقته بكل قوته..
تستطيع جنان تغيير مزاجه بعفويتها و مرحها..
«ليس إلى هذه الدرجة، أنتِ لا تذاكري بجدية و هذا هو السبب»
توسعت حدقتاها إثر كلماته، هتفت باستنكار:
«لا أذاكر بجديّة!
أتعلم أن أمس أول مرة منذ أربع سنوات و أكثر التي أذاكر فيها ما يتم شرحه في نفس اليوم..
إنها معجزة بحد ذاتها..
و أنت تأتي لتخبرني أنني لا أذاكر بجديّة!»
يهتف بمرح تملكه، ابتسامة واسعة تزيّن شفتيه: «واو، من المفترض أن نعطيكِ جائزة نوبل، أو ربما تدخلين موسوعة جينيس كأكثر طالبة لا تذاكر في نفس اليوم»
يظهر التعبير الخطير على ملامحها، الذي ينذر بجنونها، و هي تقول:
«أنت تسخر منّي»
يرفع ذراعيه مستسلماً بخوف مصطنع، يهتف: «أبداً، فقط لا تغضبي»
تنطلق ضحكاتها هي هذه المرة، لأول مرة منذ أن جلسا، يرمقها بابتسامته المميزة، بينما يسمع نبرتها التي تحمل عدم التصديق:
«أتعلم؟
مَن يراك لا يصدق أبداً أنك الأول على الدفعة لثلاث سنوات متتالية»
يميل مستنداً برأسه على كف يده، يسألها بتسلية: «لِمَ؟»
تشير بيدها ببساطة بينما تجيبه بمنطق عجيب: «لأنهم يكونون.. كيف أقولها؟
ينامون و يستيقظون، يأكلون و يشربون و الكتاب في يدهم..
تراهم بعدسات زجاجية سميكة تغطي نصف وجههم»
تصمت متفحصّة عيناه التي ترمقها باستمتاع، ثم تسأله رافعة حاجبيها بفضول:
«ألا تمتلك عدسات زجاجية للنظر؟»
يهز رأسه بنفي، يقول بضحكة مكتومة: «لا أحتاجها، نظري ستة على ستة الحمد لله»
تصدر صوتاً ما، و تقول: «جيد، لنعود إلى موضوعنا..
تراهم أيضاً أشخاص معقدين بدرجة امتياز، لا يعرفوا إلا الكتاب صديقاً و ونيساً، فلا يخرجوا.. يتنزهوا.. يصادقوا.. يمزحوا، باختصار يعيشون في عالم منغلق لا يحتوي سوى على كتبهم»
لم يستطع تمالك نفسه أكثر من ذلك، عاد ليضحك من جديد، لكن ضحكته هذه المرة طالت و طالت دون أن يستطع التوقف، و جنان تنظر له بحيرة!
شعر بأنفاسه تختنق داخل صدره، يشهق بقوة طالباً للهواء..
تشهق هي بذعر، و تقول بفزع:
«ماذا، ماذا بك؟
توقف عن الضحك حالاً، هيا توقف»
نفس آخر أخذه بقوة، تبعه ببعض رشفات من الماء، ليعود إلى طبيعته، فيما تسأله:
«أنت بخير؟»
يتجاهل سؤالها، يقول ببقايا ضحك: «أنتِ خطيرة..
معقول تجدينا بكل هذا السوء»
تستعد جنان لسرد المزيد مما تؤمن به: «و لا زال هناك»
يسارع برفع كفيه مانعاً إياها من المتابعة، و هو يقول: «لا أرجوكِ، لن استطع السيطرة على أنفاسي المرة القادمة»
مال برأسه عائداً إلى وضعيته السابقة، يسألها بتسلية: «و ماذا بي أنا مختلف عن هؤلاء الطلاب؟»
هتفت بتفكير و عدم التصديق مما تقوله يظهر على ملامحها: «أنت مرح.. تضحك و تمزح، لا يبدو أنك معقد مثلهم»
يهز رأسه بعدم تصديق مماثل، لكن إثر منطقها الذي لا يقبله عقل!
«أتعلم؟
حينما اصطدمت بك أول مرة لم أصدق نفسي»
تبرق حدقتاه متذكّراً، إنها الفتاة التي اصطدم بها في أول يوم دراسي، و التي ظلت تنظر له ببلاهة حينها دون أن تنطق بحرف!
«نعم أنتِ»
تفهم أنه لم يكن متذكّراً لقائهما الأول، تقول ببساطة: «طبيعي ألا تتذكّر ما حدث ذلك اليوم، أمّا أنا..»
«أنتِ ماذا؟»
حثها للمتابعة و قلبه ينبض بـ.. فضول!
«أنا بالنسبة لي اصطدامي بالأول على الدفعة هو حدث الموسم»
«ماذا إذاً عن جلوسكِ معه؟»
سألها بنبرة بدت غريبة عليه شخصياً.
يتفاجأ بإجابتها المفعمّة بالمرح و الكثير من.. التحذير!
«عليك الخوف، فمن الممكن أن أنافسك هذا العام على المركز الأول»
يسحب الأوراق إليه، يقول مرحباً: «يسعدني ذلك، و لكن ثقي أن هذا المركز مكتوب باسمي»
ثم يتابع الشرح لها، فتجاهد لاستعادة تركيزها و فهم ما يقوله.
**********
عودة إلى الوقت الحالي
يوم عقد قران عزام و مروة
جالسة في غرفتها رافضة الخروج و مقابلته بعناد تتشبث به، لا تعلم من أين ظهر هذا الشاب فجأة فيأتي لزيارتهم مراراً و يصّر والدها على مقابلته!
صحيح أنها لم تقابله سوى لمرة واحدة في اليوم الكارثي كما تسميه، عندما جاء ماهر و فعل ما فعل، لتختلي بعدها في غرفتها خلال الأيام التالية رافضة الخروج عندما يأتي للزيارة..
و اليوم تحديداً لا ينقصها المزيد، يكفيها عدم حضور عقد قران صديقتها المقربة..
توقفت أفكارها و هيثم يدخل غرفتها، تتلقى هجومه بتأفف:
«لمياء، عيبّ عليكِ، الرجل بالخارج منذ ما يقارب الساعة، اخرجي ألقي التحيّة حتى و بعدها عودي لغرفتكِ»
كررت نفس الإجابة التي قالتها لوالدتها منذ عدة دقائق: «لا أريد الخروج و لا رؤيته»
يعود هيثم للتكرار بصبر: «عيب يا لمياء، الرجل في منزلنا..
ثم أنه سأل عنكِ»
و قبل أن تقاطعه بحدة، وضحّ: «لقد نفذت كل الأعذار التي لدينا خلال الأيام الماضية، بتنا نشعر بالحرج منه»
تهتف بعصبية إثرها التشوش الذي تشعر به، إصرار مروان على مقابلتها يصيبها بالحيرة، تدرك كامل الإدراك أنها لن تشغل و لو حيّزاً صغيراً من تفكيره يوماً، و في نفس الوقت لا تجد وجهاً تقابله به بعد ما قاله ماهر أمامه.
«و هو ألا يشعر بالحرج؟
ألا يمتلك بعض الدماء ليكفّ عن المجيء و إزعاجنا بوجوده؟
بالله عليك لقد زارنا أكثر من ثلاث مرات خلال أسبوع واحد»
يبرر هيثم بارتباك، يخشى أن تكتشف ما يدور وراء ظهرها!
«أبي هو مَن يدعوه بنفسه، يصّر على مجيئه»
و يا للسخرية، إن كان أبي يرتب لعلاقة بيننا، فهذا.. مستحيل!
«و أبي يجلس معه!»
عند هذه النقطة لم يجد هيثم ما يقنعها به، فصمت مفكراً، ثم أطلق تنهيدة ارتياح و الفرج يأتي بهتاف والده الصارم:
«لمياء، خمس دقائق و تكونين بالخارج، لن أقول أكثر»
و كما ظهر حامد أمامهما فجأة اختفى فجأة، متأكد أن لمياء ستتبعه فوراً، فهي ليست غبية لألا تستجيب!
**********
بخطوات عصبية تناقض وضعها و بطء سيرها خرجت، انتبه مروان إلى وجودها فارتفعت نظراته التائقة لها..
يشتاق، و شوقه هذه المرة تعدّى كل المرات السابقة..
هناك فرق بين أن يشتاق لسراب، و واقع ملموس!
حبيبته اليوم أصبحت واقعاً، بقليل من الجهد و الكثير و الكثير من الصبر ستكون له!
«مساء الخير يا هاربة»
رمقته باستنكار، مرددة وراءه: «هاربة!»
يومئ بتأكيد مستفزاً إياها، بجانبه حامد سعيد بتعامل مروان السلس معها، فهو يستطيع جذب انتباهها إليه بكلمة!
نجح في فعل ذلك في المرة السابقة، و ها هو ينجح مرة أخرى اليوم!
تجلس لمياء أمامه، حيرتها تزداد دافعة المزيد و المزيد من الأسئلة إلى عقلها، إن كان والدها يرتب حقاً لعلاقة بينها و بين مروان، فكيف يوافق هو على ذلك؟
أم أن والدها يستخدمه دون أن يدري لعل قلبه ينبض لها!
ضحكت ساخرة، فإن كان كذلك فوالدها يحلم، و سيستيقظ على.. كابوس!
«أنا لا اهرب من أحد»
قالت بثقة تخفي ورائها كذبها.
«نعم صحيح، و الدليل أنكِ كنتِ تستقبليني من على باب المنزل»
جزت على أسنانها مانعة نفسها من التطاول عليه و إيضاح مدى بروده و تطفله.. خوفاً من والدها الذي يبدي اهتماماً خاصاً به!
«لكن لا مشكلة لقد سامحتكِ»
لم تستطع منع نفسها، هتفت بسخرية: «يا لقلبك الحنون»
ولعجبها، انفجر ضاحكاً!
ضحكة صافية أزالت الاستفزاز الذي كان يعتلي وجههاً، بدى مسترخياً وسيماً بدرجة لفتت نظرها، فتزداد سخريتها من والدها إن كان ما تشعر به صحيحاً..
مروان من سابع المستحيلات أن يتورط معها!
نعم هي ورطة بوضعها، عبء على مجتمع لا يراها سوى عاجزة، لا يحمل لها سوى الشفقة، أصبح كل همها هو كيف ستقضي الأيام المتبقيّة لها على وجه الأرض.
«إن سمعتكِ أمي ستُعجب بكِ و تمنحكِ كامل حبها و دعمها، أمّا شقيقتي»
يهز رأسه بطريقة جلبت الضحكة إلى شفتيها، خاصة مع كلماته الممتعضة: «من الأفضل ألا نفكر في رد فعلها»
«هاتفكِ حبيبتي»
صوت والدتها قاطع استرساله في الحديث..
يعبس بملامحه تلقائياً.. خوفاً من عودتها إلى انغلاقها مرة أخرى!
تتأكد ظنونه و هو يلاحظ الحزن الذي أخذ يرتسم على ملامحها ببطء و هي تحدق في شاشة هاتفها..
يتساءل بغيرة خالية من التعقل إن كان المتصل هو ماهر، لذلك تبدو بذلك الوضع!
يطلق تنهيدة ارتياح و صوتها يرن في أذنه: «مرحباً لارا»
يعتلي الذهول ملامحه و هو يرى الابتسامة الصادقة التي ترتسم على شفتيها، نبرتها التي تحمل سعادة خالصة تخالف حزن عينيها:
«أعطيها الهاتف لأتحدث معها قبل أن يخطفها الدكتور»
تابع كلماتها بتركيز لم تنتبه إليه في ظل انشغالها بتهنئة صديقتها و الاعتذار منها على عدم الحضور.
«لن تحضري حفل عقد قران صديقتكِ؟»
سألها حالما انتهت من المكالمة.
تعقد حاجبيها من تطفله، تفضّل عدم الرد عليه.
يتنهد بداخله موقناً أنه عاد لنقطة الصفر معها!
تدخل هيثم في الحديث مفصحاً: «نعم، مع أن مروة أصّرت عليها الحضور، إلا أن لمياء بدورها أصّرت على عدم الذهاب»
«لِمَ؟»
عاد مروان بسؤاله إليها متمنياً أن ترد عليه.
تنفجر لمياء مُخرجة كل ما في صدرها..
لم تعد تحتمل المزيد من الضغط من مروة، بالإضافة إلى هذا الشخص الذي لا تعلم ما يريده!
و المصيبة أن أفكارها اتجاهه تُشعل أنوثتها الخامدة، التي تعلم أن لا أحد سيهتم بها!
«ألا تعرف لِمَ؟
ألا ترى وضعي؟
أنت لا تعلم ما أجده عندما فقط أذهب إلى المشفى، ما أتلقاه من نظرات شفقة أو استحقار و كأنني مَن فعلت هذا بنفسي و بملأ إرادتي»
تتابع بسخرية تجلت على ملامحها: «بالطبع لا تعلم، و كيف ستعلم؟
لا أحد منكم سيشعر بي، لن يدرك مشاعري و الأذى النفسي الذي أتعرض له»
لم يتفاجأ، كان يتوقع كل ما يدور في داخلها، بل الأكثر!
لكن ما آلمه أنه ليس بجوارها كما ينبغي، لا يستطيع حتى الآن التخفيف عنها..
انتبه إلى نهوضها المتعثر..
سارع للوقوف أمامها غير مبالي بعائلتها المحيطة بهما.
«أنا اشعر بكِ، أعلم جيداً ما تعانينه، لكنني أعلم أيضاً أنكِ قوية.. ستتجاوزيه بسهولة، ستعتادي على وضعكِ هذا مع مرور الأيام و.. ستضحكي على أيام ظننتي فيها أن ما حدث سبب بؤسكِ!»
و كأنها تنظر لمجنون!
نعم هو هكذا، كيف يظن أنها ستضحك يوماً على ما أصابها؟
بالعكس ستظل تبكي و تبكي لتطلب من الله أخيراً أن يغفر لها و يلهمها الصبر للمتابعة، كما تفعل كل ليلة!
«أنت لا تشعر و لا تفهم، و من المستحيل أن تستوعب يوماً ما أمر به»
و في لحظة كان سيتهور و يخبرها بكل شيء، أنه يشعر.. يتألم مثلها و أكثر..
قبضة حديدية تحتكم حول قلبه بكل قوة إلى حد الوجع و هو يرى ألمها..
لكن هل حان الوقت؟
و جاءت الإجابة على سؤاله الغير منطوق من والدها:
«حبيبتي»
ضمها إلى صدره، يسحبها لتجلس مرة أخرى، عيناه ترسل نظرات التحذير إلى مروان.. سبب كل ذلك!
و لم تكن لمياء تحتاج إلى أكثر من ذلك لتنهار باكية!
بكل الألم الذي يملأ قلبها..
الخوف الذي ينهش عظامها..
الأنوثة التائقة إلى نظرة مُعجبة..
الـعقل الذي يدرك استحالة ذلك!
الوجع على حبيب تخلى عنها في أزمتها!
انهارت ناسية كل ما حولها، تطفو وحيدة في عالم لا يوجد فيه سواها..
يزداد احتضان حامد لها، نظراته تقسو على مروان غير مبالي بالحزن الظاهر على وجهه..
لا هي ليست وحيدة كما تعتقد، هو هنا.. معها!
صوته انتشلها من دوامة كانت تدور فيها و لا تعرف كيف تخرج منها..
تأتي نبرته المحمّلة بالندم و الحزن لتسحبها عنوة:
«لمياء أنا لم أقصد جرحكِ، صدقيني لم أكذب عندما أخبرتكِ أنني أشعر بكِ، بالعكس قلبي يتألم عليكِ..»
و من قمة الألم و الانهيار إلى قمة.. الغضب!
ارتفعت نظراتها الشرسة إليه، قائلة:
«أنا لا انتظر أي شفقة منك، فهمت؟
لا منك و لا من أي أحد، لا أريد شفقة من أحد»
يختفي الغضب و يعود الانهيار فارضاً سيطرته..
إلا أنه لم يسمح بذلك، حاول قائلاً: «أنا لا اشفق عليكِ، من الأساس لا أجد ما يستحق شعوراً كهذا..
قلبي يتألم على حالكِ، القوقعة التي تحبسين نفسكِ فيها رافضة الخروج منها، تحيطين نفسكِ بالحزن و لا تقبلي ابتعاده و كأن هناك ما يستحق!»
عاد غضبها دافعاً الانهيار بعيداً، لتصيح بجنون: «لا يستحق؟!
انظر إلى وضعي جيداً، أترى أن حزني لا يستحق؟!
أنا عاجزة.. بساق واحدة.. لا استطيع العيش بطبيعية كغيري من الفتيات»
بلا اعتبار لوالدها الذي يشدد ذراعيه حولها، سحبها لتقف أمامه، مستندة على كف يده الصلبة بدلاً من عكازها، وسط دهشة الجميع!
شهقت لمياء متفاجئة، إلا أنها لم تستطع اتخاذ أي رد فعل، فأي حركة ستؤدي إلى سقوطها!
تأتي نبرة مروان القوية مخترقة أذنها، و كأنه يدفع الكلمات إلى عقلها دفعاً لتستوعبها!
«انظري إلى نفسكِ جيداً، أنتِ لستِ عاجزة، أنتِ قادرة على الوقوف.. على الحركة وحدكِ حتى لو كنتِ تستخدمين عكازاً ليساعدكِ!
أنتِ قادرة على القيام بأقل احتياجاتكِ دون مساعدة أحد حتى لو كنتِ تجدين صعوبة في ذلك!
و قريباً سينتهي كل هذا، ستسيري بدون عكاز، ستقومي باحتياجاتكِ دون مواجهة أي صعوبات..
العجز ألا تستوعبين ذلك!»
بذهول نظرت له، و كما أراد.. كلماته اخترقتها مترددة في عقلها أكثر من مرة مسببة لها الصداع..
و مع ذلك لم تصدق.. لم تقتنع، قلبها لم يفهم؛ مقتنعاً بفكرة واحدة ظهرت في نظراتها الضائعة، ليقرأها بسهولة!
«أنتِ جميلة، و لن ينتقص جمالكِ أي شيء..
صدقيني أي رجل يتمنى نظرة واحدة منكِ.. أي رجل..
و أولهم أنا»
شهقة أخرى مذهولة صدرت منها، تزمناً مع الذهول الذي سيطر على عائلتها..
والدتها لا تصدق أن أحدهم يرغب في ابنتها بوضعها الحالي!
حامد لا يصدق أن مروان أفصح عن رغبته بهذه السرعة.. من ثاني مقابلة!
و هيثم يبتسم براحة!
«أنا لا أتمنى نظرة فقط، بل أتمنى قلباً يشعر بي، بحبي و شغفي و شوقي، قلب يكون لي الوطن الذي ألجأ إليه، الراحة التي أبحث عنها بعد يوم طويل متعب..
فهل تقبلين؟»
**********
كبح شتيمة كادت تخرج من بين شفتيه و جده يدخل خلف أحمد، فيرحم الأخير من سيل اللكمات الذي كان سيوجه إليه!
أطرقت مروة برأسها المتورد، نبضاتها تطرق بعنف إثر العاطفة التي تبادلتها معه منذ دقائق..
«ابتعد يا ولد، أريد الجلوس بجانب حفيدتي»
ضرب الجد عصاه التي يستند عليها بين عزام و مروة..
يبتعد الأخير تلقائياً مفسحاً المكان لجده، ضغط على أسنانه بحنق من الجميع الذين يصّرون على استفزازه!
لارا.. أحمد.. و أخيراً جده، و كأنهم متآمرين عليه!
يستفزه أحمد أكثر بنبرته الماكرة: «خشيت أن ادخل بمفردي فتقتلني، لذا جلبت الرأس الكبير معي»
في نفس الوقت الذي تعالت فيه نبرة جده المشاكسة: «ماذا فعلت في حفيدتي يا ولد؟
لِمَ وجهها أحمر؟»
رمشت بعينيها بصدمة من سؤال جدها الجريء، متمنية أن تختفي من أمامهم هذه اللحظة!
يجز عزام على أسنانه لا يجد ما يجاوب به على سؤال جده، يلتفت إلى أحمد مخرجاً حنقه فيه:
«لك يوم يا ابن العم، و حينها صدقني لن أرحمك»
يبتسم أحمد بمشاكسة، يبادله الهمس: «في أحلامك..
أنا طائر حر لا أتقيّد في قفص»
زفر عزام أنفاسه بعنف، غضبه يزداد، جسده يشتعل مطالباً باستكمال ما كان يفعله!
تأتي الرحمة على يد جده السعيد بجمع أغلى حفيدين على قلبه:
«لقد حجزت لكما في مطعم لتناول العشاء و السهر..
اذهبي و بدلي ثيابكِ حبيبتي لتذهبي مع زوجكِ»
و كم جميلة تلك الكلمة (زوجكِ)..
جميلة كجمال انتمائها له، حملها لاسمه..
أسرعت منفذة ما قاله جدها..
يهمس عزام إلى أحمد بامتنان:
«شكراً يا ابن العم على جلبك لـ( الرأس الكبير) فهذا ما كنت احتاجه للإنفراد بزوجتي»
ثم مال مقبلاً كف جده، قائلاً: «ليحفظك الله لنا و يمنحك طولة العمر يا جدي»
في حين لوى أحمد شفتيه بامتعاض، فما فعله لإثارة غيظ ابن عمه فشل!
**********
جده متآمر عليه!
عليه الاعتذار منه فور عودته على إساءة الظن به!
جده المتآمر عليه حجز له في مطعم هادئ.. رومانسي، ذو جلسات مغلقة تمنح لرواده الخصوصية اللازمة، بمقاعد أرضية حمراء و سوداء تمنحهم الراحة.
طلب ما يريداه من طعام، ثم سحب كفها ليقبله بعمق و شغف أعاد إلى مشاعرها اضطرابها.
«عزام ابتعد، من الممكن أن يرانا أحد»
يبعد شفتيه عن كفها مبتسماً، يقول بمشاغبة:
«أولاً من المستحيل أن يرانا أحد، فجدي اختار مكاناً يناسب حفيده المسكين»
ثم يظهر تعبير طفولي على وجهه و هو يتابع ببراءة: «ثانياً أنا لم افعل شيئاً خاطئاً، إنها فقط قبلة يد»
سحبت كفها من قبضته القوية.. الحانية، قائلة بخجل: «حتى لو»
تتابع بتوتر ملاحظة تبدّل ملامحه إلى أخرى عابثة: «دعنا نتحدث»
يميل برأسه و العبث مازال يحتل ملامحه، يختفي من على وجهه خلال ثواني و سؤال مهم يلح على عقله بقوة، فيسألها بحذر:
«لنتحدث..
أخبريني.. هل تشعرين بالسعادة؟»
الغريب أنه يسألها سؤالاً كهذا!
ألا يرى وجهها المتورد سعادةً؟
ألا يشعر بقلبها المحلِق فرحاً؟
ألا تجذبه حرارة جسدها؟
«ألا تعرف الإجابة حقاً؟»
بلى يعرفها، لكنه يحتاج لسماعها، ليطمئن قلبه و تسكن روحه.
«أريد سماعها»
و آه لو تدرك أن كلماته متوارية.. تحمل معنى آخر ورائها..
هو يود سماع كلمة أخرى، يتمنى أن تخرج من بين شفتيها دون أن يطلب!
إلا أنها لم تدرك ذلك، هتفت مجيبة على سؤاله:
«ظلمٌ إطلاق كلمة سعادة على ما في قلبي، فمشاعري تعدت هذا بكثير»
و مع ذلك لم يرضِه ما قالته، سأل بفضول و أصابعه تتحرك للعبث بخصلات شعرها:
«إلى أي حد؟»
تزداد وتيرة أنفاسها، بينما تجيبه بابتسامة تُظهر غمازتها التي تفقده سيطرته على نفسه:
«لا اعلم، لا استطيع وصف مشاعري من فرط سعادتي»
ثم تسأله بدورها: «وأنت.. سعيد؟»
تصدر ضحكة خافتة من بين شفتيه.. تفضح مشاعره، ثم يقول: «لم أكن سعيداً مثل اليوم، و لن أكون سعيداً مثل الأيام القادمة»
تتسع ابتسامتها، تسأله بمشاكسة: «واثق جداً أنك ستكون سعيداً معي!»
يرتفع حاجباه بدهشة، يسألها: «و هل لديكِ رأي آخر؟»
تهز رأسها نافية برقة، قبل أن تسكن تماماً فتتوقف عن الحركة، تضيع الكلمات من على شفتيها..
ساكنة تماماً ماعدا قلبها المنتفِض داخل صدرها بعنف، الفرحة و عدم التصديق، و هو يستقبل اعترافه بكل سعادة:
«أحبكِ»
تغمض عينيها مستمتعة بمذاق الكلمة، فيقترب منها لتستمتع شفتيه بمذاق الشوكولاته!

اححححححححم
استنوني عالعشا ان شاء الله مع الجديد

روحكِ تناديني (كاملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن